«مرحبا مرسيدس. ما هي وجهتي؟»

 

تشق تقنية تعرّف الأصوات طريقها إلى مختلف جوانب الحياة بكل طريقة يمكن تصورها. فبعد أن كانت هذه التقنية متوافرة في الأجهزة الذكية الغريبة، انتشرت على نطاق واسع مع بزوغ فجر المنازل المرتبطة بالأجهزة الذكية والأنظمة التشغيلية مثل Nest وGoogle Assistant. وفي أيامنا هذه، تشن مكبرات صوت ذكية مجهزة بأنظمة مساعدة افتراضية تحمل أسماء جذابة على غرار أليكسا، وسيري، وبيكسبي، وكورتانا، حربًا محتدمة للفوز بفرصة التحول إلى مدبّر منزل آلي يعمل لديك بدوام كامل (بل يجمع لك معطيات سرية. لكنّ هذه قصة أخرى.)

 

لا يُعد استخدام تقنية تعرّف الأصوات منطقيًا جدًا في بعض التطبيقات. صحيح أنك تستطيع أن تتبنى لهجة متعالية لتأمر جهاز المايكروويف «بتسخين طبق الدجاج» لكنك ستظل مضطرًا إلى أن تتولى بنفسك مهام إخراج الدجاجة من الثلاجة، ووضعها في طبق، وإعداد الوجبة بعد أن ينضج الدجاج. فهل وفّرت حقيقة كثيرًا من العناء عبر التخلص من الخطوة غير الشاقة المتمثلة بالضغط على أحد الأزرار؟

 

في المقابل، إنّ المكان الوحيد الذي بات توافر تقنية تعرّف الأصوات فيه ضروريًا أكثر فأكثر هو سيارتك. إنك تستخدم على الأرجح وبصورة يومية أوامر من نوع «اتصلي بوالدتي» أو «شغّلي أغاني دريك» أو «ابحثي عن أقرب فرع لمتاجر Whole Foods». ربما بتنا حقيقة نرى هذه الإجراءات من المسلّمات. لكنها تجسد تطورات بالغة الأهمية، فتضمن مثلاً أن يبقى ناظراك مركزين بأمان على الطريق فيما تتولى سيارتك من طراز Jaguar XJ إنجاز مهام عدة في الوقت نفسه. إنّ مقدرتنا على بعث الرسائل النصية، وقراءة رسائل البريد الإلكتروني، وتتبع التوقعات بشأن حالة الطقس، وبث آخر المستجدات فيما نحن عالقون في زحمة السير أتاحت تحرير ساعات من الإنتاجية الضائعة وأبقتنا سالمين.

 

يَعِدُ نظام Hey Mercedes الناشط من دايملر، والمتوافر بوصفه سمة نموذجية حتى في سيارات الفئة A ذات المستوى الأساسي، بأن يكون أكثر ميلاً إلى التلقائية وأقدر على فهم الأسئلة الحوارية. ولا يتطلب هذا النظام في العموم توجيه أوامر روتينية جرى تلقينها له كما هو عليه حال الأنظمة الأخرى. يمكنك أن تسأل: «هل سأحتاج إلى نظاراتي الشمسية غدًا؟» عوضًا عن أن تطرح سؤالاً رسميًا للتحقق من الأحوال الجوية، أو أن تقول «أشعر بالبرد» عوضًا عن «اضبطي الحرارة على خمس وسبعين درجة.»

 

يقول نيلز شانز، رئيس وحدة التحكم الصوتي لدى مرسيدس، موضحًا: «لا يُفترض بالإنسان التكيف مع الآلة، بل العكس هو الصحيح.» يتعرّف نظام Hey Mercedes أيضًا الخطاب غير المباشر والجمل المعقدة. يشير شانز مثلاً إلى أنه يمكن لتقنية تعرّف الأصوات تأويل الاستفسارات متعددة العناصر على غرار: «مرحبًا يا مرسيدس. أشعر بالجوع. استعرضي المطاعم الإيطالية الصديقة للأطفال في سان فرانسيسكو، وتحديدًا المطاعم من فئة أربعة نجوم أو أكثر التي تتوافر فيها خدمة واي فاي مجانية فضلاً عن مواقف للسيارات.»

 

" ستنسق سيارتك وظائف التدفئة والتبريد، والإضاءة، وخاصية التدليك في مقعدك، والموسيقا، بما يضمن استحداث إعدادات رفاه مصممة خصيصا بما يتلاءم مع حالتك المزاجية "

 

من المتوقع كذلك أن نشهد قريبًا مزيدًا من الابتكارات التي تُطبّق على نطاق واسع ضمن هذا القطاع. فالستائر العازلة للصوت ستحول دون تداخل أي ضجيج غير مرغوب فيه داخل السيارة مع تقنية تعرّف الأصوات بموازاة السماح للركاب بتبادل الأحاديث بصورة طبيعية. أما نظام «المكعب الافتراضي في الفضاء» (الذي يبدو بأمس الحاجة إلى بادرة تسويقية محبّة تتجسد في تغيير اسمه)، فسيستشعر بدقة الأوامر التي يتلقاها من موقع محدد (مثل مسند الرأس في مقعد السائق) فيما يتجاهل المحفزات الأخرى كافة. كما ستكون الأنظمة الجديدة أفضل أداءً من حيث مقدرتها على رصد صفارات الإنذار في بيئة يسودها الضجيج، وخفض مستوى صوت المذياع، وإرسال تلميحات سمعية وبصرية لتنبيه سائق قد يكون غافلاً عن دنو شاحنات الإطفاء أو سيارة الشرطة.

 

صحيح أنّ هذه تحسينات إضافية، لكنّ سيارتك الرياضية متعددة الاستعمالات قد تتحوّل عما قريب من خادم آلي إلى كاتم أسرار موثوق. وفي حين يستشرف المحللون في هذا القطاع أن يُجهّز بحلول عام 2022 ما نسبته %90 من المركبات الجديدة بإمكانات تعرّف الأصوات «على متن المركبة»، فإنّ نقطة التحول الحقيقية ستتمثل في تقنية تعرف الأصوات بالاتصال عن بعد أو بالاستناد إلى خدمة الحوسبة السحابية. ولا بد لمقدرة نظام تعرف الأصوات بالاتصال عن بعد على التحدث والتعلم من خلال شبكة حيادية أضخم – متوافرة في تطبيق التخزين السحابي – من أن تخلّف تأثيرات عميقة في سبل تفاعلنا مع مركباتنا.

 

تعمل شركتا Affectiva وNuance في ماساتشوستس على بناء ما تصفانه بأول منصتين للذكاء الإلكتروني في السيارات «تتسمان بحس التعاطف». سيتيح هذان النظامان الجديدان لمركبتك تعلم عاداتك وتأويل حالاتك المزاجية. ستفعل المركبة ذلك أولاً من خلال استشراف دوراتك الطبيعية. إذا لم تكن مثلاً شخصًا ينهض صباحًا في ساعة مبكرة ممتلئًا نشاطًا ويقظة، فإنّ سيارتك من طراز أودي ستدرك ذلك. ثانيًا، ستتعرّف السيارة أطباعك عبر التقاط إشارات عقلك الباطن من خلال أنماطك في الحديث أو نبرات الصوت.

 

إذا كنت تشعر بالإحباط، فإنّ مركبتك من طراز G-Wagen قد تُلقي عما قريب على مسمعك إحدى دعابات الممثل الهزلي بيل بور. أما إن كنت سيئ المزاج لأن الاجتماع بشأن أحد المشاريع استغرق وقتًا طويلاً واضطررت إلى تفويت موعد الغداء، فإنّ سيارتك من طراز بنتلي قد تقترح عليك مطعمًا مجاورًا يقدم حساء الزلابية ويحظى بمراجعات نقدية إيجابية (تعرف المركبة بطبيعة الحال أنك تؤْثر مطبخ شانغهاي على المطبخ الكانتوني). ستذكّرك سيارتك بأنّ موعد الاحتفال بذكرى زواجك بات وشيكًا، وبأن مخزونك من حليب اللوز قد نفد (مجددًا). بل إنها ستنسّق وظائف التدفئة والتبريد، والإضاءة، وخاصية التدليك في مقعدك، والموسيقا بما يضمن استحداث إعدادات رفاه مصممة خصيصًا بما يتلاءم مع حالتك المزاجية. إنها حقًا تراعي المشاعر إلى حد بالغ!

متى كانت المرة الأخيرة التي اصطحبك فيها رفيق بشري لتناول حساء الزلابية في مطعم فيما يوفر لك خدمة تدليك ويحاول حثك على الضحك؟ صحيح أننا نعيش في عصر السيارات الذكية، لكننا بتنا أقرب مما تتصور إلى الدخول في عصر تتعدّى فيه سيارتك على مجال اختصاص صديقك المقرّب.