مع استمرار تداعي الأسوار التي طالما حجبت عالم الفن - العرق، والجنس، والنزعة الجنسية، والجغرافيا - أو اختراقها أو تحطمها بالكامل، باتت عروض المتاحف الفنية تزداد ثراء على نحو غير مسبوق. من المقرر أن يقيم كل من مؤسسة لويس فويتون فاونديشن في باريس، ومتحف سان فرانسيسكو للفن الحديث معرضين فرديين لفنانَين كانا لفترة غير بعيدة موضع تجاهل تام. المعرضان لا يستحقان المشاهدة فحسب، بل إنهما يستحقان الرحلة.

 

سيندي شيرمان

تضمن شيرمان بكل تأكيد، بوصفها إحدى عمالقة عالم الفن على مدى العقود الأربعة المنصرمة، مكاناً لها في القائمة. فبداية من مجموعتها «Untitled Film Stills»، التي أبدعتها بين عامي 1980-1977، وتضم 69 صورة فوتوغرافية باللونين الأبيض والأسود، والتي شاركت في الظهور فيها كمثال على صور نمطية أنثوية في هوليوود، إلى صورها الملونة التي تعبر عن كل شيء، من قدامى كبار الرسامين الأوربيين وأعمدة المجتمع إلى صور شخصية على إنستغرام، شقت شيرمان دربًا مشرقًا ليس فقط فيما يخص الفن النسوي بل الفن المعاصر بكامله. وقد جرى الاحتفاء بها على نحو كبير، من خلال عدد كبير جدًا من الجوائز ومعارض المتاحف التي لا يتسع المقام هنا لذكرها.

لكن أربعة عشر عامًا انقضت منذ آخر معرض كبير لها في باريس، ما يجعل معرض مؤسسة لويس فويتون الاستعادي قد آن أوانه. إن المعرض، الذي يضم 170 عملاً من أنجح أعمالها (من مجموع 300 صورة)، سوف يعرض أيضًا سبع لوحات فنية جدارية جديدة تزدان بصور شخصية من إنستغرام تخص شيرمان، والتي تشكل بعض ما تفضله سوزان باجيه المديرة الفنية للمؤسسة.

تقول باجيه: «يستخدم الأشخاص إنستغرام ليجعلوا أنفسهم أكثر إغراء أو جمالاً، أي بهدف مجاراة واقع الحال. لكنها تجعل نفسها قبيحة للغاية. إنه وضع استفزازي ضد ما يجري إملاؤه.»

أسهمت شيرمان أيضًا في إثراء مجموعة كروسنغ فيوز التي ستعرضها المؤسسة في عرض متزامن، وتعكس صدى ما يشغلها من هواجس. إن فنانين سبقوا زمن شيرمان، ومنهم من جاء بعدها، هم ضمن القائمة، من بينهم لويز بورجوا Louise Bourgeois، ورينكي ديكسترا Rineke Dijkstra، وزانيل موهولي Zanele Muholi.

 

 لوحة The Cellist أبدعها ديفيد بارك عام 1959.

لوحة The Cellist أبدعها ديفيد بارك عام 1959.

  

ديفيد بارك

ذات يوم في أواخر عام 1949 أو أوائل عام 1950، حشد بارك قدر ما استطاع من لوحاته التعبيرية التجريدية داخل سيارته ونقلها إلى مكب النفايات في بيركلي بكاليفورنيا، كانت تلك واحدة من الإيماءات الدرامية التي تبعث على الذهول، والتي تكفل ظهور أساطير في عالم الفن.

 تقول جانيت بيشوب، كبيرة أمناء متحف سان فرانسيسكو للفن الحديث: «قد يكون الأمر منطقيًا أكثر لو عمد ديفيد بارك إلى كشط اللوحات أو إلى الرسم فوقها من جديد. لكن من الواضح أنه كان بحاجة إلى بداية جديدة تمامًا». 

إن تطهير محترف بارك مكّنه من الانصراف إلى ما كان آنذاك اتجاهًا كاسحًا: إنه الرسم الرمزي، أو «الصور» كما أطلق هو عليه. تقول بيشوب: «أصيب الناس بالذهول». اعتقد أحد الأصدقاء أنها مزحة. لكن سرعان ما لحق به أقرانه، عندما أمست تراكيبه أكثر تعقيدًا، وإبداعات فرشاة ألوانه أكثر ثقة، ما أدى إلى الانفصال عن هيمنة مدرسة نيويورك الفكرية لصوغ حركة باي آريا للفن الرمزي، ما شكل انقسامًا جوهريًا بين الاتجاهين.

إن متحف سان فرانسيسكو للفن الحديث، الذي عرض أعمال بارك وهو في الثالثة والعشرين من العمر ضمن معرضه الافتتاحي عند إطلاقه في عام 1935، يحظى بأعمال فنية تغطي مرحلة حياته المهنية، وهو يعمد إلى تنظيم معرض استعادي يزخر بما مجموعه 127 عملاً فنيًا، من بينها عدد قليل من لوحات تجريدية بقيت محفوظة. كما ستُعرض أعمال بارك الختامية المؤثرة على الورق، التي أبدعها في عام 1960 عندما شارف على الموت بسبب مرض السرطان وهو في التاسعة والأربعين من العمر. تشمل هذه الأعمال لوحة ذا سكرول The Scroll التي يبلغ طولها 30 قدمًا، وهي تصوير ذو خصائص سينمائية لحياة حضرية بهيجة أُبدع بقلم رسم على لفافة ورق مخصص لتزيين الرفوف.

 

"تعمد شيرمان إلى جعل نفسها قبيحة للغاية. إنه وضع استفزازي ضد ما يجري إملاؤه."

 

 الشاهد المشهود