بين نبضات الترقّب وعيون المقتنين، خُطّ فصل جديد في سجلّ الجواهر التاريخية النادرة. فقد شهد مزاد كريستيز، المقام في 17 يونيو 2025، بيع قطعة زمردية استثنائية منقوشة بلغ وزنها 470 قيراطًا، مقابل 6.2 مليون دولار أمريكي.
وغني عن القول إن هذا الرقم الذي تجاوز التقديرات الأولية التي راوحت بين مليوني دولار و3 ملايين دولار، أكد مكانة هذه الجوهرة بوصفها واحدة من الكنوز الملكية الأشد ندرة التي ظهرت في السوق خلال العقد الأخير.
يتجلّى في قلب هذه القطعة حجر زمردي أخّاذ، نُقشت على واجهته الأمامية زخارف نباتية دقيقة تنتمي بروحها إلى روائع العمارة المغولية في القرن السابع عشر.
أما على الجانب الخلفي، فيحمل الحجر نقشًا فريدًا باسم أحمد شاه دُرّ دُرّان، اللقب الملكي الذي اشتهر به أحمد شاه دوراني، مؤسس الدولة الأفغانية الحديثة، وأحد أبرز قادة آسيا في القرن الثامن عشر.
ويُرجّح أن هذه الجوهرة النادرة كانت من بين الغنائم التي انتزعها القائد الصفوي نادر شاه من خزائن مغول الهند، إثر اجتياحه الشهير لمدينة دلهي عام 1739.
رحلة العودة إلى فارس آنذاك لم تكن محمّلة بالأحجار فحسب، بل بالتاريخ نفسه، بعدما استولى نادر شاه على كنوز شهيرة مثل عرش الطاووس وألماستي كوه نور Koh-i-Noor ودريا نور Daria-i-Noor. هكذا، لا تقف هذه القطعة عند حدود الجمال، بل تنبض بسيرة متداخلة للملوك والغزاة، توثّقها نقوشها بوصفها أثرًا شاهدًا على تحوّلات سياسية وعسكرية غيّرت مسار المنطقة.
Christie's
بين أساطير الإمبراطوريات الإسلامية والبهاء الملكي
منذ اكتشافه في كولومبيا على يد الغزاة الإسبان في القرنين السادس عشر والسابع عشر، شكّل الزمرد حجرًا فريدًا اجتذب أعين الحكّام والنخبة في الإمبراطوريات الإسلامية الثلاث الكبرى آنذاك: الدولة العثمانية، والدولة الصفوية، والإمبراطورية المغولية في الهند.
وبينما لم يُحتفظ في أوروبا بأي من تلك الأحجار خلال تلك الفترة، انتقل الزمرد إلى الهند عبر التجار الإسبان والبرتغاليين، ليجد مكانه الأبرز في بلاط المغول، حيث اكتسب قيمة مزدوجة: جمالية وروحية. فالأخضر في الإسلام يرمز إلى الفردوس والتجدّد والحياة الأبدية.
وبسبب عيوبه الداخلية الطبيعية، لم يكن الزمرد مناسبًا للقطع التقليدي، ما دفع الحرفيين في جايبور إلى اعتماد أسلوب النحت الدقيق، مستفيدين من عيوبه لتحويله إلى تحف مزخرفة بالنقوش النباتية أو الدينية أو الكتابات القرآنية.
وبحلول القرن السابع عشر، تطوّر هذا الأسلوب إلى فن مستقل، صار فيه كل حجر يحمل هوية فريدة، فيما يجمع بين الرمزية والتأمل البصري، ويُسطّر على سطحه تاريخًا أو دعاءً أو آيةً مقدّسة.