صحيح أن أكثر من تسعة قرون انقضت منذ شيد النورمنيون الذين استوطنوا إنكلترا قديمًا أولى ملكياتهم المحصنة، إلا أن إيرلندا تبقى واحدًا من البلدان التي تحتضن العدد الأكبر من القلاع على وجه الأرض. لكن قلة قليلة فقط من الحصون التاريخية في الجزيرة الزمردية لا تزال تتسم إلى يومنا هذا بتلك الهيبة التي عرفتها زمن كبار الملوك  الملكات. سنرفع عبر الصفحات التالية الحواجز الحديدية، ونشرع البوابات المصفحة على ثلاث قلاع متفردة لم تحافظ على أصولها الملكية فحسب، بل تطورت أيضًا لتشكل قصورًا عصرية تليق بأن يقيم في رحابها أهل القرن الحادي والعشرين.

 

قلعة درومولاند

 

 الملاذ العائلي

قلعة درومولاند

 

تشمخ قلعة درومولاند Dromoland Castle فوق ضفاف خليج لوف درومولاند في بلدة نيوماركت أون فيرغوس منذ نحو 500 عام، تاريخ شكلت دار أجداد آل أوبراين. ينحدر أفراد العائلة من براين بورو، كبير ملوك إيرلندا قبل ألف عام، وقد نُصبوا عام 1543 بارونات على إنشيكين. وبمرور السنين، استُخدمت ملكيتهم في مقاطعة «كلير» منزلاً لمالك تشمخ قلعة درومولاند Dromoland Castle فوق ضفاف خليج لوف درومولاند في بلدة نيوماركت أون فيرغوس منذ نحو 500 عام، تاريخ شكلت دار أجداد آل أوبراين. ينحدر أفراد العائلة من براين بورو، كبير ملوك إيرلندا قبل ألف عام، وقد نُصبوا عام 1543 بارونات على إنشيكين. وبمرور السنين، استُخدمت ملكيتهم في مقاطعة «كلير» منزلاً لمالك خيول السباق الشهير في القرن الثامن عشر إدوارد أوبراين، والعضو في البرلمان في أربعينيات القرن التاسع عشر ويليام سميث أوبراين، وأيضًا للورد إنشيكين المعاصر الذي يسكن في دار ثوموند هاوس المحاذية للملكية.

لا شك في أن الحفاظ على قلعة من القرن السادس عشر، وعلى الدار الحالية، وجعلهما منتجعًا عصريًا، يشكل مهمة دقيقة، لكنها مهمة أتقنها القيمون على ملكية درومولاند في سياق عملية ترميم مستمرة تمتد على أربعة أعوام. باكتمال المرحلة الثانية من مشروع الترميم الذي قُدّرت كلفته بعشرين مليون دولار، بات الفندق يشكل، بحسب تعبير مديره العام مارك نولان، «ملاذًا يحتفي بالعالم القديم إنما بأسلوب معاصر». تمتد ملكية درومولاند بطبيعتها التي تخطف الأبصار على مساحة 450 فدانًا تضم ملعب بطولات للغولف، وحديقة مسورة، وبحيرة تغص مياهها بسمك السلمون المرقط.

وقد استُخدمت هذه الملكية فندقًا للمرة الأولى في عام 1963. يحتضن الفندق اليوم 98 غرفة وجناحًا باذخة التأثيث أعيد تحديث كثير منها لتتزين بأقمشة إيرلندية عصرية، وقطع أثاث مصنوعة بحسب الطلب ومبيضة بالجير، وأعمال فنية أصلية، ووسائد مدموغة بشعار النبالة الخاص ببارون إنشيكين. كما يغلب طابع حيوي جديد على رواق القلعة وغرف الطعام، وإن كان عبق التاريخ الساحر لا يزال يعترش في المكان. يشهد على ذلك هنا درع لأحد الفرسان يطالع الضيوف في ردهة الاستقبال، ورسوم شخصية لأفراد عائلة أوبراين تزين الجدران. ويحضر الأسلوب التصميمي المميز للقرن السابع عشر في حجرة الترفيه عن الضيوف التي يطغى عليها لون ياقوتي، والتي باتت تتزين أخيرًا بكسوة قماشية مزخرفة للجدران، وكراس وثيرة تتدثر بالمخمل وتكملها وسائد بأطراف أنبوبية، وثريا فخمة.


قلعة درومولاند

لكن الجزء الأكبر من عملية الترميم التي أخضعت لها ملكية درومولاند يبقى خفيًا، إذ يشمل استحداث نظامي تدفئة وتبريد جديدين، وشبكة جديدة لتوفير المياه (تتيح خفض معدل استهلاك المياه إلى نصف ما كان عليه منذ سنتين). زيادةً على ذلك، تبدلت النوافذ كلها، ومنها 130 نافذة تاريخية، بواجهات زجاجية ثنائية الألواح تسمح بالحفاظ على الحرارة وتكبح الضجيج، لا سيما ذاك الذي يثيره هبوب الرياح الإيرلندية. أما المراحل الأخيرة في مسار ترميم درومولاند، والمتوقع اكتمالها العام المقبل، فستشمل تجديد حوض السباحة الداخلي، وجناح «ذا كلوب»، وغرف الضيوف ضمن مجموعة «كوين آن كورت». ومثل التعديلات السابقة، ستضفي هذه التحسينات على الملكية التاريخية مسحة رفاهية عصرية تحمل معها إحساسًا بالراحة الجسدية وبالدفء العائلي في آن. يقول نولان: «إن الاختبار الحقيقي لي هو أن يجد الزائر نفسه حرًا للقفز على الأريكة، وقادرًا على أن يجلس في كرسيه بهدف المطالعة طيلة ساعتين. فهذا هو المفتاح لتحقيق المطلوب لي. أريد للزائر أن يشعر بأنه في منزله»، حتى وإن لم يكن لورد إنشيكين.

‏Dromoland Castle
www.dromoland.ie

قصر أدار مانور

النموذج الأمثل

قصر أدار مانور

 

في قصر أدار مانور Adare Manor، يكاد من يمكث في أي من غرف الضيوف المواجهة للشرق يلامس مياه نهر تستوطنه أسماك السلمون المرقط. فأنقاض القلعة التي تعود إلى القرن الثالث عشر تنبسط مباشرة قبالة النهر، فيما يحاذيه إلى الجنوب ملعب للغولف يزهو بخضرته الزمردية وتسوره على امتداد ضفة النهر حدائق منسقة، وممشى يُفضي إلى الغابة، وأكاديمية للأنشطة الريفية تستقطب الطموحين من هواة الرماية والصيد بالصقور. خارج حدود الملكية مباشرة، والممتدة على مساحة 842 فدانًا (ومن ثم الأصغر من مساحة سنترال بارك في مانهاتن بمقدار فدان واحد فقط)، تنبسط القرية التي يفاخر أهلها بالقول إنها الأروع والأجمل في إيرلندا.

قصر أدار مانور

أما المركز المحوري لهذه الملكية الإيرلندية النموذجية، الواقعة في مقاطعة ليميريك على بُعد مسيرة نصف ساعة بالسيارة من بلدة شانون، فيتمثل في بيت المزرعة، وهو قصر قوطي محدث من القرن التاسع عشر أعيد ترميمه ليتدثر بحلة تقارب الكمال. كانت قلعة أدار مانور قد شُيدت في الأصل نزولاً عند طلب إيرل دانرافن الثاني، واستُخدمت فندقًا للمرة الأولى في ثمانينيات القرن العشرين. في شهر نوفمبر تشرين الثاني من العام المنصرم، استكمل أصحاب الملكية الجدد عملية ترميم استغرقت نحو سنتين وأعادت إحياء هذه التحفة الهندسية لتشكل ملاذًا في هيئة منزل ريفي نموذجي. في سياق عملية الترميم، أبقى أصحاب القصر المهيب على تفاصيل المنزل الذي يستلهم عناصر التقويم (تتجسد أيام السنة والأسابيع والمواسم فيما مجموعه 365 نافذة مصنوعة من قطع زجاجية تربط بينها قواطع من الرصاص، و52 مدفأة، وسبع ركائز، وأربعة أبراج).

قصر أدار مانور

كما حافظوا على ميزات أخرى (كنقوش التماثيل والشخصيات التي تزين التجاويف والجدران في مختلف أرجاء الدار). في المقابل، لحظت عملية التجديد إضافة الوسائل التقنية العادية والمتطورة على حدٍّ سواء. (استُحدث مصعد كان حصن أدار مانور يفتقر إليه من قبل، وجرى بناؤه هذه المرة داخل نسخة من آلة الأورغن الأصلية ذات الأنابيب التي كانت تزين المكان). باستحداث جناح إضافي، ارتفع عدد الغرف المخصصة للضيوف إلى 104 غرف وأجنحة يتفرد كل منها بتصميم خاص يستحضر فخامة الأسلوب التصميمي المميز للقرن التاسع عشر. تتميز غرف دانرافن Dunraven Staterooms تحديدًا بطابع أخاذ تثريه لوحات أبدعها كبار قدامى الرسامين، وقطع أثاث من الطراز الجورجي كانت لتليق بالإيرل الثاني نفسه. أما أجمل حجرات قصر أدار مانور، فخُصصت لاحتساء الشاي في فترة بعد الظهيرة. تشكل الحجرة الممتدة بطول 132 قدمًا ملاذًا أنيقًا يستلهم في تصميمه قاعة المرايا في قصر فرساي. ويتميز بسقف تحاكي هندسته شكل البرميل وبنوافذ زجاجية ملونة. كما يحتضن هذا الفندق قاعة سينمائية خاصة، وناديًا صحيًا لمجموعة La Mer يُعد الوحيد من نوعه في الجزر البريطانية. يُذكر أن أدار مانور يقع على مسافة قريبة من أبرز المعالم السياحية الكثيرة التي تستحق الزيارة في جنوب غربي إيرلندا، وفي طليعتها طريق «رينغ أوف كيري» السياحي الشهير، وجرف موهر البحرية. أما النشاطات المتاحة على أرض الفندق، فتشمل التعرف إلى طيور البوم الثلجية، والشاهين، وغيرهما في الأكاديمية، زيادةً على صيد سمك السلمون المرقط الذي يكثر في أحد التجاويف على مقربة من البوابة الخلفية للملكية. تتوج المغامرات في الريف الإيرلندي هنا جولة غولف عند ضفة النهر على أرض ملعب صممه توم فازيو في هيئة متنزه. ومن المتوقع افتتاحه هذا الموسم.

قصر أدار مانور

قصر أدار مانور

قصر أدار مانور

قصر أدار مانور

Adare Manor
www.adaremanor.com

قلعة كيلكاي

تلاحم الأضداد

قلعة كيلكاي

تشكل قلعة كيلكاي خير تعبير عن تلاحم الأضداد إذ تبدو عتيقة الطراز وعصرية في آن، وتجمع بين الطابع المهيب والطاغي والدفء المنزلي. بل إنك لن تجد عبر أرجاء هذه الملكية التي يعود بناؤها إلى 838 سنة خلت أي مؤشر إلى ما يوحي بالكآبة الموحشة. بل على العكس، يخيم على المكان هنا إحساس راسخ بالراحة والسكينة تشعر به مثلاً فيما تجلس مسترخيًا مع فنجان من القهوة الإيرلندية في حجرة استقبال الضيوف التي تغمرها أشعة الشمس. بُنيت قلعة كيلكاي سنة 1180 وشكلت في الأصل حصنًا منيعًا للوردات النورمنيين الذين غزوا إنجلترا من عائلة ريدلسفورد. وفي عام 1273، انتقلت ملكيتها إلى قبيلة فيتزجيرالد، ثم بقيت ضمن إرث نبلاء عائلة كيلدير على مر سبعة قرون. تقع القلعة في مقاطعة كيلدير على بُعد مسيرة ساعة بالسيارة إلى جنوب غربي دبلن، وقد تحولت إلى فندق في ستينيات القرن الفائت لكنها أقفلت لاحقًا وبقيت مهجورة لسنوات إلى أن عمد عملاق مشاريع التطوير العقاري في بوسطن جاي كاشمان إلى شراء الملكية الممتدة على مساحة 180 فدانًا. في أعقاب عملية ترميم استثمر فيها كاشمان ثلاثين مليون دولار، أعاد المالك افتتاح الملكية فندقًا في شهر مارس آذار المنصرم.


قلعة كيلكاي

يمكن للضيوف اليوم المكوث في أي من حجرات القلعة الإحدى عشرة التي أعيد تأثيثها، والتي تختلف إطلالاتها على الخارج بحسب تبدل أحوال الطقس المتقلب في البلاد، فتشرف مرة على بساتين أشجار السنديان ورماده وحديقة ورود ساحرة، ومرات على ضباب يغلف الأفق. وقد جرى أخيرًا تحويل حظيرة مستقلة كانت تُستخدم موقفًا لعربات الخيل إلى ما مجموعه 31 حجرة يغلب عليها طابع حيوي مرح، ويتميز كثير منها بعارضات خشبية أصلية، وتفاصيل من الحديد المطرق. يمكن للضيوف أن يشغلوا نهاراتهم في قلعة كيلكاي بجولات غولف على أرض الملعب الحديث الذي يضم 18 حفرة، أو بالتنزه في الأحراج وبين أشجار الزان، أو بالانضمام إلى دروس لتعلم فن الصيد بالصقور أو الرماية، إضافة إلى المشاركة في مباريات كرة المضرب، وركوب الخيل، والسباحة في نهر «ريفر غريز» ذي المياه الرقراقة الصافية الذي يتعرج عبر أرض الملكية. وبدءًا من هذا الصيف، سيتاح للضيوف أيضًا خيار الخضوع لجلسات تدليك وعلاجات أخرى يوفرها نادٍ صحي جديد يمتد على مساحة ثمانية آلاف قدم مربعة. أما إذ يحين وقت تناول العشاء، فجل ما عليك فعله هو السير مسافة قصيرة نزولاً إلى أسفل التل (مرورًا بمقبرة من القرون الوسطى) حيث أقيم نادٍ يحتضن مطعمين تمتلئ موائدهما بأطباق محلية تثريها مسحة حداثة. تشمل خيارات الطعام المتوافرة هنا مثلاً طبقًا من لحم البقر الإيرلندي المطهو لمدة 24 ساعة والمقدم مع الجزر المحمص والمنكّه بشراب القيقب، والبطاطس المتبلة، وسلة من الخبز الأسمر الطازج. إن تتبعت بعد العشاء الممرات التي تحيط بالملكية، مستنيرًا بضوء خفيف ينبعث من النوافذ الحجرية الصغيرة، فستتجلى قلعة كيلكاي أمام ناظريك تتوهج هيبة وألقًا.

Kilkea Castle
www.kilkeacastle.ie