المعماري بول ماكلين يصمم منزل أحلام ثوري الطابع لعائلة أحد أقطاب القطاع التقني في لوس أنجليس.
عندما قرر جايسون روبن، البالغ من العمر خمسين عامًا، أن يبني منزل أحلامه في بيفرلي هيلز حرص على أن تكون رحلة العودة يوميًا إلى منزله مشوقة بقدر تلك التجربة التي تتيحها أي لعبة فيديو. بعد أن ينطلق بسيارته ذات اللون الرمادي غير اللامع من طراز لامبورغيني عبر الشوارع المتعرجة والضيقة الممتدة فوق جادة سانسيت بولفارد، يتقدم شيئًا فشيئًا صعودًا إلى طريق مسدود، ثم يجتاز بوابة معدنية، ويوقف المركبة في الموقف المخصص لها قبل أن يضغط على أحد الأزرار، فتنزل به السيارة إلى مرآب سفلي مسور بواجهات زجاجية. لقد قُضي الأمر.
في الحجرة المهيبة ذات الارتفاع المزدوج، تنفتح الواجهة الزجاجية على نحو مائل لتفضي إلى غرفة الجلوس الخارجية التي أقيمت فوق الشرفة.
وتميز المساحة الداخلية طاولة طعام مصممة بحسب الطلب من استوديو بول سيتي ديزاين، وكراس من علامة فيرن تزهو بكسوة جلدية
من علامة هولي هانت، وثريا Christopher Boots من شركة Twentieth.
بنى روبن مسيرة مهنية مبهرة ارتكز فيها إلى حِدة مخيلته. إنه رائد في مجال ألعاب الفيديو والواقع الافتراضي، ويشغل منصب نائب رئيس مبادرات الألعاب الخاصة لدى فيسبوك. وكان روبن قد أصدر لعبته الأولى سكاي كرايزد Sky Crazed عندما كان مراهقًا. أما لعبة كراش بانديكوت Crash Bandicoot التي صممها خلال العقد الثاني من عمره، فتصدرت أهم الألعاب لدى شركة سوني في تسعينيات القرن الفائت التي بلغت فيها حقبة نظام بلاي ستايشن ذروتها. وإذ تغير نمط حياة روبن بمرور السنين وتوسعت دائرة أنشطته، ابتاع منزلاً في نيويورك وآخر في لوس أنجليس وجددهما. لكن المنزل الذي شيده مع زوجته أنييس أمبروز لعائلتهما، التي تضم ابنتين صغيرتين، يُعد مأثرة هندسية تزهو بمعايير الفخامة المحض وتتجاوز الأحلام الأكثر جموحًا التي تراود هذا الرجل الحالم حد المبالغة.
يقول روبن فيما يتنقل في أرجاء المكان حافي القدمين إلا من جواربه، متجاوزًا بين الحين والآخر إحدى الألعاب المخصصة للكلاب أو بوابة ترتفع حاجزًا يعيق مرور الطفلتين: «صممت نموذجًا رقميًا يعكس تصوري للمنزل الذي أردته.» وإذ يهز رأسه ويضحك ساخرًا من سذاجته، يضيف قائلاً: «لكني لم أكن أمتلك أدنى فكرة عما ينبغي أن تكون عليه مساحة الحمام.»
تنفتح الحجرة الفسيحة على سطح بركة السباحة حيث تتوزع مجالس للاستلقاء،
وكراس وطاولة طعام كلها من هولي هانت. أما المنسوجات، فمن علامتي غرايت آوتدورز وبيرينيالز.
ارتكز روبن في رؤيته بشكل رئيس على الإطلالات التي تشتهر بها المدينة. تسافر اليوم الغيوم الرمادية الكثيفة في كبد السماء خارج الواجهات الزجاجية الشاهقة، لكن تأثيرها لا يفوق روعة المشهد الممتد تحت أقدامنا من غرب لوس أنجليس إلى المحيط الهادئ. في سبيل تحويل هذا التصور الأولي إلى واقع، استعان روبن بالمعماري بول ماكلين الذي يتخذ من أورانج في جنوب لوس أنجليس مقرًا له. كان روبن قد أُعجب بما أنجزه ماكلين في عدد من المنازل الأخرى في الحي نفسه، وبعضها مهيبة بحجمها وتجسد ذاك الطابع الحديث المتميز بوفرة الزوايا والذي بات يشكل جزءًا لا يتجزأ من هوية جنوب كاليفورنيا.
يقول ماكلين: «يتمتع جايسون برؤية حقيقية ثلاثية الأبعاد يفتقر إليها بعض الزبائن الآخرين، الأمر الذي جعل تجربة هذا التعاون ماتعة حقًا.» قد لا تكون كلمة «ماتعة» أول ما يتبادر إلى أذهاننا عند التفكير في المتطلبات اللوجستية لتشييد منزل يمتد على مساحة اثني عشر ألف قدم مربعة تقريبًا بدءًا من قمة وادٍ شديد الانحدار وصولاً إلى سفحه. اقتضى التحدي الذي واجهه ماكلين العثور على طريقة للبناء عموديًا مع الحفاظ على الشعور بالرحابة الذي تضمنه المساحات المفتوحة، الأمر الذي يتيح إطلالات خلابة من الغرف كلها، بموازاة استحداث مجالس خارجية ومساحات للترفيه على الرغم من هيمنة المنزل والمرافق المكملة له على كل شبرٍ من رقعة أرض متواضعة نسبيًا وغير منتظمة الشكل تمتد على مساحة ثلاثين ألف قدم مربعة.
حجرة النوم الرئيسة المجهزة بسرير مصمم بحسب الطلب ابتكره مايكل فولن، وتركيبات إنارة من علامة جون بومب ستوديوز.
أما ما أضفى مزيدًا من التعقيد على متاهة التصميم، فتمثل باضطرار ماكلين إلى البناء من حول بركة السباحة والفناء الخارجي الموجودين أصلاً. كان الزوجان روبن يعيشان من قبل على أرض هذه الملكية في منزل عتيق الطراز لم يعد مثاليًا لعائلتهما المتنامية. لكنهما أعادا بناء بركة السباحة والسطح المحيط بها قبل أن يستعينا بخدمات ماكلين، فأرادا التخلص من المنزل مع الإبقاء على بركة السباحة.
تمثلت إحدى العقبات الأخرى في ازدراء روبن على وجه الخصوص لفكرة أبواب المرآب. وفي هذا يقول: «عندما تقود سيارتك إلى غالب المنازل، فإن أول ما تراه هو باب المرآب الضخم. ومن الصعب أن يضفي المرء جاذبية ما على شيء كهذا.»
ابتكر ماكلين تصميمًا لمنزل من ثلاث طبقات يتألف من خمس حجرات للنوم ويزهو بسلم مبني وفقًا لمفهوم الدرجات العائمة يربط الصالة الرياضية وقاعة ألعاب الفيديو وغرف النوم المخصصة للضيوف في الطابق السفلي بالمساحات المفتوحة في الطابق الرئيس وحجرات نوم أفراد العائلة الكائنة في الطابق العلوي. وإذ عمد ماكلين إلى تركيب منصتين لمصعدين يسمحان بإنزال السيارات إلى مرآب يمكن رؤيته من قاعة ألعاب الفيديو، نجح في التخلص من المنظر القبيح الذي يعكسه أي مرآب عادة، واستحدث مساحة عيش أكبر في الطابق الأرضي. فضلاً عن ذلك، وفي سبيل تعزيز المساحات المفتوحة وإضفاء طابع أكثر رحابة على بنية المنزل، لجأ إلى استحداث «منور» مفتوح في مركزه. كانت النتيجة تعزيز عنصري الشفافية والرحابة اللذين يتعارضان مع حجمه. إن هذا التباين هو ما يشتهر به ماكلين تحديدًا.
يبدو السلم المصنوع من خشب السنديان والفولاذ
وكأنه دعامة ترتفع فوق سفح التل شديد الانحدار.
يقول ماكلين: «إنه ملاذ حصين، لكنه رقيق الطابع بعض الشيء. إنه ليس ملكية مسورة. يعكس كثير من منازلنا، بما في ذلك منزلي الخاص، هذا الشعور. ثمة إحساس بالخفة يغلب على طابعه ليتيح لك التواصل مع البيئة المحيطة ورؤية السماء والطبيعة. امتهنت العمارة منذ خمسة وعشرين عامًا، وأسسنا شركتنا منذ عشرين سنة. لا أبني سوى منازل حديثة. لم نعمل على أي مشروع آخر منذ عشر سنوات أو خمس عشرة سنة. ما إن يختبر المرء تجربة العيش في منزل كهذا، حتى يصير من الصعب عليه أن يعود أدراجه للمكوث في منزل تقليدي.»
قد لا تثير العارضات الفولاذية وبركة السباحة متناهية الأطراف، حتى ولو كان لها غطاء قابل للسحب، استحسان الأهالي كلهم من حيث كونها خيارات صديقة للأطفال. لكن ماكلين يرى أن الصغار يقدرون المنازل الحديثة على نحو يفوق توقعاتنا. وفي هذا يقول: «إن الأطفال يبرعون في التعلم. إنهم يستحسنون الضوء والتواصل مع الطبيعة. ليتني ترعرعت في منزل كهذا.»
لكن ثمة ما يميز منزل روبن على نحو ملحوظ عن منازل الحي الأخرى التي تماثله في الحجم والأبعاد. إنه الغياب التام «للبهرجة» على ما يؤكد المعماري. يقول روبن موضحًا: «إذا ما أردت بناء منزل هنا أو إعادة تصميم منزل بهدف بيعه فورًا وتحقيق مكسب ما، فإنك تحتاج إلى أن تضفي عليه مظهرًا براقًا. فهذا ما يريده الناس هنا. أما في هذا المنزل، فإنك لن ترى أي تفاصيل مشغولة من معدن الكروم المصقول أو الرخام اللامع. استخدمنا عوضًا عن ذلك الحجارة بعد شحذها. أُفضِّل أيضًا الفولاذ والمعدن المصقول. كان من الضروري أن تكون الأرضيات ملائمة للطفلتين والكلاب، وألا تسبب الانزلاق أو تُخدش بسهولة.»
المنزل على ما يبدو مساء من الجهة المقابلة للوادي.
يضيف ماكلين قائلاً: «أردنا إضفاء طابع جمالي صناعي على المنزل، إذ كان من الضروري أن يكون مستدامًا ويصمد في وجه تبعات استخدامه لوقت طويل. إنه ليس قصرًا من ابتكار مصمم خبير ويحتضن مقتنيات ثمينة فحسب. اخترنا مثلاً أرضيات من البورسلين يشتهر بمتانته. كما أننا حرصنا على أن يوحي التصميم بالحميمية وليس بالبرودة، لذا اخترنا أخشابًا تُضفي ألوانها دفئًا على أرجاء المنزل.»
يتمثل أحد أوجه التمايز الأخرى في إبراز الآليات التي اعتُمدت في ابتكار كثير من المزايا غير الاعتيادية في المنزل، على غرار الواجهات الزجاجية التي تنفتح على نحو مائل لتبدد الحد الفاصل بين فسحات العيش الداخلية والخارجية، والمنصتين اللتين تعملان بنظام هيدروليكي لإنزال سيارات روبن إلى المرآب. يشير روبن إلى لوح ذي تصميم صناعي غير متكلف مزود بمفتاح وقفل، وبزر أخضر وآخر أحمر، وإلى القضبان الفولاذية البارزة التي تدعم الواجهات الزجاجية الضخمة. تستهويه رؤية آليات عمل التفاصيل التصميمية، وفي هذا يقول: «أعتقد أن معظم الناس قد يرغبون في إخفاء هذه الآليات، إلا أنني أحب طابعها الصناعي.»
عندما حان وقت تجهيز المنزل بالأثاث، استعان ماكلين وروبن بخبير التصاميم الداخلية مايكل فولن، وأعلماه بأن المنزل سيشهد ازدحامًا كبيرًا، وسيكون مخصصًا لاستضافة حفلات لأعياد الميلاد يحضرها أطفال الروضة، واستقبال عائلة أنييس التي ستزورها قادمة من المجر بلدها الأم، فضلاً عن تنظيم حفلات ترفيهية راقية تتيح الاستفادة قدر الإمكان من تلك الإطلالة المهيبة التي يعد بها المنزل في المساء. صمم فولن الأرائك والمجالس التي ابتُكرت بحسب الطلب ونُجدت بأقمشة متطورة تقنيًا، ناعمة ومتينة في آن، ومثالية للاستخدام في المساحات الداخلية والخارجية. وكان العثور على قطع مفروشات كبيرة، بما يكفي حتى لا تبدو ضئيلة داخل الغرف الرحبة للغاية، أقرب إلى اختبار.
الحمام في حجرة النوم الرئيسة حيث استُخدم الرخام من طراز كالكوتا غولد والغرانيت من زيمبابوي.
إذ يوضح فولن قراره بأن يوكل إلى عدد من الحرفيين في أنحاء البلاد تصنيع قطع الأثاث المصممة بحسب الطلب، يقول: «شكلت أبعاد المساحة عنصرًا حاسمًا بالغ الأهمية في اختيار الحجم المناسب للمفروشات. يبلغ طول الطاولة في حجرة الطعام نحو أربع عشرة قدمًا، وقد جرى قطع سطحها من لوح واحد أسود اللون من خشب الجوز مطعم بتفاصيل إسمنتية. كما اقتُطعت أيضًا بنية الطاولة الصغيرة في غرفة الجلوس، التي صُنعت بمساحة ست أقدام مربعة، من جذع شجرة واحدة.»
تتدلى من الأسقف الشاهقة تركيبات إنارة ذات أشكال نحتية، فيما المصابيح الخارجية المثبتة داخل تجاويف، والتي يمكن التحكم بنورها، تجعل المنزل يتوهج بالضياء في المساء أو في أيام الشتاء المظلمة التي تطرأ أحيانًا على لوس أنجليس، حتى في عالم روبن المبتكر على قياس ذائقته.
تبدو خيبة الأمل واضحة على وجه روبن لأن رذاذ المطر لم يتبدد ليكشف عن امتداد السماء الزرقاء، فيقول: «إنه ليس يومًا مثاليًا لرؤية هذا المنزل.» وإذ يضغط على أحد الأزرار ليرفع ستارة لحجب أشعة الشمس في غرفة النوم الرئيسة، يتجلى مشهد لا تعوزه الروعة للإطلالة هذه المرة على جانب التل إلى الجهة الشمالية الغربية. لا تطرح الخصوصية أي مشكلة لآل روبن من هذا العلو ومن هذه الزوايا كلها.
يهز روبن كتفيه بغير اكتراث ويقول: «فكرنا أنه إذا ما تكبد أحدهم عناء إحضار منظاره، والنظر إلى أعلى صوبنا، فهذا يعني أنه يرغب حقًا في معرفة ما يجري داخل المنزل. أعتقد أنه لن ينجح إلا في اختلاس نظرة خاطفة إلى الداخل.»