الدراجة السياحية ذات المظهر الحضري بالغ الأناقة من شركة إينديان موتورسايكل تشق طريقها عبر الطريق الشمالي الوعر والملتوي في اسكتلندة.

 

كانت سماء شهر يوليو تموز الملبدة بالغيوم الرمادية تنذر بالمطر. لكن بلدة أدنبره القديمة كانت تغص بالسياح الذين توافدوا إليها لحضور نشاطات المهرجان الفني المنتظر فيستيفال فرينج Festival Fringe. كنت قد أوقفت دراجتي النارية من طراز إينديان رودماستر ذات اللون الأسود والقشدي خارج فندق جي أند في رويال مايل ذي الطابع الفني المسرف، هناك حيث وقف الحاجب بتنورته الاسكتلندية التقليدية المشغولة من نسيج التويد يتأمل فيها بمزيج من الدهشة والحيرة. وفيما رحت أتهيأ للتوجّه إلى المرتفعات الاسكتلندية، أخذ المارة في محيطي يلتقطون الصور للدراجة عتيقة الطراز التي تتألق جاذبية راجين أن أسمح لهم بركوبها.

 

 

الواقع أن دراجة رودماستر كفيلة بأن تستحوذ على الأبصار، كما أنها تشكّل آلية فاخرة من الغرابة عند ركوبها في جولة عبر المسار المعروف باسم نورث كوست 500 (أو الساحل الشمالي 500) في اسكتلندة.

 

يمتد طريق نورث كوست، كحلقة تبدأ وتنتهي في إينفيرنيس، في مسار بطول 500 ميل يتعرج ويتماوج من حول الطرف الشمالي الغربي الأقصى لبريطانيا والذي لم تروّضه يد الحداثة. تم شق طريق نورث كوست 500 الشهير عام 2014 بمسعى من مؤسسة نورث هايلاند إنيشياتيف غير الربحية التي أطلقها الأمير تشارلز، وهو يجمع بين فتنة المناظر الطبيعية الأخاذة والتعرجات والالتواءات التي تولّد القيادة عبرها شعورًا بالإثارة، ما يوفر تجربة مشوّقة لركوب الدراجة النارية تضاهي أي تجربة مماثلة في الجزر البريطانية.

 

تتميّز درّاجة رودماستر بقدر كاف من الاستجابة المناسبة على طريق نورث كوست 500 الملتوي والملتف.

 

كنت قد اختبرت قيادة دراجة من طراز رودماستر في جنوب أفريقيا سنة 2015، وأدرك من ثمَّ أن هذه الآلة قوية الأداء تتميز بقدر كاف من الاستجابة التي تمكنني من التعامل مع طريق نورث كوست 500 أحادي المسار الملتوي والملتف. أما ما أضاف زخمًا إلى ما اشتهرت به هذه الدراجة على مدى تاريخ إنتاجها، فكان نظام تناقل المعلومات عن بعد الجديد من شركة إنديان، والمعزز بشاشة عرض بحجم سبع بوصات تعمل باللمس، فضلاً عن الطراز العتيق للدراجة والمتوافق مع مخططي لزيارة عدد من الفنادق التاريخية الأكثر فخامة في اسكتلندة. كنت قد أجريت اللازم للحصول على دراجة جديدة من طراز رودماستر عبر شركة سالتاير موتورسايكلز في أندبره، وسرعان ما وجدتني أنطلق من المدينة باتجاه إينفيرنيس.

 

لم أكد أمضي نحو خمس دقائق على الطريق إلى إينفيرنيس حتى لمحت غزالاً يعدو إلى اليسار في خط مواز لوجهتي وعن مسافة قريبة جدًا مني. كنت أعبر طريقًا يشق غابة صنوبر، وكان لا يزال زلقًا بسبب الأمطار التي انهمرت في الليلة الماضية. فجأة، انحرف الغزال يمينًا واندفع أمامي مباشرة. وإذ ضغطت بقوة على ذراع المكابح، أطلق الحيوان المذعور العنان لحوافره مبتعدًا، ووجدتني على الفور أثمّن نظام منع انغلاق المكابح الخاص بشركة إنديان.

 

كان المطر ينهمر عندما غادرت روكبول ريزيرف، المنزل الجورجي الطراز الذي جرى تحويله إلى فندق في إينفيرنيس. عندما سلكت الطريق الساحلي A9 متجهًا إلى بلدة ويك، كان بحر الشمال بصعوبة يظهر عبر السحب التي راحت تتكثف في الجو. صحيح أن ركوب دراجة المغامرات كان ليعرّضني لبلل الأمطار، لكن السطح الانسيابي الأمامي العريض لدراجتي السياحية كاملة التجهيز والمصمم في هيئة جناحي وطواط، وأيضًا الزجاج الأمامي الذي يمكن تعديل وضعه إلكترونيًا (ضمن مدى أربع بوصات) باستخدام مفتاح مثبّت إلى المقود، ضمنا لي الوقاية من البلل التام. لحسن الحظ، كان ثمة مواقع مثيرة كثيرة للاحتماء من المطر. وصولاً إلى جنوبي قرية برورا، توقفت في قلعة دونروبن التي بدت معلقة بأبراجها الأسطورية وكأن أحدهم ارتحل بها إلى هذه البلاد من وادي اللوار.

 

بعد ذلك بدأت الصعود إلى الطريق شديد الانحدار المؤدي إلى قرية بيريدايل وأنا أجاهد لرصد المنعطفات الضيقة التي تحيط بها أسوار غير متناهية مكسوة بالحجارة الرخامية التي تشتهر بها مقاطعة كايثنيس في اسكتلندة. لكن ما سهّل عليّ مهمة العبور وسط الضباب البارد والكثيف العرض الذكي للشاشة الأشبه بحاسوب لوحي والتي كان يحيط بها من كل جانب عدّاد تناظري. كان بمقدوري الاختيار بين خريطة للملاحة باستخدام الأقمار الصناعية تُعرض على كامل الشاشة، أو عرض مركّب يقسم الشاشة إلى نصفين مبينًا في نصفها الأول الخارطة وفي النصف الآخر معطيات محددة بحسب الطلب عن الدراجة والطريق تشمل معلومات آنية عن مستوى الضغط في إطاري العجلتين.

 

انقشعت الغيوم فيما كنت أقترب من فندق أكرجيل تاور باروني الطراز والواقع على حافة جرف. هناك اختبرت ترحيبًا يبعث على الدفء والراحة. كانت زرقة السماء وزخارف البرج الذي يشغله الفندق تشكّل خلفية رائعة لتصوير الدراجة التي كانت أشعة شمس بعد الظهيرة تلثم تفاصيلها المشغولة من الكروم وتزيدها توهجًا.

 

يشكّل فندق أكرجيل تاور ذو الطراز الباروني إحدى المحطات التي يمكن التوقف فيها في أثناء الرحلة عبر الطريق نورث كوست 500.

 

كان المسار نورث كوست 500 يعزز الطابع الدرامي للمناظر الممتدة بعد قرية جون أوغروتز والتي تجلت مع امتداد الطريق A836 في تقوسات عريضة عبر فسحة شاسعة من الأراضي السبخة والموحلة. كانت الحملان قد تركت وراءها مخلفاتها على الطريق. إلى الغرب من قرية تونغ الساحلية، انحدر بي المسار مرورًا بقلعة فاريخ ووصولاً إلى مضيق كايل أوف تونغ. إلى الجنوب، كانت السحب ترخي بثقلها على جبل بن هوب وجبل بن لويال. فيما بدأ الطريق يضيق ويتقلص إلى مسار أحادي يتعرّج من حول مضيق لوخ إيريبول البحري الساحر، أطلّ وجه الشمس أخيرًا وانعكس وهجها فوق صفحة المياه الرقراقة تدرجات بلون الزمرد واليشم. أما الطريق الممتد بعد ذلك وصولاً إلى قرية دورنيس، فيشكّل حلم هواة ركوب الدراجات على الخط الساحلي، إذ يتعرج في منحنيات حادة مرورًا بأشباه جزر تظهر فجأة وشواطئ ساحرة تصلح مياه بحرها التي تستعير زرقة الكاريبي ورمالها زهرية اللون صورة لبطاقة بريدية.

 

تجتذب دراجة رودماستر الأنظار بما يجتمع فيها من تفاصيل تصميمية معقدة.

 

وإذ بلغت قرية دورنيس، انحرف بي المسار نورث كوست 500 جنوبًا عبر المناظر البرية البسيطة لمضايق داخلية صغيرة تداعبها النسائم وجبال تشكلت في هيئة قباب تشرئب من سفوح سبخة توحي ألوانها الحيادية التي تراوح بين الأصفر والبنفسجي بالكآبة. كنت أصادف بين الحين والآخر سيارات ومركبات للتخييم توقفت إلى جانب الطريق في أماكن متفرقة تباعد بين بعضها مسافة 100 ياردة تقريبًا. لمحت ثعلبًا أحمر يعدو ليقطع الطريق، لكني لم أكد أرفع آلة التصوير لألتقط صورة له حتى وجدته يدير لي ذيله الكث ويختفي كشبح وسط الأشجار. بعد أن عبرت جسر كايلسكو المتعرج، انعطفت يمينًا عبر الطريق B869 الأجرد والذي يتلوى كأنه أفعى. يشكّل عبور هذا القسم من الطريق، الذي تتفاوت تعاريجه بين ارتفاع وانخفاض في محيط شبه جزيرة أسينت النائية اختبارًا ملؤه التحديات حتى عند أمهر راكبي الدراجات. فالمسار الضيق والمتعرج كأفعى عبر هضاب والتواءات خفية يتطلب قدرًا بالغًا من الانتباه ومناورات حكيمة ومستمرة بين دواسة الوقود وجهاز التعشيق. أعجبني التحدي، وراق بالمثل للدراجة على الرغم من وزنها الذي يقارب نصف طن. فالمحرك ثنائي الصمامات سعة 111 سنتيمترًا مكعبًا والسلس إلى حد بالغ ينتج عزم دوران هائل عند السرعات المنخفضة، تدعمه في ذلك آلية ضخ الوقود بدقة آنية بالاعتماد على تقنية الاستشعار الإلكتروني الذي ينتقل عبر الكابل. بتوازنها الرائع، كانت الدراجة تندفع صعودًا بقوة وبغير عناء وتشق طريقها عبر المنحنيات برشاقة الغزلان.

 

 

بعد أن أمضيت ليلتي في فندق إينفر لودج المشرف على مضيق لوخ إينفر، استيقظت لأتأمل أفق الصباح البارد والبحيرة التي احتجبت تحت كبد السماء الملبدة بالغيوم السوداء. لم ألبث أن اتخذت موقعي الآمن فوق المقعد الدافئ الذي نُحتت تفاصيله بإتقان، وانطلقت محتميًا من الأمطار خلف الزجاج الأمامي أشق طريقي مرة أخرى عبر تقلبات الطقس الشهيرة في اسكتلندة. وجدتني أمرّ بالمناظر الطبيعية الآسرة لقمم سويلفن وكول مور وستاك بولايد، تلك الجبال المفردة الداكنة التي تغازلها شعاعات ضوء ذهبية تخترق قطن الغمام. وإذ انعطفت بي الطريق الضيقة شرقًا مرورًا بمضيق لوخ أسينت ثم جنوبًا باتجاه قرية أولابول، طالعني مرفأ صيادين بديع المنظر ينبسط عند شواطئ مضيق لوخ بروم. ولحظة انعطفت غربًا، وجدتني على الطريق A832، وهو طريق مزدحم من مسارين تشعر وأنت تعبره بعد المسير عبر الطرقات الخلفية شبه المقفرة بأنك تمرّ عبر طريق سريع. كان الطريق يتلوى من حول مجموعة وفيرة من الخلجان والمضايق قبل أن يلتف بي يمينًا إلى الطريق A896. وجدتني إذ ذاك أعبر مسارًا ضيقًا ينحدر نزولاً عبر طريق غلين توريدون الذي تحرسه من علو فتنة جبال جرداء تتدرج نزولاً.

 

قصدت فندق توريدون الرابض فوق أعلى مضيق بحري. كانت المؤثرات التصميمية التي يزهو بها هذا النزل، من أقمشة التارتان الأرجوانية إلى الأرضيات الخشبية والرفوف التي تزينها قرون الوعل فوق ردهة المدخل، تستحضر في الأذهان إرثه البعيد ككوخ صيد فيكتوري الطراز. كان الطاهي روس ستوفولد، الحائز واحدة من نجوم ميشلان، قد انتقل مؤخرًا لتولي إدارة المطعم 1887 Restaurant الذي يحتضنه الفندق، فاختبرت عن كثب أصدق تجليات ثورة المطبخ الاسكتلندي القائمة على استخدام أطباق طازجة المكونات، وذلك من خلال تجربة عشاء قوامها الإسقلوب الذي جيء به من الساحل الغربي، وطبق لحم ردف الحمل اللذيذ المقدّم مع اللفت والكرنب، والمثلجات رائعة المذاق بنكهة الشوكولاته البيضاء التي تُقدم مع اللوز وثمار الفراولة المقطوفة من توريدون.

 

استحوذت دراجة رودماستر على أبصار الناظرين في فندق توريدون.

 

بعد قرية توريدون، كان الطريق نورث كوست 500، الذي بات يقتصر على مسار أحادي لا اسم له، يعانق شواطئ شبه جزيرة آبلكروس، ويشكّل معبرًا سريعًا للدراجات النارية الرياضية، ولا عجب في ذلك. فالأميال الأربعة والعشرون المؤدية إلى آبلكروس كانت تكشف عن مزيج مبهج وغير متناه من المنعطفات الضيقة والالتواءات والخطوط المستقيمة العريضة التي تمتد أعلى الجرف موفرة إطلالة بانورامية على جزر رونا وراساي وسكاي في أرخبيل جزر هبريدس الداخلية. بدت تلك الطريق أقرب إلى تمرين إحماء مثالي لما يُعد أوج الرحلة. فبدءًا من قرية آبلكروس الصغيرة التي تنبسط عند شاطئ الخليج، كان الطريق يمتد صعودًا حتى علو 2٫035 قدمًا فوق ما يُعرف باسم بيلاخ نا با Bealach na Bà أو ممر القطيع قبل أن يعود لينحدر نزولاً إلى الطريق A896 مع بلوغ قرية تورنابريس. يُعد هذا الممر المخادع، الذي يشكلّ ثالث الطرقات الأعلى ارتفاعًا في بريطانيا، واحدًا من المسارات الطويلة الصاعدة الأكثر حدة في المملكة المتحدة مع التفافه في زاوية بمقدار 20 درجة عند المنعطفات. وما هي إلا بضع دقائق حتى وجدتني محاطًا بدوامة من الغيوم فيما قمة الجبل احتجبت خلف الضباب. كانت الرياح المزمجرة تلسع بشرتي. لكن الرحلة بدت مهيبة إذ بدأ الطريق يضيق بي نزولاً عبر منعطفات حادة قبل أن يضمحل باطراد عبر واد تشكّل في هيئة الحرف U وأحاطت به أسوار صخرية مهيبة باللون البنفسجي.

 

كانت الرياح المزمجرة تلسع بشرتي. لكن الرحلة بدت مهيبة إذ بدأ الطريق يضيق بي نزولاً عبر منعطفات حادة قبل أن يضمحل باطراد عبر واد تشكّل في هيئة الحرف U

 

تشكّل الطبيعة التي لم تروّضها يد الحداثة في شمال غربي بريطانيا خلفية رائعة للرحلة، من نقطة الانطلاق إلى خط النهاية.

 

بدءًا من قرية تورنابريس، بدأت الطريق تتسع وتتسارع بي عبر الوديان في خط مباشر أخير قبل بلوغ إينفيرنيس. لم أكد أبلغ خط النهاية، حتى انقشعت الغيوم شمالاً لتكشف عن شعاعات ضوء الغسق المتمددة على نحو آسر فوق مدينة دورنوخ التي تلوح في البعيد. كان نهار الأحد ومحطات الوقود مقفلة. لكن الطريق كان مفتوحًا أمامي يغريني بأن أواصل قيادة دراجتي فيما الشمس تشع في كبد السماء.

 

 

 

‏Indian Motorcycle
www.indianmotorcycle.com
‏Saltire Motorcycles
www.saltiremotorcycles.com