يستدعي الحديث عن أغلى السجاد في العالم تاريخًا طويلاً من الفخامة، وصورًا لا تُحصى من الإبداع الذي خطته أنامل الإنسان على مدار عقود من الزمن، منذ أن ابتكر القدماء ذلك البساط الأرضي الرائع بهدف التدفئة، مرورًا بعصور جعلت منه لوحات فنية مبدعة، تتباهى بخاماتها الراقية وصنعتها المتقنة، وذلك التفرد الذي خلد بعضها في ذاكرة التاريخ.

وقد أدرك الجميع منذ وقت طويل ما تحمله خيوط السجاد اليدوي من إبداع وتفرد وروح خاصة، تغلفها جودة تتحدى اختبارات الزمن، ما جعله يحظى بمكانة رفيعة حول العالم، وبشكل خاص في مجتمعاتنا الشرقية. والحقيقة أنه ليس من قبيل المصادفة أن تمتلئ قصصنا الأسطورية القديمة بصور وحكايات السجاد السحري والبُسط الطائرة، إذ يؤكد الخبراء أن بداية صناعة السجاد نشأت في الشرق الأوسط، ومن المكان نفسه خرجت تلك القطع الفريدة التي رفعت لافتات أغلى السجاد في العالم.

تاريخ أغلى السجاد في العالم

يعتقد الباحثون أن نسج السجاد نشأ في بلاد الرافدين أو ما بين النهرين، وتطور إلى حد كبير في حضارة بابل التي استمرت حتى عام 539 قبل الميلاد عندما غزاها الجيش الفارسي بقيادة كورش الكبير الذي يُعتقد أنه هو من نقل فنون صناعة السجاد من بابل إلى بلاد فارس القديمة ودعمها بشكل واضح حتى رحيله. كما يُعتقد أنه دفن في قبر مغطى بسجاد لا يقدر بثمن، وربما يفوق بكثير أغلى السجاد في العالم من حيث القيمة.

كل ذلك يعني باختصار أن صناعة السجاد ولدت في هذا الجزء من العالم قبل نحو أكثر من 2600 عام على الأقل، ومع ذلك يعتقد بعض الباحثين أنه من الممكن أن يكون الفرس قد أتقنوا هذه التقنيات الخاصة بصناعة السجاد بشكل أو بآخر حتى قبل ذلك الغزو، إذ كانت منازلهم في حاجة مستمرة لوسائل تحميها من البرد، بينما كانوا يربون الحيوانات والأغنام والماعز التي توفر ما يكفي من الصوف لصنع مثل هذه البُسُط الرائعة.

وسواء نشأت صناعة السجاد في بلاد ما بين النهرين أو في بلاد فارس، فإن المحصلة النهائية تبدو في الواقع شديدة التميز والروعة، إذ عمل القدماء هناك على صناعة السجاد بهدف تغطية أرضيات الخيام في البيئات البدوية أو المنازل في التمركزات السكانية للحماية من البرد.

ولما كانت هذه الوسيلة ناجحة للغاية، فقد توارثت صناعتها الأجيال، بينما عملوا على تطويرها بما يعطي لكل سجادة مزيدًا من التفرد والإتقان ويمنحها عمرًا أطول، ومن ثم فقد أصبحت فارس "إيران" من أشهر الدول في تصنيع السجاد.

وبتطور التجارة بين الدول عبر العصور، تطور فن النسج الخاص بالسجاد، ما أدى إلى مجموعة هائلة من الأنماط والتصاميم، وكذلك الأسعار المتباينة حسب الخامات والصنعة وصولاً لأغلى السجاد في العالم. بل إن بعض السجاد يحمل قيمة تاريخية وارتباطًا بعصور وأحداث خاصة، ومن ثم يُعد كأي أثر راقٍ لا يمكن تقديره بالمال.

قد تكون أقدم سجادة معروفة حتى الآن هي سجادة بازيريك Pazyryk، المعروضة في متحف الارميتاج Hermitage في سان بطرسبرغ بروسيا، وهي تعود إلى القرن الخامس قبل الميلاد.

تعكس هذه السجادة الحرفية المثالية وتوضح تعقيد التصاميم المتقنة، فيما تشير إلى أنها صنعت لما هو أكثر من الاستخدامات العملية التي سبق أن ذكرنا بعضها. وفي السطور الآتية نعرض بعض القطع من أغلى السجاد في العالم، التي أمكن وضع أثمان لها خلال مزادات جرت على مدار العقود الثلاثة الماضية .

سجادة بازيريك متحف ارميتاج/ أغلى السجاد في العالم

Eremitage

أغلى السجاد في العالم

سجادة كلارك المنجلية The Clark Sickle Leaf Carpet
فارسية تعود للقرن السابع عشر، بيعت بسعر 33.7 مليون دولار

تعد هذه السجادة حتى الآن الأولى في قائمة أغلى السجاد في العالم وفي التاريخ أيضًا، وقد قدرت قيمتها قبل المزاد بسعر لا يتجاوز 10 ملايين دولار أمريكي. ولكن يبدو أن مالكها الجديد، الذي لم يعلن عن اسمه، لم يكن ليتخلى عن هذا الإبداع، فانتهى به الأمر خلال معركة المزايدة -التي شارك فيها عبر الهاتف واستمرت لعشر دقائق- بدفع قيمة باهظة مقابل هذه القطعة الفريدة من السجاد بحجم 9.8 × 5.6 قدم، والتي تبرع مالكها السابق رجل الصناعة السيناتور ويليام إيه كلارك بها، إلى جانب أكثر من 200 قطعة فنية أخرى.

وكانت سجادة كلارك قد عُرضا مثالاً على إبداع السجاد الفارسي في المتاحف والمعارض المختلفة، بما في ذلك معرض كوركوران للفنون ومتحف النسيج ومعرض آسيا هاوس ومتحف فوج للفنون، إلى أن عرضت بمزاد سوذبيز نيويورك في يونيو من عام 2013، حيث حطمت بتاريخها الذي لا يتجاوز 400 عام الأرقام القياسية لأسعار السجاد التاريخي حتى يومنا هذا.

هذه القطعة الأغلى من السجاد نُسجت على الأرجح في مدينة كيرمان الإيرانية، وقد تميزت بأناقة وجودة استثنائية على الرغم من عمرها، ما كرّس ندرتها وسعرها القياسي.

وحسب الخبراء فإن تصميم الأوراق المنجلية هو أندر أنماط السجاد الزخرفية، وتعد هذه السجادة المثال الوحيد المعروف من هذا النوع الذي يتميز بخلفية حمراء، ولذلك احتلت بسهولة رأس قائمة أغلى السجاد في العالم.

سجادة كلارك المنجلية The Clark Sickle Leaf Carpet/ أغلى السجاد في العالم

Sotheby's

سجادة مزهرية كيرمان The Kirman Vase Rug
فارسية تعود للقرن السابع عشر، بيعت بسعر 9.6 مليون دولار

في منتصف أبريل من عام 2010، باعت صالة كريستيز لندن هذه السجادة التي تحتل المركز الثاني بين قائمة أغلى السجاد في العالم مقابل 9.6 مليون دولار، بينما كان مقدرًا لها آنذاك قيمة تراوح بين  307,60 إلى  461,400 دولار أمريكي فقط.!

وهنا تبرز قصة مثيرة جدًا، إذ قُدرت قيمة السجادة في البداية بمبلغ 900 دولار فقط عام 2009، ولكنها بيعت بسعر 20,000 يورو، ثم حصلت على السعر نفسه مرة أخرى. ولكن البائع لم يكن سعيدًا هذه المرة بالسعر، ومن ثم فقد لجأ إلى دار كريستيز للمزادات التي قدرت قيمتها بسعر يراوح بين 200 ألف إلى 300 ألف جنيه إسترليني، إلى أن جرى التعرف على السجادة التي تعود للقرن السابع عشر بعد ذلك، كونها أول بساط معروف يتميز بنمط تصميم هراتي الشهير والنادر: تبرز الأزهار والأوراق والفروع الملونة على الخلفية الزرقاء المتباينة والسطح المتموج قليلاً.

وفور انتشار هذا الخبر، اجتذب المزاد التالي على السجادة نفسها عددًا مذهلاً من المزايدين، وقد بدأ بقيمة 150 ألف جنيه إسترليني، حتى وصل في النهاية إلى 9.6 مليون دولار، لتحتل بذلك سجادة مزهرية كيرمان المركز الأول بين قائمة أغلى السجاد في العالم آنذاك، قبل أن تنتزع سجادة كلارك المنجلية هذا اللقب منها بعد نحو أربع سنوات تقريبًا. 

سجادة مزهرية كيرمان The Kirman Vase Rug/ أغلى السجاد في العالم

Christies

سجادة موغال "ستار لاتيس" Mughal ‘Star Lattice’ Carpet
هندية تعود للقرن الثامن عشر، بيعت بسعر 7.7 مليون دولار

يطلق عليها الخبراء لقب "أرقى أنواع السجاد المزخرف"، وتعود صناعتها إلى القرن الثامن عشر، كما تعد مثالاً مذهلاً لهذا النوع من السجاد المعروف بميلفلور، والتي تعني بالفرنسية ألف زهرة، وهو النمط الذي لم يعرف منه حتى الآن سوى 12 سجادة فقط، وينتمي إلى المغول شمالي الهند.

كان رجل الأعمال الشهير كورنيليوس فاندربيلت الثاني هو مالك السجادة الأول، وقد عُرضت في منزل العائلة في نيويورك، ثم في نيوبورت رود آيلاند، إلى أن نقلها فاندربيلت إلى ابنته.

كما جرى تناقل ملكيتها على مدار السنوات التالية حتى وصلت أخيرًا إلى صالة كريستيز التي قدرت قيمتها بمبلغ يراوح بين 2.4 إلى 3.2 مليون دولار أمريكي، إلا أنها تخطت هذا الرقم بأكثر من الضعف، عندما بيعت في لندن مقابل 7.7 مليون دولار في أكتوبر من عام 2013، لمشترٍ رفض الإعلان عن اسمه وحارب للحظة الأخيرة للفوز بها.

وتتميز السجادة التي احتلت المركز الثالث في قائمة أغلى السجاد في العالم بخامتها المعقودة من صوف الباشمينا بقياس 12.9 في 13.6 قدم، وخلفيتها القرمزية الغنية التي تبرز بنمط شبكي ذهبي من النجوم المتشابكة المكونة من 12 نقطة، والتي تحيط بمجموعات متناظرة من أزهار الياسمين واللوتس، تتخللها ألوان الأصفر والأبيض والأزرق، لتقدم قطعة مبدعة من إرث المغول وحرفية صناعة السجاد في الهند.

ورغم ظهور علامات بلى خفيفة، إلا أن ذلك لم يؤثر على سعرها النهائي، إذ استمر تفوقها لتحتل مكانتها المميزة في قائمة أغلى السجاد في العالم.

سجادة موغال "ستار لاتيس" Mughal ‘Star Lattice’ Carpet/ أغلى السجاد في العالم

Christies

سجادة اللؤلؤ بارودا The Pearl Carpet of Baroda
هندية تعود للقرن التاسع عشر، بيعت بسعر 5.5 مليون دولار

في عام 1865 قام مهراجا بارودا الهندي غيكوار خاند راو بتكليف أمهر الصناع لديه لصنع هذه السجادة الرائعة، بهدف وضعها في ضريح رسولنا الكريم محمد صلي الله عليه وسلم بالمدينة المنورة، ومن ثم فقد اهتم الصنّاع بمختلف التفاصيل لجعل هذا النسيج الرائع يلمع كقطعة من الجواهر، مستخدمين في ذلك قاعدة من الحرير وجلود الغزلان، مع أكثر من مليون قطعة من لآلئ البصرة، وملايين القطع من الياقوت والزمرد، وحوالي 2500 ألماسة مرصعة، بالإضافة إلى الفضة والذهب وغيرها من النفائس، لبناء واحدة من أروع الأمثلة على صناعة السجاد الهندي المعقود يدويًا، لدرجة جعلت منها لوحة فنية فريدة.

وبالرغم من أنها لم تصل أبدًا إلى وجهتها المحددة، إلا أنها أصبحت نموذجًا للإبداع في صناعة السجاد، وقطعة فريدة من أغلى السجاد في العالم.

وفي مارس من عام 2009 كانت سجادة بارودا بقطعها المربع المميز البالغ 5 أقدام و8 بوصات من أبرز القطع التي عرضت في مزاد سوذبيز بالعاصمة القطرية الدوحة، إذ بيعت مقابل 5.5 مليون دولار لمشتر مجهول شارك في المزاد عبر الهاتف ولم تُكشف هويته، في صفقة يعتقد الخبراء أنها رابحة بمختلف المقاييس، إذ تحتوي السجادة على جواهر قد تفوق قيمتها قيمة المبلغ المدفوع فيها. وسرعان ما استقرت السجادة أخيرًا لتصبح جزءًا من المجموعة الدائمة في متحف قطر الوطني، بعد نحو 150 عامًا من التنقل بين الورثة والمالكين.

سجادة اللؤلؤ بارودا The Pearl Carpet of Baroda/ أغلى السجاد في العالم

Sotheby's

سجادة أصفهان الحريرية The Silk Isfahan Rug
فارسية تعود للقرن السابع عشر، بيعت بسعر 4.45 مليون دولار

يعود تاريخ هذه السجادة إلى أوائل القرن السابع عشر، إذ نُسجت في مدينة أصفهان الإيرانية التي اشتهرت في تلك الفترة بجودة سجادها وجمال مدنها، خاصة في عهد الشاه عباس الكبير الممتد خلال الفترة من عام 1588 إلى عام 1629.

وحسب خبراء كريستيز فإن سجادة أصفهان الحريرية هذه تعد مثالاً استثنائيًا للفن الصفوي في تلك الفترة، مؤكدين بذلك ملاحظة آرثر أبهام بوب، أمين معرض الفن الفارسي الذي أقيم في الأكاديمية الملكية بلندن عام 1930، والذي تحدث عن إبداع هذه القطعة وتميزها اللافت.

بيعت السجادة، التي جاءت بأبعاد 7.5 في 5.7 قدم، بمزاد لصالة كريستيز نيويورك في يونيو من عام 2008 مقابل 4.45 مليون دولار، وقد يكون السبب في ذلك هو أصل السجادة الذي يعود لتلك الفترة المهمة لصناعة السجاد الإيراني، فضلاً عن كونها حافظت على جودتها على مر السنين، من خلال مجموعة كبيرة من جامعي الأعمال الفنية مثل عالمة الآثار غريس ريني روجرز، وجامع الفن هاكوب كيفوركيان، ودوريس ديوك، ومؤسسة نيوبورت ريستوريشن التي حصنت القطعة لتصل لهذا السعر، بينما كان مقدرًا لها قيمة تراوح بين مليون إلى 1.5 مليون دولار فقط. 

سجادة أصفهان الحريرية The Silk Isfahan Rug/ أغلى السجاد في العالم

Christies

سجادة لويس الخامس عشر سافونيري Louis XV Savonnerie Carpet
فرنسية تعود للقرن الثامن عشر، بيعت  بقيمة 4.4 مليون دولار

تأسس مصنع سافونيري Savonnerie في أوائل القرن السابع عشر، بهدف إنشاء نسخ فرنسية من سجاد الشرق باستخدام التقنيات التركية، رغبة في توفير مصروفات المشتريات الضخمة التي استنزفت ميزانية القصر لاستيراد السجاد من الشرق آنذاك. وقد نسجت هذه السجادة في المصنع الأحدث آنذاك بين عامي 1740 و1750، وقد ابتكرها بيير جوس بيرو بتصميم معقد نستطيع القول إنه ثلاثي الأبعاد تقريبًا، ويصور الأسلحة الملكية الفرنسية في القرن الثامن عشر بألوان زاهية، بالإضافة إلى الزهور والحلي.

صنع المصنع ثلاثة نماذج من هذا التصميم، اشترت عائلة جارد ميوبلي واحدًا منها في عام 1842 وسلمته إلى قلعة فونتينبلو Château de Fontainebleau، حيث لا يزال موجودًا حتى اليوم، بينما ضُم نموذج آخر لمستودع أثاث Crown وهي الإدارة المسؤولة عن الأثاث والفن داخل المساكن الملكية، ليصلنا النموذج الثالث من خلال بيعه بمبلغ 4.4 مليون دولار في مزاد لكريستيز أقيم بنيويورك في نوفمبر من عام 2000، وليصبح بذلك واحدًا من أغلى السجاد في العالم، على الرغم من كونه لم ينتج في دولة من تلك الدول التي اشتهرت بصناعة السجاد.

سجادة لويس الخامس عشر سافونيري Louis XV Savonnerie Carpet/ أغلى السجاد في العالم

Christies

سجادة ميدالية روتشيلد تبريز Rothschild Tabriz Medallion Carpet
فارسية تعود للقرن السابع عشر، بيعت بسعر 2.4 مليون دولار

سُرقت هذه السجادة التي تعود للقرن السابع عشر من عائلة روتشيلد النمساوية خلال الحرب العالمية الثانية، إلى أن أعادتها الحكومة النمساوية أخيرًا إلى العائلة في عام 1999. وقد قامت العائلة بدورها بعرضها بمزاد عام 2008، وهو المزاد الذي ضم السجادة إلى جانب مقتنيات ثمينة أخرى للعائلة من عصور مختلفة.

كان من المتوقع أن يحقق مزاد عائلة روتشيلد ما يصل إلى 40 مليون دولار، إلا أنه حقق أكثر من ضعف هذا الرقم متجاوزًا 89.9 مليون دولار، في حدث كان فيه المزايدون يبحثون عن الكنوز الفريدة.

سجادة ميدالية روتشيلد تبريز Rothschild Tabriz Medallion Carpet/ أغلى السجاد في العالم

Sotheby's

وقد حققت سجادة الميدالية التبريزية للعائلة 2.4 مليون دولار، لتستقر أخيرًا في متحف الفن الإسلامي بقطر شاهدًا على روعة هذا النوع من السجاد الفارسي الذي يستحق أن يكون بين قائمة أغلى السجاد في العالم، بما يتفرد به من تفوق الصنعة التبريزية وأنماط الزينة المتناغمة مع ألوانها المتباينة. 
والحقيقة أن قائمة السجاد الأغلى في العالم لا تنتهي بذكر ما سبق من أسماء، إذ لا يزال السجاد الفاخر يفاجئ الجميع بين الحين والآخر، مع أسماء أخرى تخرج من هذه القائمة لقطع كلما مرت عليها السنوات تزداد قيمتها، الأمر الذي يجعلها لا تقدر بثمن.