في وادي موتور فالي، معقل صناعة السيارات في ريف مودينا الإيطالية، يتجلى يقين داني بهار، مؤسس مصنع آريس للسيارات المعدلة حسب الطلب، بأن مركبات اليوم خارقة الأداء لا تزال تحتاج إلى ما يساعد على الارتقاء بمواصفاتها.

 

تشكّل مركبة X-Raid واحدًا من أبرز المشاريع التي اشتهر بها مصنع آريس على نطاق واسع. ارتكز المصنع في بناء هذه التحفة التي تتدثر بهيكل خارجي جديد إلى سيارة من طراز Mercedes – AMG G63.

تشكل مركبة X-Raid واحدًا من أبرز المشاريع التي اشتهر بها مصنع آريس على نطاق واسع. ارتكز المصنع في بناء هذه التحفة التي تتدثر
بهيكل خارجي جديد إلى سيارة من طراز Mercedes – AMG G63.

 

يقول داني بهار، المشارك في تأسيس مصنع آريس ديزاين: «إننا نخوض حربا ضد كل ما هو عادي. لا شك في أن فيراري، ولامبورغيني، ورولز – رويس، تشكل علامات رائعة. إنها رائعة بحق

 

لكن بعض زبائننا يمتلكون 600 سيارة من مركبات هؤلاء الصنّاع. إنهم يشكلون نخبة زبائن تلك الشركات. لكن عندما يرغب هؤلاء في سيارات مختلفة ومتميزة حقًا، فإنهم يجدون أنفسهم في مواجهة القوانين والقيود التي تفرضها أي من الشركات الكبرى، حتى وإن كان الرئيس التنفيذي للشركة يعرف الواحد منهم بالاسم. وعلى هذا، قد تبدو أحيانًا سيارة من طراز فيراري أو غيرها عادية بحسب المعايير الخاصة لأولئك الزبائن، وعملنا يبدأ حيث ينتهي هذا العادي برأيهم».


يظل بهار رجلاً استفزازيًا كعادته. كنا نتبادل الحديث في مكتبه الفسيح وبسيط التصميم في منشأة آريس الإنتاجية في مودينا بإيطاليا. تقع المنشأة في قلب وادي موتور فالي الإيطالي، على بعد مسافة قصيرة بالسيارة من مصانع فيراري ولامبورغيني ومازيراتي وباغاني، وحتى على مسافة أقصر إن كنا سنستخدم واحدة من تلك المركبات التي واظبت هذه الشركات على تصنيعها هنا على مدى قرن كامل، والتي تبدو أقرب إلى مآثر حركية بصرية.

 

 مركبة X-Raid


تحمل هذه الشركات كلها أسماء مؤسسيها. لكن قطاع صناعة السيارات خارقة الأداء اجتذب على الدوام محركين هزّوا قواعده. إنهم في غالب الأحيان شبان بلغوا مرحلة النضج في سن مبكرة، يتمتعون بشخصيات قوية ويعشقون السيارات، لكنهم سعوا إلى إحداث هزّة على مستوى المقاربات الهندسية والإدارية التي قد تصيب أحيانًا وتخيب أحيانًا أخرى في هذا القطاع. كان النمساوي الكندي والتر وولف، أحد الأثرياء في قطاع النفط والمؤسس لفريق مشارك في سباقات الفورمولا 1، زبونًا وفيًّا لشركة لامبورغيني، وكان يواظب على ابتياع أحدث مركباتها. كان وولف لا يزال في الثلاثينات من العمر عندما موَّل مشروع تطوير مركبات فردية بمزايا محسّنة للثبات. تبنّت لامبورغيني لاحقًا إنتاج تلك المركبات على نطاق واسع، وأبقت على الأرجح ذاك المشروع قائمًا. في مطلع ثمانينيات القرن الفائت، عمد باتريك ميمران إلى شراء علامة لامبورغيني المتعثرة حتى ذلك الحين، وكان لا يزال في العشرينات من العمر. أنقذ ميمران الشركة ثم باعها سنة 1987 إلى كرايسلر، وانصرف لاحقًا إلى ترسيخ حضوره بوصفه فنانًا للوسائط المتعددة.

 


يُعد بهار خلفًا لكل من وولف وميمران. فهو من يكسر القواعد اليوم في موتور فالي. أما المهمة الأخيرة التي تبناها، فتتمثل في ابتكار سيارات تتميز بهياكل خارجية متفردة تُصمم حِرفيًا حسب الطلب، ولا يكون إنتاجها ممكنًا فحسب، بل ميسور التكلفة أيضًا بحسب المعايير السائدة في المنطقة. يذكر أن تصنيع هياكل السيارات الخارجية يدويًا كان يشكّل المعيار المتبع قبل الحرب العالمية الثانية، وظل رائجًا في مجال إنتاج السيارات الرياضية الفخمة حتى ستينيات القرن الفائت. فالأمراء والأثرياء ما كانوا ليبتاعوا سيارة جاهزة من المعارض تمامًا كما أنهم لا يبتاعون بذلات جاهزة من المتاجر. الواقع أن التصاميم المتميزة وغريبة الشكل للهياكل الخارجية التي أوكلوا مهمة ابتكارها إلى الحرفيين المتخصصين في هذا المجال أمثال ساوتشيك، وفروا، وفيغوني وفلاسكي وآخرين، لا تزال إلى يومنا هذا تتألق فوق المروج المعشوشبة في أفخم مسابقات الأناقة في العالم. لكن بناء هذه الهياكل المصممة حسب الطلب تراجع مع البدء باعتماد بنية أحادية تجمع بين الهيكل الداخلي والهيكل الخارجي، ما جعل تغيير الألواح أكثر صعوبة من ذي قبل. تُضاف إلى ذلك التقنية الصناعية التي طرأت على مسارات إنتاج السيارات على نحو يجعل تعطيل المسار من أجل بناء مركبة بمواصفات فردية باهظ التكلفة.

 

مركبات ارتقى مصنع آريس بمزاياها، ومن بينها دراجة نارية مصممة حسب الطلب

مركبات ارتقى مصنع آريس بمزاياها، ومن بينها دراجة نارية مصممة حسب الطلب 


لكن ابتكار هيكل خارجي مصمم حسب الطلب لمركبتك يظل ممكنًا إن كنت ميسور الحال. فالمركبات ذات الهياكل الخارجية الخاصة التي ابتُكرت بطلب من سلطان بروناي مثلاً سمحت، كما هو معلوم على نطاق واسع, بتعويم علامتي بنتلي وأستون مارتن الشهيرتين خلال الأيام العصيبة التي طرأت في تسعينيات القرن الفائت. كما أن علامات السيارات الأشد فخامة لا تزال في معظمها تبتكر في كل سنة عددًا قليلاً من المركبات ذات الهياكل الخارجية المتميزة لأجل النخبة من زبائنها. يقول بهار: «المشكلة تكمن في أنك تتكبد 4.1 مليون دولار، وتنتظر سنتين أو أكثر لاستلام السيارة، ولا تحصل على الرغم من ذلك على ما تنشده. صحيح أن بعض زبائننا قد أنشؤوا متاحف خاصة لمركباتهم، لكن الأمر لا يتعلق بهؤلاء فحسب. فالحصول على هيكل خارجي مصنّع حسب الطلب لا ينبغي أن يبقى حكرًا على نخبة من المحظوظين الذين لا يزيد عددهم على خمسة أفراد. أما قائمة زبائننا، فلا تقتصر على أصحاب المليارات فحسب، بل تشمل أيضًا المحامين وكبار المديرين. تهدف استراتيجياتنا إلى جعل الهياكل الخارجية المصممة حسب الطلب متاحة لعدد أكبر من الأشخاص».

 

أعاد داني بهار وفريقه الموهوب ابتكارها في حلة جديدة.

أعاد داني بهار وفريقه الموهوب ابتكارها في حلة جديدة.


لكن إلى أي حد ستكون هذه الهياكل متاحة حقيقة؟ يبدأ سعر سيارة خارقة الأداء مجهَّزة بهيكل خارجي محدود الإنتاج من آريس من 600 ألف دولار تقريبًا، ولا يشمل هذا السعر تكلفة المركبة الأصلية المستخدمة في المشروع. أما سعر سيارة ذات هيكل خارجي فريد من نوعه، فقد يقارب 800 ألف دولار. في العادة، تراوح المدة التي يستغرقها مشروع تحويل المركبة بين ثمانية أشهر و12 شهرًا. فهل يمكننا حقًا أن ندفع بحجة أن قيمة مركبة خارقة الأداء مصممة حسب الطلب ويبلغ سعرها 800 ألف دولار تستحق ما يُنفق في سبيلها؟ ربما يمكننا ذلك إذا ما أخذنا في الحسبان أن قيمة بعض النماذج محدودة الإصدار الحديثة من بورشه ومرسيدس قد زادت ثلاثة أضعاف، وهي اليوم تُباع بمثل هذا السعر.

 

تزهو نسخة آريس المعدلة من مركبة Land Rover Defender بهيكل خارجي مصمم حسب الطلب ومجموعة من التحسينات التي ترقى بمزايا أخرى من لاند روفر.

تزهو نسخة آريس المعدلة من مركبة Land Rover Defender
بهيكل خارجي مصمم حسب الطلب ومجموعة من التحسينات التي ترقى بمزايا أخرى من لاند روفر. 


لطالما عُدَّ بهار شخصية مثيرة للجدل. هذا الرجل السويسري المولود في تركيا كان قد التقى الملياردير النمساوي ديتريخش ماتيشيتز، مؤسس شركة ريد بول خلال عمله في شركة لإدارة الثروات في ليختنشتاين. عمد ماتيشيتز إلى توظيف بهار وأوكل إليه مهمة بناء فريقين يمثلان ريد بول في سباقات الفورمولا 1، فضلاً عن شراء أندية لكرة القدم في نيويورك والنمسا وغانا. في عام 2007، نجحت فيراري في اقتناص بهار موكلة إليه مهمة تنشيط عملياتها العالمية في قسم البيع والتسويق. بعد انقضاء سنتين، عُيِّن بهار رئيسًا تنفيذيًا لشركة لوتس وهو لا يزال في الثامنة والثلاثين من العمر. كانت شركة لوتس البريطانية، التي تنشط في مجال تصنيع السيارات الرياضية عُرضة على مدى وقت طويل لكارثة مالية، وكانت في أمس الحاجة إلى تحقيق نمو يضمن لها البقاء. في خلال سنة واحدة، طوَّر بهار خطة لزيادة حجم أعمال لوتس خمسة أضعاف من خلال إطلاق خمسة طرز جديدة من السيارات كُشف عنها جميعًا في دورة عام 2010 من معرض باريس للسيارات.

 

نسخة آريس المعدلة من مركبة Land Rover Defender


في العادة، يكتفي صنّاع السيارات بطرح مركبة جديدة واحدة في كل مرة. لم يكن، إذ ذاك، أحد من الحضور في معرض باريس، وأنا معهم، ليصدّق ما تراه الأبصار. لكن حالة من الاستهزاء أعقبت موجة الإثارة التي ولَّدها ذاك الحدث. فالعارفون بأسرار قطاع صناعة السيارات راحوا يشكّكون في خبرة بهار ومقدرته على أن يحقق للوتس نموًا سريعًا. بحلول عام 2012، انتهى نزاع قانوني بانفصال بهار عن مالكي لوتس الماليزيين، ولم نسمع عنه شيئًا يُذكر منذ ذلك الحين.

 


لا ينبغي أن يبقى الحصول على هيكل خارجي مصنع حسب الطلب حكرًا على نخبة من المحظوظين الذين لا يزيد عددهم على خمسة أفراد


_ داني بهار، المؤسس المشارك في مصنع آريس ديزاين


شكّل مصنع آريس الفصل التالي في مسيرة بهار الذي استلهم هذا المشروع من تجاربه في العمل لدى فيراري. فقد استشرف بهار، آنذاك، النزعة الحالية الرائجة إلى اقتناء منتجات تُصمم وتُصنّع حسب المواصفات الشخصية، ليس في قطاع السيارات فحسب، بل في قطاعات استهلاكية أخرى أيضًا. كان بهار جزءًا من الفريق المعني ببرنامج Atelier للتصميم بحسب الطلب من فيراري، هذا البرنامج الذي كان يجعل التكلفة الوسطية التي يتكبدها الزبون لقاء اختيار الطلاء والتفاصيل الزخرفية في المقصورة بما يتماشى مع ذائقته الشخصية تزيد سعر المركبة بنسبة 10% إلى 40% وأكثر. ولايزال هذا البرنامج يشكّل لفيراري مصدرًا لأرباح طائلة.

 

صف من السيارات التي أخضعت لمشاريع تعديل في مصنع آريس في مودينا.

صف من السيارات التي أخضعت لمشاريع تعديل في مصنع آريس في مودينا. 


يقول بهار: «كان بعض زبائن فيراري يرغبون في الذهاب أبعد من ذلك، أي في تجاوز الخيارات التي يتيحها البرنامج وقوائم الأسعار من أجل ابتكار مركبات بهياكل خارجية تُصمم حسب الطلب. لكننا لم ننتج في أثناء عملي مع فيراري سوى أربع مركبات أو خمس مركبات كهذه على الرغم من الطلب الكبير عليها. يُعزى السبب في ذلك إلى أنها تشكّل مشروعًا كارثيًا لشركة كبرى. فكبار المصنّعين لا يحبذون أن يتشتت انتباههم. لكن الطلب على مثل هذه المركبات لا ينفك يتنامى، وقد وجدتُ الفرصة مواتية للإفادة من ذلك».


أطلق بهار مصنع آريس رسميًا في عام 2014 وعمل على تطوير نشاطه بتؤدة غير اعتيادية. أما أشهر إنجازات الشركة إلى يومنا هذا، فتتمثل في طرازين محدودي الإصدار من المركبات الرياضية متعددة الاستعمالات، أحدهما يرتكز إلى سيارة Land Rover Defender من لاند روفر، والآخر يرتكز إلى سيارة Mercedes – Benz G-Wagen من مرسيدس- بنز. بينما أعيدت هندسة مركبة Defender في العمق، حظيت سيارة G-Wagen بهيكل خارجي جديد بالكامل. صنّعت شركة آيرس أيضًا عددًا ضئيلاً من سيارات عتيقة الطراز مجهَّزة بمزايا هندسية حديثة، ومركبات أضفيت عليها مواصفات شخصية تفوق ما يمكن لصنّاعها الأصليين توفيره.


أما الآن، وقد انتهى مصنع آريس من بناء فريقه وتحسين مساراته الإنتاجية، فقد شرع في تحقيق ما كان بهار ينشده على الدوام، أي تزود أولئك الزبائن الذين شهد على شعورهم بالإحباط في أثناء عمله لدى فيراري بسيارات خارقة الأداء مجهَّزة بهياكل خارجية مصممة حسب الطلب إما تُصنّع في تصاميم فردية لا تتكرر وإما تُنتج في إصدارات محدودة. يقول بهار: «يعتمد صناع السيارات الخارقة كلهم برنامجًا إلكترونيًا لتحديد التصميم النموذجي للسيارة. أما نحن، فننطلق في مسار التصميم من ورقة بيضاء. يمكننا تزويد مركبتك بعجلة واحدة أو سبع عجلات».
لكن تصريح بهار ليس دقيقًا تمامًا. فمركبات آريس كلها ترتكز إلى مركبة خارقة أصيلة توهب لتحقيق المشروع. وإذا ما استثنينا النظام الميكانيكي والكهربائي المعتمد في هذه المركبة، فإن التأمينات الأصلية عليها والشهادة المطلوبة لتسجيل رخصة قيادتها على الطريق تبقى صالحة. من غير المحتمل أن يعمد مصنع آريس إلى إجراء أي تحسينات على أنظمة السيارة المعقدة التي طوَّرتها كبرى شركات السيارات العالمية إلى حد بالغ. في هذا يقول بهار: «إننا أشبه بخبراء الجراحات التجميلية. نحن لا نقرب الأعضاء».
لكن مصنع آريس يستطيع في المقابل إجراء تحسينات على الهيكل الخارجي لأي سيارة، موفّرًا للزبائن ما لا يمكنهم الحصول عليه من علامات السيارات الكبرى. يذكر أن أي شخص قد يتجرأ على تعديل سيارة من طراز فيراري أو بورشه يتعرض في غالب الأحيان للانتقاد الشديد، بل إن بعضهم يرى أنه ربما يسيء للمركبة. لكن أول مشاريع السيارات المعدلة حسب الطلب من آريس ينم عن ذوق رفيع وفطنة، وتبدو في بعض الحالات أقرب إلى مركبات يُمكن لكبار الصنّاع أنفسهم تطويرها لو أنهم يمتلكون الوقت لذلك. فالزبون قد ينشد هيكلاً خارجيًا مميزًا، لكنه قد يرغب أيضًا في بعض المزايا الوظيفية أو في توليفة خاصة تجمع بين طراز بعينه من الهياكل الخارجية ومحرك محدد، وهذه خيارات لا يوفرها صانع المركبة الأصلية.

 

 يقرر الزبون مع المصممين ألوان المقصورة، ومعالمها، وتفاصيلها الزخرفية، ثم يقوم فريق من فنيي التنجيد بتحويل المقصورة إلى تحفة بديعة.

يقرر الزبون مع المصممين ألوان المقصورة، ومعالمها، وتفاصيلها الزخرفية،
ثم يقوم فريق من فنيي التنجيد بتحويل المقصورة إلى تحفة بديعة.


يعيد مصنع آريس، على سبيل المثال، بناء سيارة من طراز 911 Targa الذي يميِّزه سقف صلب قابل للطي وبنية حلقية للحماية من الانقلاب، فيرتقي بها إلى مواصفات مركبات GT3 المستلهمة من سيارات السباق. لا توفر شركة بورشه مثل هذه التوليفة، لكنها ستكون موضع استحسان أي من هواة مركبات هذه العلامة. سيعمل المصنع أيضًا على ابتكار نسختين محدودتي الإصدار من سيارة Tesla Model S التي تطرحها في حلة جديدة مبتكرة تجمع بين تصميم سيارة الصالون من طراز شوتينغ برايك والسقف القابل للطي. تعكس هاتان السيارتان الاختباريتان قدرًا كبيرًا من الجاذبية ويبدو تصميمهما مثاليًا لأداء السيارة الخارق ومحركها الصامت الذي لا ينتج أي انبعاثات. بل إن إيلون ماسك نفسه كان، على الأرجح، لينصرف إلى تطوير مثل هاتين المركبتين لو لم يكن كثير المشاغل. يُقدَّر سعر أي من المركبتين بنحو 235 ألف دولار، ما يعني أنهما أقل تكلفة من سيارات آريس الأخرى.


تتميز أول سيارتين خارقتين بهيكلين خارجيين مصممين حسب الطلب كشف عنهما مصنع آريس بجاذبية متفردة حقًا وتليق بذائقة خبيرة في عالم السيارات. تحتفي مركبة آريس بانثر، التي ارتكز تطويرها إلى الهيكل الداخلي لإحدى سيارات لامبورغيني هوراكان، بالسيارة الخارقة المتميزة دي تاموسا بانتيرا التي صُنعت في سبعينيات القرن الفائت والتي حظيت باستحسان هواة السيارات إنما لم تكن قط جيدة بما يكفي لقيادتها أو اقتنائها. يقول بهار ضاحكًا: «امتلكت واحدة من هذه المركبات لمدة ثلاثة أشهر. أحببت السيارة، لكنّ أداءها كان معيبًا». أما المشروع الثاني، فتمثل في سيارة بروجيكت بوني التي تعكس ترجمة حديثة للمركبات من طراز Ferrari 412. كان هذا الطراز من مركبات الكوبيه ذات المقاعد الأربعة والتصميم الأعجف قد طُرح في أواخر سبعينيات القرن الفائت ولم يلقَ أي استحسان. لكنه اليوم يخضع لإعادة تقييم جوهرية. من المرجح أن يستند مصنع آريس في تطوير مركبة بروجيكت بوني إلى الهيكل الداخلي لسيارة فيراري الحديثة GTC4Lusso ذات المقاعد الأربعة.

 

في أعقاب قص الهيكل الخارجي للسيارة الأصلية وتفكيك مقصورتها الداخلية، يبدأ فريق مكون من 24 مصممًا ومهندسًا في العمل على تحويلها إلى مركبة جديدة مبتكرة في سياق مشروع يستغرق وقتًا طويلاً.

في أعقاب قص الهيكل الخارجي للسيارة الأصلية وتفكيك مقصورتها الداخلية، يبدأ فريق مكون من 24
مصمما ومهندسا في العمل على تحويلها إلى مركبة جديدة مبتكرة في سياق مشروع يستغرق وقتا طويلاً. 


انتهى المصنع من بناء النموذج الأولي من سيارة بانثر، ومن المتوقع أن تكون أول مركبة من هذا الطراز جاهزة في مطلع عام 2019. في الرسومات، يزهو النموذج الأولي والسيارة الحقيقية بتصميم مثير. بل إن مركبة بانثر من آريس تتفوق بجماليات مظهرها على سيارة بانتيرا الأصلية. تتسم مركبة آريس بالخط المحيطي التقليدي المميز للسيارات خارقة الأداء، ومنها سيارة بانتيرا، فيبدو هذا الخط الممتد في الوسط من المقدمة إلى الجزء الخلفي وكأنه يرتفع قليلاً إلى أعلى ثم ينحني فوق قوس العجلات. لكن إذ تتميز المركبة بهيكلها المرتفع عن الأرض، ومقدمتها ذات الخطوط المستدقة، وجزئها الخلفي المائل إلى أعلى، فإنها تعكس حيوية بصرية ملحوظة وتبدو كأنها تندفع قدمًا حتى وهي ساكنة. إذا كانت مركبة بوني تختلف إلى حد كبير عن سيارة بانثر، فإنها تزهو أيضًا بتحسينات ملحوظة مقارنة بالمركبة الأصلية التي ألهمتها. تشكّل سيارة بوني تعبيرًا أنيقًا وراقيًا عن طراز المركبات التي كان كبار الصناعيين ليستخدموها في ستينيات القرن الفائت لكي ينتقلوا سريعًا عبر طرقات الألب إلى اجتماعاتهم في ميلانو وجنيف ونيس. فالسيارة تتميز بمظهر مركبة سيدان وهيكل خارجي محدد المعالم ومصقول كأنه بذلة إيطالية الصنع، فضلاً عن دعائم مقيدة أنيقة.


ستشكّل السيارتان على الفور مطلب كثيرين، وإن كان إنتاجهما سيكون محدودًا ويقتصر على 21 نموذجًا من مركبة بانثر و14 نموذجًا من سيارة بوني.


يوضح بهار أن الزبائن سيبقون مصدر الأفكار فيما يتعلق بالتعديلات التي ستطرأ على هذه المركبات محدودة الإصدار، لافتًا إلى أن مصنعه سيبني كل طراز في عدد محدود من النماذج، وليس في نموذج واحد فردي فقط، إن وافق الزبائن على ذلك. في هذا يقول بهار: «إن زبائننا يستحسنون هذا التوجه. إنَّ تشارك الفكرة الجيدة يبقى أفضل من احتفاظهم بها لأنفسهم. إنهم يشعرون، إذ ذاك، بأنهم مبتكرو هذه السيارات، فكأنها تمخضت عن بنات أفكارهم، وهذا ما لا توفره لهم شركة فيراري مثلاً».


يبدأ في العادة مشروع تطوير أي سيارة مصممة حسب الطلب من رسالة إلكترونية. كانت انطلاقة أحد المشاريع من رسالة لا تزيد على ثلاثة أسطر خطّها زبون لفتته ثلاث ميزات في ثلاث سيارات من علامات تجارية مختلفة، فتساءل عن إمكانية جمعها في تصميم واحد. يقول بهار: «كانت البداية في مشروع بروجيكت بوني من رسالة إلكترونية بعث بها جامع رئيس لمركبات فيراري وأحد أهم زبائن هذه العلامة. طلب منّا ذاك الزبون أن نأخذ المركبة الأبشع من فيراري في رأيه، وتحديدًا سيارة فيراري 412، ونرجع إليه بسيارة مثيرة للاهتمام. وكان أن أحبَّ الزبون الرسومات الأولية التي ابتكرناها للمشروع».


يعمل بعد ذلك فريق بهار المكون من 24 مصممًا ومهندسًا على تحويل الرسومات إلى نماذج افتراضية ثلاثية الأبعاد. إن لم يكن بمقدور الزبون الحضور إلى مودينا، فقد يرسلون إليه سمّاعات رأسية خاصة بمحاكاة الواقع الافتراضي لكي تتسنى له فرصة القيام بجولة افتراضية برفقة المصممين حول السيارة واستكشافها من أي زاوية ومسافة. يمكن لفريق آريس أيضًا طباعة نماذج ثلاثية الأبعاد بحجم 1/8 من مقاييس السيارة الحقيقية، تُطلى باللون نفسه الذي سيُعتمد لاحقًا للتحقق من مقدار أشعة الشمس التي تلامس المركبة. إنه في الواقع المسار نفسه الذي يستمتع به في العادة الرئيس التنفيذي لأي شركة مصنّعة للسيارات لدى إبداء الموافقة على طراز جديد.


ما إن يحظى التصميم بالموافقة حتى تبدأ عملية تنفيذه. لا بد عند ذلك من توفير سيارة جاهزة ومثالية وجديدة كليًا من طراز فيراري أو لامبورغيني وتسليمها إلى مصنع آريس حيث يُعمد في غالب الأحيان إلى تفكيك أجزاء المقصورة الداخلية وقص الهيكل الخارجي بدقة إنما بشراسة تحت وابل من شرارات النار.


في البدء تُساق المركبة موضوع المشروع إلى القسم الفسيح والنظيف الذي يغمره ضوء الشمس والمخصص لخط الإنتاج لكي يبدأ العمل على تفكيك أجزائها. هنا يُصار إلى فصل المقصورة الداخلية قبل أن تُنقل السيارة إلى قسم خاص بأعمال الطلاء والهيكل الخارجي لإزالة كسوتها الخارجية.
على الرغم من أن التجهيزات التقنية التي تحتجب خلف لوح العدادات تبقى على حالها، إلا أن اختيار اللون الجديد للمقصورة والتفاصيل الزخرفية المعتمدة فيها يبقى رهنًا بالزبون. مهما كان الخيار الذي يتفق عليه الزبون مع المصممين، سيعمل فريق من خبراء أعمال التنجيد على تنفيذه. يقول بهار: «تزخر منطقة مودينا ومحيطها بعدد مذهل من الحرفيين الموهوبين الذين يمتلكون المهارات اللازمة لبناء سيارات خارقة الأداء أو مركبات مصممة حسب الطلب. الواقع أننا نختار توظيف أشخاص لديهم خبرة في مجال صناعة الأزياء». يذكر أن منطقة إيميليا – رومانيا لا تُعرف بإنتاج الجبن، والخزف، والخل البلسمي فحسب، بل تشتهر أيضًا بمهارات حرفية تنتج كل ما يتصوّره مصممو الأزياء في ميلانو. تقع شركة فورلا للمنتجات الجلدية الفاخرة على مقربة من مصنع آريس، والأيادي التي تحيك حقائب اليد لدى فورلا هي نفسها التي تنفذ الغرزات في الكسوة الجلدية لمقصورات مركبات آريس. يقول بهار: «إن الحرفيين الذين ينفّذون المنتجات الجلدية لدى دور الأزياء يتفوّقون في صنعتهم على نحو مذهل. فهم يُعنون بأدق التفاصيل على نحو يتجاوز معايير الدقة في مجال صناعة السيارات. إنهم يحرصون حتى على أن تكون الغرزات في بطانة الخامة الجلدية لحقيبة اليد مثالية، على الرغم من أن البطانة لا تكون مرئية. في المقابل، لا يتجلى هذا الحرص في مجال صناعة السيارات. أعتقد أن جودة تصنيع السيارات قد تراجعت، حتى عند كبار المصنّعين».


تُضاف اليوم إلى المهارات الحرفية التقليدية التي تشتهر بها منطقة إيمليا – رومانيا البراعة في تصنيع ألياف الكربون. فمنذ ثمانينيات القرن الفائت، شهدت المنطقة نشأة مجموعة من المصنّعين البارعين الذين يحسنون ترويض هذه المادة والذين ينقلون خبراتهم بين فرق الفورمولا 1، وصنّاع السيارات، والشركات الأخرى التي تحتاج إلى مهاراتهم. يُصنّع الهيكل الخارجي لأي سيارة من آريس بمعظمه من ألياف الكربون في محترف مخصص لهذه الغاية. تمتد وحدها الأيادي هنا لتشكيل المنحنيات التي يحددها الزبون مع المصمم، وذلك بالطريقة نفسها التي كانت تُعتمد في الماضي للفِّ ألواح الهيكل الخارجي يدويًا، خلافًا لما هو عليه الحال في تقنيات تصنيع ألياف الكربون المستخدمة في محترفات أخرى.


في أعقاب ذلك، تُثبّت الألواح الجديدة المصنوعة من ألياف الكربون إلى الهيكل الداخلي للسيارة الأصلية وتُطلى قبل إعادة المركبة بهيكلها الخارجي الجديد إلى قسم الإنتاج لتركيب المقصورة الداخلية. يمكن للزبون أن يزور المصنع ويراقب كامل مسار بناء السيارة، بدءًا من خط الرسومات الأولية وصولاً إلى مرحلة التدقيق النهائي والصقل التي تسبق تسليمه المركبة.


يقول بهار: «ربما تشكّل السيارة نفسها جزءًا من الحافز الذي يحث الزبون على بنائها. صحيح أنها سيارة مميزة، إلا أنها في نهاية الأمر سيارة وحسب، وقد ينتهي بها المطاف ضمن مجموعة تضم عددًا من المركبات المميزة الأخرى. لكن الجاذبية الحقيقية للمشروع تكمن بنسبة 50% في التجربة التي ينطوي عليها الإتيان بابتكار ما ومواكبة مسار تصنيعه. فالزبون سيتعرف إلى المصمم وفريق العمل في خط الإنتاج، وأولئك العارفون حقًا بعالم السيارات سيرغبون في أن يكونوا جزءًا من هذه التجربة».


ثمة أيضًا عنصر جاذب عندنا نحن، إذ نلمح سيارة مصممة حسب الطلب تمر على الطريق فنحاول أن نخمِّن من أي طراز هي، أو نتأمل فيها وقد زيّنت المرج المعشوشب في سياق مسابقة بيبل بيتش للأناقة، أو نطالع بعد سنوات عدة في فهرس أحد مزادات سوذبيز قصة السيارة والزبون الذي أوكل إلى أحد الصنّاع مهمة ابتكارها. ففي زمن تتزايد فيه وسائل النقل النموذجية والاستهلاكية، من المبهج أن يصر بعض الأفراد على طلب ابتكار سيارة بديعة بمواصفات فردية تمامًا كما يطلبون ابتكار تحفة فنية أو عمرانية يتركون لنا جميعًا فرصة الاستمتاع بجمالياتها. ففي عالم الغلبة فيه لسيارات أوبر، جميل أن يقود المرء مركبة تضاهي مأثرة بتوقيع بيكاسو.