مع اقتراب فصل الصيف، تتجدّد رغبة المسافرين في اكتشاف وجهات جديدة تعبّر عن روح المغامرة والنشاط، بعيدًا عن الروتين المعتاد للعطلات الهادئة. في هذا العصر الجديد من السفر النشط، تبرز اليابان بوصفها خيارًا مثاليًا لأولئك الذين يبحثون عن تجربة تجمع بين التحدي الجسدي والغوص في قلب الطبيعة والثقافة.
من مرتفعات ناسو التي تعانق السحاب وتغوي الأرواح الشغوفة بالتحدي، إلى شبه جزيرة كيي التي تحتفظ بجذور الروح اليابانية في كل منعطف، نرتحل إلى وجهتين استثنائيتين في اليابان، تعيدان تعريف السفر فيما تكشفان عن التنوع الياباني في أبهى صوره: وجهة تتنفس الهواء، وأخرى تنبض بالذاكرة.
مرتفعات ناسو: جنة لمحبي المغامرة
في الزاوية الشمالية لمقاطعة توتشيغي، تقع مرتفعات ناسو، حيث تُستكشف الطبيعة اليابانية بجمالها وهدوئها. لا تستغرق الرحلة من طوكيو سوى 70 دقيقة عبر القطارات السريعة لتصل إلى هذا الملاذ الخلاب.
أما أبرز ما يميز هذه المنطقة، فهو جبل ناسو، الذي يشكل مع مجموعة الجبال البركانية النشطة مشهدًا مذهلاً للمستكشفين.
هنا، يمكن للزوار الانغماس في الطبيعة بعمق، مستمتعين برحلات المشي عبر مسارات جبلية تأخذهم إلى شلالات ساحرة، وجسور معلقة تقدم لهم تجربة فريدة بين السماء والأرض. على أن ما يضفي مزيدًا من السحر على هذه الرحلة هو الاسترخاء في الينابيع الساخنة التي تضمن للزوار تجديد طاقتهم بعد مغامرة جبلية لا تُنسى.
تبدأ المغامرة في مرتفعات ناسو من خلال "تجربة ناسو لركوب الدراجات"، حيث تأخذك الجولات السياحية عبر المسارات الريفية الهادئة، متجهة إلى القرى الصغيرة التي لا يزال عبق التقاليد يملأ أرجاءها. بين حقول الأرز الخضراء المترامية، يمكن للزوار أن يختبروا تنوع المناظر الطبيعية التي تتبدل بلمسات كل فصل من فصول السنة.
أما دورة "ناسو ساتويا"، فهي تقدم للزوار فرصة نادرة ومثيرة للتواصل المباشر مع الأرض، إذ يتمكنون من الانغماس في تجربة الحصاد التقليدي من المزارع المحلية، ويشاركون الفلاحين في الأنشطة الزراعية التي تحافظ على تقاليد قديمة، ما يضيف بُعدًا ثقافيًا غنيًا على المغامرة، ويمنح الزوار فهمًا عميقًا لحياة الريف الياباني وجمالياته الطبيعية.
ومع اقترابك من قلب المرتفعات، يفتح لك متنزه ناسو هايلاند أكبر مدينة ملاهي في شرق اليابان، أبوابه لمجموعة من الألعاب المثيرة.
هناك أكثر من 40 لعبة مختلفة و10 قطارات سريعة، مع مناطق مخصصة للأنشطة المائية التي توفر مغامرات ممتعة، خصوصًا للعائلات. ولمن يبحثون عن تجربة رياضية مختلفة، تتيح "دورة الأشجار" تجربة رياضية فريدة تسمح للمشاركين بالتنقل بين الأشجار عبر جسور معلقة ومسارات مليئة بالتحديات البدنية.
لا تكتمل مغامرة مرتفعات ناسو من دون الانطلاق نحو قمة جبل تشاوسو البركاني النشط، الذي يعد من أبرز المعالم الطبيعية في المنطقة.
تبدأ الرحلةعلى متن "التلفريك" الذي يأخذك عبر مناظر طبيعية خلابة، لتصل إلى ارتفاعات تتيح لك مشاهدة الجبال المحيطة من زاوية ساحرة.
بعد ذلك، تستكمل الرحلة سيرًا على الأقدام في مسار ممتد لمدة 50 دقيقة، يعانقك فيها هواء الجبال النقي، ما يجعل هذه التجربة أكثر من مجرد مغامرة، بل رحلة استكشاف حقيقية لروح الطبيعة.
Nasu Highlands
شبه جزيرة كيي: رحلة عبر التاريخ والطبيعة
إذا كانت مرتفعات ناسو تعبّر عن وجه اليابان النابض بالمغامرة، فإن شبه جزيرة كيي تمثل الجانب الآخر من التجربة. إنها وجهة ينصت فيها المسافر إلى إيقاع الطبيعة العميق ويتتبع آثار التاريخ في كل منعطف.
على ضفاف المحيط الأزرق، حيث تلتقي الجبال المهيبة بأفق لا نهاية له، تتباهىى شبه جزيرة كيي بطبيعتها الساحرة، لتكون واحدة من أجمل الوجهات في اليابان. وبوصفها موقعًا مُدرجًا على قائمة التراث العالمي لليونسكو، تحتضن هذه المنطقة مزيجًا نادرًا من الجمال الطبيعي والعمق الروحي.
إلى جانب ما تتميز به المنطقة من مناظر طبيعية تخطف الأنفاس، تحتضن شبه جزيرة كيي أيضًا عددًا من المواقع الثقافية والدينية البارزة، مثل معبدي كيوسان وكومانو سانزان، اللذين يحملان بين طياتهما تاريخًا وروحًا عميقة، وهو ما يجعل من هذه الوجهة ملاذًا لمن يسعى إلى إعادة وصل ما انقطع بين الإنسان والأرض.
تبدأ الرحلة مع الجدف في نهر كيتامايا، إذ يمكن للزوار الانطلاق في مغامرة مثيرة على متن طوف خشبي تقليدي، يمر عبر مياه النهر البيضاء المتدفقة، فيما يتيح إطلالات خلابة على الغابات الكثيفة التي تحيط بالنهر.
خلال الرحلة، يكتشف الزوار جمال الطبيعة البكر التي تزينها الأشجار العالية، وأصوات الطيور والحيوانات البرية التي تضفي على المكان شعورًا بالمغامرة البرية.
هذه اللحظات التي تتنقل فيها بين المياه والشلالات الصغيرة تجعل الجدف أكثر من مجرد نشاط رياضي، بل تجربة روحانية تجذبك نحو سلام داخلي وسط بيئة طبيعية ساحرة.
Kii Peninsula
أما المشي على طريق كومانو كودو التاريخي، فهو رحلة عبر الزمن تعيدك إلى جذور اليابان الروحية والثقافية. يتنقل الزوار بين الغابات الكثيفة، والأضرحة القديمة والمعابد التي تحمل بين جدرانها قصصًا تمتد لآلاف السنين.
يمر هذا الطريق بمسارات حجّاج كانوا يسلكونه منذ أكثر من ألف عام في رحلاتهم المقدسة، وهو ما يجعل من كل خطوة على هذا المسار تجربة روحية وعاطفية. مع كل منعطف، يكتشف الزوار المزيد عن الثقافة اليابانية العريقة.
وعند زيارة أكوا هات في مدينة أوساتشو بميا، ينغمس الزوار في عالمٍ تقليدي يربط الإنسان بالبحر، إذ يمكنهم من اكتشاف تقاليد آما، الغواصات الإناث اللاتي مارسن الغطس منذ قرون، في سعيهن لاستخراج الكنوز البحرية من أعماق المحيط. تُعد هذه المهنة جزءًا من التراث الثقافي الياباني العريق، وهي تحتفظ بجاذبيتها الخاصة في هذا العصر الحديث،.
يتعلم الزوار هنا فنون الغطس القديمة التي لا تعتمد على المعدات الحديثة بل على القدرة الجسدية والروحانية العميقة التي تتحقق من خلال الاتصال المباشر مع البحر. بالإضافة إلى ذلك، يمكنهم التمتع بتجربة فريدة من نوعها لتذوق المأكولات البحرية المستدامة التي يجري اصطيادها بعناية، ما يعزز التقدير للبيئة والموارد الطبيعية المحيطة.