كانت أول ساعة امتلكها حمدان بن حميد الهديدي من طراز Turn-O-Graph من رولكس تستوطن علبة من الفولاذ. لكنها حملت أيضًا أولى بشائر ذلك الشغف الذي ورثه جامع الساعات عن والده، ومضى يصقله عبر أكثر من 18 عامًا، مستكشفًا خبايا صناعة نبض الوقت وتعقيداته الوظيفية وعوالم العظماء المستقلين في هذه الصناعة الذين تسنت له فرصة مقابلتهم وبناء علاقات وطيدة معهم. وفي العام الفائت، توّج الهديدي مسيرته في جمع فرائد الساعات والتعمق في معرفة هذا العالم الإبداعي بإطلاق أشفيلدز Ashfields، أول شركة استشارية في عالم الساعات في المنطقة، ومن بعدها صالة بربيتوال Perpétuel Gallery التي تتيح للجامعين الوصول إلى ثمار مشاريع تعاون حصرية مع كبار الصنّاع المستقلين وإلى فرائد ساعات عتيقة الطراز نادرة وصعبة المنال.

في مكتب أشفيلدز بمركز دبي التجاري العالمي، حيث تتجاور أعمال من الفن المعاصر وكتب قيّمة في موضوع الساعات الراقية لتشي بالذائقة الرفيعة لمؤسس الشركة ورئيسها التنفيذي، ننغمس في عالم الهديدي، القارئ النهم إلى معارف يتشاركها اليوم مع شبكة واسعة من الجامعين فيما يضع خبراته المديدة في هذا المجال في متناول أفراد وشركات ينشدون خدماته الاستشارية، ويمد جسور الوصال بين أترابه وعظماء الصناع المستقلين والنخبويين، من فيليب دوفور وإف ب. جورن إلى غروبل فورسيه وروجر و. سميث وغيرهم.

شغفتم بالساعات وصناعتها في سنّ مبكرة. متى تجلى لديكم هذا الميل؟

كنت لا أزال في بداية مرحلة الدراسة الثانوية عندما تجلّى لديّ الشغف بالساعات، لا سيّما وأني شرعت أتعمق في القراءة حول موضوع صناعة الساعات والمسار الدقيق لبنائها. أثار هذا الموضوع اهتمامي إلى حد بالغ. إنها تجربة مبهرة بتفاصيلها كافة، بما في ذلك العلاقة التفاعلية بين صانع الساعات وجامعها، ومشروع التفويض لابتكار ساعة، ومرحلة الانتظار قبل تسلمها.

كيف تغيّر منظوركم لجمع الساعات بمرور الوقت وما أبرز العبر التي اكتسبتموها عبر هذه المسيرة؟

لم أكن قط منجذبًا إلى الساعات النموذجية. بل إن ساعة رولكس التي امتلكتها في تلك البدايات لم تكن تقليدية. بمرور الوقت، يكتشف المرء خلال مسيرة جمع الساعات ما يفتنه حقيقة، وإلى أي حد تعكس مجموعته ذائقته الخاصة وشخصيته. لا شك في أن هذه المسيرة لن تخلو من الوقوع في أخطاء يستقي المرء منها العبر بما يعينه على تحسين أدائه على مستوى جمع الساعات، لا سيّما إن كان محاطًا بمستشارين أكفّاء في هذا القطاع. أبرز ما تعلمته شخصيًا هو أهمية المعلومات، لا سيّما في مجال يشغفني، لأن المعرفة تتيح المجال أمام بناء مجموعة قيّمة بمرور الوقت. لكن الأهم من ذلك هو بناء علاقات وطيدة.

احتفيتم في شهر يونيو من العام الفائت بالذكرى السنوية الأولى لتأسيس أشفيلدز. ما هي القوة المحفّزة وراء فكرة إطلاق منصة نخبوية لهواة الساعات الراقية في المنطقة؟

لطالما رغبت في تأسيس شركة استشارية في عالم الساعات في منطقتنا. غالبًا ما كنت أقدم على هذه المهمة على سبيل التسلية، لكني أردت أن أقارب الأمر من منظور مهني محترف. كانت شركات عدة تطلب مشورتي، شأنها في ذلك شان أفراد يرغبون في بناء مجموعاتهم الخاصة أو تصويبها، الأمر الذي شجعني على اتخاذ هذه الخطوة. لا شك في أن إطلاقتنا أول شركة استشارية في مجال الساعات والأعمال في المنطقة يتيح لنا تقديم المشورة للزبائن ومساعدتهم على تنسيق مجموعاتهم أو بنائها، لكنه يسمح لنا أيضًا بأن نتشارك خبراتنا في نشر حكايات مبهرة وموثوقة حول صناعة الساعات الراقية، لا سيّما من قبل صنّاع مستقلين ونخبويين، وحول الساعات عتيقة الطراز والابتكارات التي تستحق الجمع. كما أننا ننسق تجارب تفاعلية لجامعي الساعات سنبدأ بالكشف عنها قريبًا.

Siddharth Siva

"تتيح لنا أشفيلدز تقديم المشورة للزبائن ومساعدتهم على تنسيق مجموعاتهم أو بنائها، لكنها تسمح لنا أيضًا بأن نتشارك خبرتنا في نشر حكايات مبهرة وموثوقة حول صناعة الساعات الراقية، لا سيّما من قبل صنّاع مستقلين ونخبويين" 

انطلقت الشركة في زمن جائحة بدا في بداياتها أن قطاع الساعات يواجه المجهول. هل كنتم تقومون بمجازفة جريئة أم تستجيبون لحاجة رصدتموها في السوق؟

لا أخفي أن القرار لم يكن يخلو من مجازفة، لكننا كنا واثقين من النتائج في ظل ما لاحظناه من السلوك في السوق، وتأني الجامعين في القراءة عن الساعات وتعزيز معرفتهم بهذا المجال، فضلاً عن رغبتهم ليس في الاستثمار في ساعات راقية من ابتكار صنّاع مستقلين فحسب، ولكن في الاستمتاع أيضًا بتجربة استكشاف العلامات النخبوية الصغيرة التي تبتكر ساعات راقية بأعداد ضئيلة جدًا. أقول بثقة إن ردود الفعل التي تلقيناها من جامعي الساعات كانت إيجابية على نحو فاق التوقعات، بل إننا نجحنا في بيع مجموعة من مثل هذه الابتكارات الحصرية في أقل من ثلاث ساعات. لقد كان التفاعل في السوق ومن قبل الجامعين خير داعم لقرارنا بالمضي قدمًا في هذا المسار.

تطرحون من خلال أشفيلدز نموذج أعمال غير تقليدي، وتركّزون على إشراك الزبائن في تجارب تُصمم على قياسهم، وذلك من خلال مقاربة تضفي متعة على التجربة الشخصية. كيف تحققون هذا التوجّه عمليًا؟

أتاحت لنا علاقاتنا الوطيدة وطويلة الأمد مع العديد من صناع الساعات المستقلين المنتشرين في أنحاء مختلفة من العالم، ومع العديد من الخبراء في هذا القطاع، فرصة تنسيق تجارب يتسنى من خلالها لجامعي الساعات التواصل مع الصنّاع في وجهات مختلفة، وذلك خلافًا لما هو عليه حال الزيارات التقليدية التي تخلو من عنصر المغامرة والمتعة. على صعيد آخر، إننا ننظر إلى الساعات من المستوى الابتدائي وذات الأسعار الأدنى من حيث كونها مدخلًا ممتعًا لإبهار الجامعين بالتصاميم المتفرّدة ذات الإصدار المحدود، وإن كنا انتقائيين أيضًا في العلامات التي نتعاون معها عند هذا المستوى. أما في ما يتعلق بالساعات الراقية والأعلى تميزًا التي يطوّرها صناع مستقلون، والساعات المتفردة عتيقة الطراز، فإن ثمة متعة في تقديمها والتعامل معها من حيث كونها ابتكارات فنية يتسنى للجامع أن يزيّن معصمه بها مستمتعًا باستثماره.

تبتكرون أيضًا فرصًا جديدة لشركائكم بموازاة تعزيز الوعي في المنطقة إلى صنّاع ساعات لا تُسلط الأضواء عليهم طيلة الوقت. كيف تقيّمون دور أشفيلدز في هذا المجال؟

أشدد مجددًا على أن أشفيلدز شركة استشارية في مجال الساعات تحتكم في توجهاتها إلى الجامع الشغوف بإبداعات أعظم الصناع المستقلين والمولع بالساعات عتيقة الطراز المتفردة الشهيرة في أوساط الصناع والجامعين. وقد أتاحت لنا هذه المقاربة الفوز بثقة الجامعين المحليين والعالميين الذين ينشدون نصيحتنا، وتوقعاتنا وآرائنا، الأمر الذي يسمح لنا بتسليط الضوء على روائع ابتكارات الصنّاع والمبدعين ومصادر إلهامهم وجودة ما يرغبون في تقديمه.

لكن بيع الساعات لا يحتل سلم الأولويات في نشاطكم. فما الذي تسعون إلى تحقيقه إذًا من خلال صالة بربيتوال التي أطلقتموها مؤخرًا؟

تُعد هذه الصالة واحة استكشافية غير تقليدية لجامعي الساعات يتلاقون من خلالها ويعززون معارفهم. وبعيدًا عن ساعات باتيك فيليب عتيقة الطراز المتفرّدة والنادرة جدًا، وابتكارات صنّاع الساعات المستقلين، ستنخرط الصالة في مشاريع تعاون مع العلامات النخبوية الصغيرة ذات الإنتاج المحدود للغاية التي تبتكر طُرزًا خاصة من المستوى المتوسط والمستوى الأرقى. كما ستعرض الصالة وتبيع فرائد تُبتكر حصريًا لها، وسنكشف قريبًا عن أخبار مثيرة في هذا الخصوص.

Siddharth Siva
في مكتب أشفيلدز بمركز دبي التجاري العالمي، تتجاور أعمال من الفن المعاصر وكتب قيمة في موضوع الساعات الراقية لتشي بالذائقة الرفيعة للمؤسس حمدان الهديدي.

كيف تتصورون مستقبل صناعة الساعات؟

يشهد سوق الساعات نموًا متزايدًا، ولا شك في أن الصناع الذين لا يساومون على معايير الجودة والإتقان الحرفي سيحافظون على مكانتهم ويحققون النمو والازدهار على نحو مستدام. إن صنّاع الساعات المستقلين يرتقون إلى مرتبة الفنانين الحقيقيين وابتكاراتهم تلقى الاستحسان من قبل الجميع في السوق وليس من قبل الجامعين فحسب. أما في ما يتعلق بالساعات عتيقة الطراز المتفردة، فإن الطلب عليها هائل وسوقها ستشهد نموًا بسبب ندرتها ومحدوديتها، لا سيّما إذا ما أخذنا في الحسبان أنها تُعد اليوم أصولاً للتداول. أما العلامات النخبوية الصغيرة ذات الإنتاج المحدود جدًا، فتحتاج إلى التركيز على حسها الابتكاري واعتماد مقاربة استراتيجية لتحدد الجمهور الذي تستهدفه وكيف تحقق ذلك، فضلاً عن اختيار الشركاء المناسبين القادرين على مساعدتها استراتيجيًا لترسيخ حضورها ومكانتها في مختلف أنحاء العالم، وتعزيز الطلب المستدام على ساعاتها في أسواق العالم كافة.

من المعروف أنكم من جامعي ساعات باتيك فيليب الجادّين. لكنكم عملتم أيضًا مع عدد من عظماء صناعة الساعات. أي تأثير خلفت هذه التجارب لديكم؟

التقيت وفيليب دوفور، ولا بد لي من القول إنه ليس صانع ساعات عظيمًا فحسب، ولكنه رجل عظيم أيضًا يمتلك رؤية رائعة ومهارات متميزة. أجمع شخصيًا الساعات البديعة التي يبتكرها وأقدّر إبداعاته. يساورني الشعور نفسه أيضًا تجاه إف ب. جورن الذي أفخر بامتلاك مجموعة متفردة من ساعاته التي تبهرني بما تتمايز به من تجليات الإتقان الحرفي ومصادر الإلهام. ولكن إذا ما سألتني اليوم عن العلامة المستقلة التي أفضلها في مجال صناعة الساعات، فإنني سأجيب على الفور قائلاً روجر و. سميث وجورج دانييلز. أقدّر مسيرة سميث وكيف ازدهرت علامته عضويًا انطلاقًا من أساس صحيح، وبسبب عزيمته أيضًا وتحت إشراف صانع الساعات الأعظم في العصر. لم يتبع روجر التقنيات الدقيقة التي يعتمدها دانييلز فحسب، ولكن عمد إلى تطويرها أيضًا على ما تشهد اليوم ساعاته غير التقليدية التي يكثر عليها الطلب إلى حد جعل سميث يقرر عدم قبول أي طلبات إضافية حتى إشعار آخر. أقول بفخر إني لا أتعامل مع روجر و. سميث من خلال صالة بربيتوال فحسب، ولكن أيضًا بوصفي جامعًا يمتلك أجمل الساعات التي ابتكرها. ثمة العديد من صناع الساعات المستقلين المتميزين الذين يعرفهم كبار الجامعين في العالم، لكنهم بعيدون عن الأضواء لأنهم منهمكون جدًا في عملهم ولا يحتاجون إلى التسويق لساعتهم من أجل بيعها. فقائمة الانتظار الخاصة بالطلب على ساعاتهم طويلة جدًا.

بعيدًا عن الساعات، هل تستهويكم عوالم أخرى؟

أنا مولع بالفنون وأهوى جمع الأعمال الفنية المعاصرة، مثل إبداعات تاكاشي موراكامي، وشيبرد فيري وديفيد كراكوف وغيرهم. كما أني أجمع السجّاد، والكتب، والحجارة النفسية. وبالإضافة إلى السفر والاستكشاف، تستهويني المطالعة، لا سيّما للتعمق في المواضيع التي تستثير شغفي.

 

Siddharth Siva         

"أرى أن الحياة جميلة ومن واجبنا أن نشعر دومًا بالامتنان للنعم كافة التي تحيط بنا، ولوجود أحبائنا معنا. من الضروري أن نلمس السعادة في كل لحظة نعيشها. فاللحظات التي تنقضي لا تعود ولا يمكن شراؤها بالمال" 

في زمن تقيدت فيه حركة الملاحة الجوية على نحو ملحوظ، ما هي المدينة أو الوجهة التي كنتم تتطلعون إلى زيارتها في القريب العاجل؟

سافرت مرات عدة في أوج الجائحة وما بعد ذلك، وزرت العديد من الأماكن التي كنت أحتاج إلى الوجود فيها لأسباب مهنية أيضًا، وقد فتحت لي تلك المجازفة الأبواب على فرص عمل جيّدة. لكني أحب أن أقصد ألاسكا التي لمّا تتسنّ لي فرصة زيارتها بعد، ليس لخوض التجربة فحسب، ولكن لأني أتوق أيضًا لزيارة صديق فتنته ألاسكا ولم يعد يرغب في الارتحال عنها.

ما هي السعادة عندك؟

تكمن سعادتي في إسعاد الآخرين وإحداث تأثير إيجابي في حياتهم، بدءًا من والدي ووالدتي ووصولًا إلى العالم كله. لذا أبذل قصارى جهدي في سبيل ذلك. وحدهم المقربون منّي يدركون ما أعنيه حقيقة، ولا يسعني أن أعبّر بالكلام عن الشعور الذي تستثيره فيّ المقدرة على إسعاد الآخرين. أرى أن الحياة جميلة ومن واجبنا أن نشعر دومًا بالامتنان للنعم كافة التي تحيط بنا، ولوجود أحبائنا معنا. من الضروري أن نلمس السعادة في كل لحظة نعيشها. فاللحظات التي تنقضي لا تعود ولا يمكن شراؤها بالمال. لذا أقول للجميع أحبوا قدر استطاعتكم وساعدوا الآخرين وادعموهم بقدر ما يتأتى لكم ذلك.