لا يمكن لأحد أن ينكر الرابط بين الساعات والسيارات، بين الوقت والسرعة. لكن الصلة بين هذين العالمين تبقى أعمق من قياس الوقت فحسب. فما يجمع حقيقة بين صناعة الساعات وسباقات السيارات هو القدرة على تقديم أداء يتميز بأعلى درجات الدقة على مدى فترات زمنية طويلة. وربما لا عالم يُبرز هذا الرابط بكامل تجلياته بقدر سباق الساعات الأربع والعشرين في بطولة لومان المقبلة التي ستنعقد في 15 و16 يونيو حزيران. ففي كل عام، يتلقى الفائزون في سباق التحمل الشهير للسيارات، الذي تحتضنه حلبة سيركوي دو لا سارث في فرنسا، ساعات تذكارية من طراز Rolex Oyster Perpetual Cosmograph Daytona. تُقدم للفائزين في كل عام نماذج من هذا الطراز نفسه من الساعة الميكانيكية ذاتية التعبئة التي يزدان قرصها بمقياس للسرعة. أما الاختلاف الوحيد، فيتمثل بتاريخ السنة المنقوش على الجزء الخلفي من علبة الساعة. في حالة توم كريستنسن، الذي فاز بالمرتبة الأولى في هذه البطولة تسع مرات، مسجلاً على ذلك رقمًا قياسيًا، تؤرخ هذه النماذج من ساعة الكرونوغراف إرثه.

 

يقول كريستنسن: «كنت بالطبع في عمر الشباب أسعى جاهدًا للتميز. وكنت أتوق إلى أن يرتبط اسمي بالمكانة التي تمثلها رولكس». لكن حتى هذا السائق الهولندي الشهير، الذي تقاعد في عام 2014، ما كان ليتصور مساره السريع على طريق النجاح. في عام 1997، تاريخ بداياته في هذه البطولة، حقق كريستنسن الفوز بالمركز الأول من خلال مشاركته مع فريق السباقات Joest Racing الذي يقود أعضاؤه سيارات من طراز بورشه، من ثم واظب على تحقيق الإنجاز نفسه في هذه البطولة من عام 2000 إلى عام 2005. وعلى ما يقول كريستنسن، إن عدم تقديم ساعة رولكس للفائزين خلال هذه المدة لم يكبح رغبته في اقتناء نموذجه الأول من رائعة رولكس. وفي هذا يقول: «كنت راغبًا في الاحتفال، فابتعت ساعة من طراز دايتونا تزهو بميناء أسود، ونقشت بنفسي على الجزء الخلفي من علبتها عبارة «الفائز لعام 2000».

 

كنت راغبا في الاحتفال، فابتعت ساعة من طراز دايتونا تزهو بميناء أسود، ونقشت بنفسي على الجزء الخلفي من علبتها عبارة «الفائز لعام 2000»

 

لم يحتج كريستنسن بعد ذلك لأن يدفع من جيبه مجددًا. وفي هذا يقول: «كسبت أول ساعة لي من طراز رولكس في عام 2008. كان فريق بيجو متقدمًا علينا، إذ إنه كان أسرع بمعدل خمس ثوان في الدورة خلال مرحلة التأهل. لكن المطر ينهمر دومًا خلال بطولة لومان. إنها مسألة توقيت فحسب.» ما حدث هو أن سيارة فريق بيجو فقدت توازنها خلال الساعة الثانية والعشرين من السباق، ما أتاح لفريق أودي، ومعه كريستنسن، الاحتفاظ بالمركز الأول.

 

ربما تبقى ذكرياته عن بطولة عام 2013 هي الأكثر استثارة لمشاعر الفرح الممزوجة بالمرارة. يقول كريستنسن: « كنت قد فقدت والدي في شهر مارس آذار، فأخذت على عاتقي في ذاك السباق تحقيق مهمة شخصية.» لكن مباشرة بعد إتمام ثلاث دورات على الحلبة بدءًا من خط الانطلاق، اصطدم ألان سايمونسن، سائق سيارة أستون مارتن، بأحد الحواجز عند منعطف ترتري روج وقضى نحبه. يقول كريستنسن متذكرًا ابن وطنه الدانماركي سايمونسن: «أخبروني أنه مات قبل موعد ركوبي السيارة بعشرين دقيقة. جلست آنذاك إلى الطاولة وتخيلت وجهي والدي وألان وسألتهما: ماذا عسانا نفعل الآن؟ كان بمقدوري أن أتخيل والدي يحثني على المشاركة والفوز من أجل ألان.»

 

هذا ما فعله كريستنسن إذ أهدى إنجازه لصديقه. كان ذلك فوزه التاسع والأخير على حلبة سيركوي دو لا سارث، وترافق مع ساعتين إضافيتين من طراز دايتونا، إحداهما الساعة الرسمية، بينما الثانية (التي حظي بها بعد أشهر) صيغت في علبة من الذهب الوردي وحملت نقش الرقم 9 في جزئها الأمامي. لكنه كان في طريقه إلى الفوز بساعة ثالثة. يقول كريستنسن: «أهداني لاحقًا وكيل العلامة في الدانمارك ساعة من طراز رولكس بيبسي نُقش عام 2013 على الجزء الخلفي لعلبتها. كانت الساعة تعود إلى عام 1967، سنة مولدي.» ويضيف: «وُلدت في محطة الوقود التي يملكها والدي.» يا له من توقيت.