يستحضر اليخت الشراعي ساتوري، الذي أطلق حديثًا، ذاك الألق المميز لمنتجع بورغو سانتو بياترو إلى أعالي البحر الأبيض المتوسط. 

 

كان السبب الوحيد وراء ترددنا في التوجّه إلى الشاطئ عدم رغبتنا في التخلي عن وجبة أخيرة من إعداد أندريا ماتي، الطاهي الذي أخذ وقتًا مستقطعًا من عمله في منتجع بورتو سانتو بياترو لينضم إلينا على متن اليخت. لكن كلاوس أكد لنا أننا سنجد مكانًا رائعًا عند ساحل توسكانا للاستمتاع بوجبة غداء متأخرة في فترة ما بعد الظهيرة. لدى بلوغنا الميناء بعد نحو نصف ساعة، بدأت أمواج البحر التيراني ترتفع وتتكسر تمامًا كما توقع كلاوس.

 

بدأ كلاوس الإبحار خلال نشأته في كوبنهاغن بالدانمارك، مذ كان في الرابعة من العمر، فأمضى خمسة عقود من عمره يجوب أعالي البحار. أما زوجته جانيت، المتحدرة هي أيضًا من الدانمارك، فليست مولعة تحديدًا بالرحلات البحرية لكنها مولعة مثله بإيطاليا، وشغفهما المشترك هذا يعود بالنفع على ضيوفهما، سواء في رحاب المنتجع على اليابسة أو على متن اليخت في أعالي البحار.

 

تشكّل المساحات الداخلية عبر كامل أرجاء اليخت امتدادًا عفويًا للأسطح الخارجية.

 

كنت قد أمضيت من قبل فصلاً دراسيًا كاملاً في مدينة سيينا وأنا أتابع علومي الجامعية، وقمت منذ ذلك الحين بنحو اثنتي عشرة رحلة إلى إيطاليا. لكني وللحق لم أسمع قط بفولونيكا، البلدة التي توقّفنا فيها لتناول وجبة الغداء. كانت القرية الآسرة الجاثمة عند أطراف البحر، والتي تزهو بأكبر امتداد شاطئي في توسكانا، تشكّل واحة مثالية غير شهيرة مثل تلك التي يتوق المسافرون عادة إلى وصفها لأصدقائهم بعد عودتهم إلى البلاد. الأفضل من ذلك هو إعلام الأصدقاء بزيارة أوازي، المطعم المميز الخفي الذي دخلناه قبل لحظات من موعد إغلاق المطبخ بعد الانتهاء من تقديم الغداء.

 

 يشكّل المجلس الذي يحتل الجزء الخلفي من السطح الرئيس واحدًا من المجالس المتعددة على متن اليخت ساتوري.

 

 

  أقيم الجناح الرئيس على امتداد كامل عرض اليخت.

 

بسبب أنه لم يكن آنذاك من ضيوف غيرنا جاؤوا لتناول الطعام، قررنا سريعًا تناول وجبة من ثلاثة أطباق تفاوتت بين السيفيتشي (أي السمك النيء)، والباستا المنكّهة بالكمأة، والمحار. كان الطبقان الأول والثاني رائعين للغاية. عندما استعلم كلاوس من النادلة عن خلفية الطاهي (وهي أيضًا زوجته)، كاشفًا لها في سياق الحديث عن أنه وجانيت يمتلكان مطعم لا بوتيغا ديل بيون كافيه في فلورنسة، تحوّلت وجبتنا إلى وليمة أكثر رقيًا. لعل الطاهي كان يأمل في أن يرفع آل ثوتروب من مستواه الوظيفي تمامًا كما فعلا في مطعمهما لا بوتيغا مع الطاهي أنتونيلو ساردي الذي يحمل اليوم في جعبته واحدة من نجوم ميشلان بعد أن كان قد بدأ عمله في هذا المجال في قسم غسل الأطباق. مع وصول وجبة الطعام التي استغرقت إذ ذاك ثلاث ساعات وضمّت ثمانية أطباق إلى منتهاها، بدا أن الثنائي كانا يفكران جديًا في تحقيق أمنية الطاهي.

 

يحاذي المطبخ المفتوح المساحة المخصصة لتناول الطعام على متن السطح الرئيس.

 

يتجلى شغف آل ثوتروب بالابتكارات الإيطالية الأصيلة تحديدًا في منتجع بورغو سانتو بياترو الذي يمتد على مساحة مقدارها 200 فدان من الأراضي، والذي يقع على بعد 70 دقيقة من جنوبي فلورنسة. تقول جانيت: «عندما ابتعنا ملكية بورغو في عام 2001، كان من المقرر في الأساس أن نحوّلها إلى منزل ريفي خاص بنا. لكن في سياق مراجعتنا لمسار ترميم الملكية وتجديدها، اكتشفنا أن المشروع ضخم للغاية. شعرت آنذاك أنه من غير المنطقي أن نستأثر وحدنا بهذا المكان. لقد فتنتنا المنطقة ورغبنا في تشاركها مع الآخرين».

 

بعد انقضاء عشر سنوات منذ تلك البدايات، تحوّلت الملكية التي تعود إلى القرن الثالث عشر إلى واحة تزهو بالمرافق وتحتضن 20 حجرة للنوم، وملعبًا لكرة المضرب، ومطعمين (أحدهما مطعم ميو مودو Meo Modo الذي يشكّل وجهة قائمة بحد ذاتها بسبب ابتكارات الطاهي أندريا ماتي القائمة على استخدام الخيرات المقطوفة مباشرة من المزرعة)، فضلاً عن حدائق عضوية، وقطيع من 300 خروف لإنتاج الحليب المستخدم في صناعة جبن بيكورينو الشهير. أمضت جانيت أربع سنوات في تطوير خط منتجات للعناية البشرة أطلقتها باسم Seed to Skin وكلها مطورة من مكونات إما تُزرع في أرض المنتجع أو تعد يدويًا من قبل فريق بورغو. لكن أكثر ما يشهد على شغف آل ثوتروب بالعالم الإيطالي يتمثل، على الأرجح، بإطلاق اليخت ساتوري الذي يشكّل امتدادًا للمنتجع في توسكانا إذ يقدّم للضيوف الخدمات والأطعمة والمنتجات نفسها تقريبًا.

 

يلفت كلاوس إلى أن اليخت الشراعي، الذي استغرق بناؤه ثلاث سنوات في حوض تركي لبناء السفن جرى تأسيسه خصيصًا لهذه الغاية، يجمع بين قارب خشبي من طراز القوارب التركية التقليدية، ومركب شراعي ذي صاريين. أما جانيت، فتؤكد من جهتها أنه يجسّد مفهوم مركب شراعي حديث تميزه المساحات الرحبة على متن الأسطح والمقسمة إلى فسحات مختلفة. تقول جانيت: «غالبًا ما تكون المساحة الخارجية للسطح في القوارب الشراعية فسحة ضيقة في الجزء الخلفي من القارب. نحن لم نكن راغبين في أن يضطر الضيوف إلى قضاء معظم الوقت في السطحين السفليين، لذا حرصنا على أن يكون تصميم السطح العلوي فريدًا بالكامل».

 

يضم الجزء الأمامي الرحب من السطح الرئيس ثلاثة أسرّة للتشمس. في المساء تُضاف إليها كراس للاستلقاء، فتتحول هذه الفسحة إلى قاعة سينمائية خارجية (يمكن للضيوف تصفّح دليل يضم مئات الأفلام السينمائية عبر أي من شاشات التلفزة المتوافرة على متن اليخت باستخدام أجهزة الآيباد). كما يحتضن السطح الرئيس مائدة طعام تتسع لاثني عشر شخصًا وُضعت مباشرة بعد المطبخ المفتوح. تقول جانيت: «أردنا أن يتمكّن الضيوف من التفاعل مع الطهاة وأن يكون بمقدورهم متابعة مسار إعداد الأطباق»، مضيفة أن اليخت يوفر أيضًا دروسًا في الطهي. وتضيف جانيت: «الأمر مختلف كل الاختلاف عما يختبره الضيف على متن قارب آلي حيث يجلسون في السطح العلوي فيما المطبخ يحتل جزءًا من سطح سفلي». أقيمت على السطح الرئيس أيضًا غرفة جلوس مقفلة مجهزة بأرائك وثيرة ومكتبة، فيما الجزء الخلفي الداخلي من السطح تشغله أسرّة نهارية ومجموعة إضافية من الأرائك والكراسي المخصصة للاستلقاء.

 

صحيح أن تصميم اليخت ساتوري يتفرد بطابعه الحديث، إلا أن العناصر الجمالية على متنه عتيقة الطراز بما لا يقبل الشك، تشهد على ذلك الكراسي في حجرة الطعام والصور الضخمة بالأبيض والأسود التي التقطها في عشرينيات القرن الفائت وثلاثينياته مصورون يونانيون. تتوزع هذه الصور التي تجسّد مشاهد لأعماق البحار والصيادين والغواصين في مختلف أرجاء اليخت.

 

يتسع اليخت ساتوري لما مجموعه ثمانية ركاب يتوزعون على ثلاث حجرات للنوم، متطابقة إلى حد كبير في تصميمها، فضلاً عن جناح رئيس يحتل كامل عرض اليخت. ثمة جناح يُستخدم ناديًا صحيًا مع إمكانية تحويله إلى حجرة نوم رحبة تتسع لزائرين إضافيين. أما فيما خلا ذلك، فهو حجرة للعلاجات الصحية تضم سريرًا للتدليك وحمامًا داخليًا. يقول كلاوس: «كان الهدف من هذا اليخت ابتكار فندق حقيقي في أعالي البحر. ففي غالب الأحيان، ينتهي الأمر بالمسافرين إما على متن مركب سباقات يفتقر إلى الفخامة وتغيب عنه وسائل الراحة بشكل تام، وإما فوق سفينة مجهزة بكامل أساليب الراحة لكنها غير معدة كما ينبغي للرحلات البحرية الفعلية. أما نحن، فقد جمعنا بين هذين العالمين وكانت النتيجة يختًا أنيقًا يتفرد بخيوطه الانسيابية الرشيقة ومزايا الديناميكية الهوائية التي ترقى بأدائه».

 

لعل أكثر ما يبعث على الإعجاب بمشروع آل ثوتروب التزامهما توفير أفضل تجربة ممكنة للضيوف. يقول كلاوس: «أمضينا كامل العام المنصرم في ابتكار مسار رحلات مدروسة بعناية من إيطاليا وإليها، ونحن ملتزمان تعديل وجهات رحلاتنا ومساراتها بما يتناسب مع الاحتياجات الفردية للزائرين وبما يلحظ مخاوفهم فيما يتعلق بالأحوال الجوية». يضيف كلاوس: «تبدأ إحدى الرحلات المفضلة لدي من ساحل أمالفي مرورًا بكابري ومن بعدها بكثير من المواقع الأقل شهرة مثل جزيرة بالمارولا الصغيرة والمقفرة التي تغص بالكهوف والبحيرات اللازوردية والتي وصفها جاك كوستو بأجمل جزر البحر الأبيض المتوسط».

 

كانت مجموعتنا قد بدأت في الأصل رحلتها على متن اليخت ساتوري من مرسى اليخوت في بورتيغليوني التي تقع تقريبًا على بعد 45 دقيقة إلى الجنوب من منتجع بورغو سانتو بياترو. كنّا في أواخر فصل الصيف، ولم يكن من ثمَّ عدد اليخوت الآلية الفاخرة التي تجوب مياه المتوسط قليلاً، لكن اليخت ساتوري كان يتميز وسطها.

 

توجّهنا إلى جزيرة إيلبا ورسونا عند ضفافها في الوقت المناسب للاستمتاع بآخر خيوط الشمس التي كانت تتهيأ للمغيب، مستغلين في ذلك ما يتوافر على متن ساتوري من الدراجات المائية القادرة على الغوص، وألواح التجذيف، وألواح التزلج على الماء. بعد استكشاف الجزيرة، عدنا إلى اليخت استعدادًا لتناول وجبة العشاء. كانت مائدة الطعام الرسمية والترتيب المتقن لأماكن جلوسنا يوحيان بالأناقة، لكن الأجواء التي سادت تجربتنا كانت عفوية وغير متكلفة بسبب تفاعلنا مع الطاهي وطاقم عمله في سياق إعداد كل طبق وتقديمه. في ختام الوجبة، اقترح علينا كلاوس الانتقال إلى المجلس الخارجي في الجزء الأمامي من السطح الرئيس والذي تحوّل إلى قاعة سينمائية. حذّرنا كلاوس آنذاك من احتمال أن نغفو جالسين في المقاعد المخصصة للاستلقاء حتى قبل أن يبلغ الفيلم نهايته». لا أخفي أني شعرت حقيقة بالنعاس يتسلل إلى جفني في خاتمة يوم جميل على متن ساتوري.

 

في الصباح الأخير الذي أمضيناه على متن «ساتوري» Satori، اليخت الشراعي البالغ طوله 135 قدمًا والذي أطلق حديثًا، اعتذر مالكا اليخت، الثنائي كلاوس وجانيت ثوتروب، عن التردي المتوقع في حالة الطقس على الرغم من أن الشمس كانت ساطعة والحرارة المعتدلة تقارب 24 درجة مئوية. قال كلاوس، الذي يمتلك أيضًا مع زوجته منتجع بورغو سانتو بياترو في توسكانا: «سادت هذه الأحوال الجوية الهادئة طيلة أيام الصيف. لكن من المتوقع أن تهب الرياح قريبًا. إذا أبحرنا بحلول الساعة الحادية عشرة صباحًا، سنتمكن من تفاديها. أما إن انتظرنا إلى ما بعد هبوبها، فأخشى أن البحر سيصبح هائجًا على نحو مزعج».

 

«أردنا أن يتمكّن الضيوف من التفاعل مع الطهاة وأن يكون بمقدورهم متابعة مسار إعداد الأطباق».

_ جانيت ثوتروب Jeanette Thottrup

 

يمكن للركاب الالتحاق بصفوف لتعلم أصول الطهي تحت إشراف الطهاة على متن ساتوري.

  

إقامة مترفة

 

 

في شهر أغسطس آب المنصرم، كشف منتجع بورغو سانتو بياترو الذي يمتلكه آل ثوتروب عن فيلتين ساحرتين ألحقت بكل منهما بركة سباحة خاصة. تبلغ المساحة الداخلية لكل فيلا ما مقداره 900 قدم مربعة، فيما تمتد مساحتها الخارجية على 1٫600 قدم مربعة مثالية للسباحة والاستجمام. جُهزت كل من الفيلتين المتطابقتين بتصميمهما بغرفة معيشة تضم موقدًا وشاشة تلفاز مسطحة تحتجب عن الأنظار، وتفضي إلى حجرة نوم فسيحة يميزها سرير صنع يدويًا في فلورنسة من الخشب المحفور وأحاطت به أربعة أعمدة. أما الحمّام الفسيح، فيميزه حوض استحمام عتيق الطراز ومغسلتان نُحتت كل منهما خصيصًا لليخت من ألواح كاملة من رخام ترافرتين، فضلاً عن حجرة استحمام مسورة بالواجهات الزجاجية تشرف على حوض السباحة. يبدأ سعر الإقامة لليلة واحدة في إحدى الفيلتين الجديدتين من 3٫500 دولار، فيما أسعار الإقامة في أصغر الحجرات التي تحتضنها الفيلا الرئيسة في منتجع بورغو سانتو بياترو تبدأ من 640 دولارًا.

www.borgosantopietro.com

 

يزاوج اليخت ساتوري بين قارب خشبي من طراز القوارب التركية التقليدية، ومركب شراعي ذي صاريين.

  

« لم نكن راغبين في أن يضطر الضيوف إلى قضاء معظم الوقت في السطحين السفليين».

_ جانيت ثوتروب Jeanette Thottrup

 

 

عندما تبدأ الشمس بالمغيب، يتحوّل الجزء الأمامي من السطح الرئيس إلى قاعة سينمائية.

 

معلومات مفيدة لاستئجار ساتوري

الباني: شركة بيغ بلو لليخوت.

تاريخ التسليم: سنة 2017.

الطول: 135 قدمًا.

أماكن الإقامة: خمس مقصورات.

عدد الضيوف: عشرة ركّاب.

وجهات الإبحار: البحر الأبيض المتوسط والمناطق المحيطة به.

الرسوم الأسبوعية: بدءًا من 118 ألف دولار.

المزايا: وفرة المساحات الخارجية، والمطبخ المفتوح الذي يتيح للضيوف مراقبة الطهاة والتعلم منهم، والجناح المستخدم ناديًا صحيًا مع خيار الاستعانة بمعالج خبير، ومجموعة من الآلات المناسبة للأنشطة الترفيهية مثل التزلج على الماء، والتزحلق المائي، والغوص، والصيد.

جهة الاتصال: www.satoriyacht.com