لو أن مسار طائرة انطلقت من لوس أنجليس متجهة نحو نيويورك تغير بمقدار 3.5 درجة نحو الجنوب، فإن تلك الطائرة ستهبط في واشنطن. لن يبدو هذا الانحراف في الاتجاه واضحًا لحظة الإقلاع، ولا حتى في الدقائق الأولى، لكنه في المحصلة سيغير وجهة الطائرة كليًا. هو مثال طرحه جيمس كلير في كتابه الشهير  atomic habits أو "العادات الذرية"، ليشير إلى أن الأثر الذي قد تحدثه تغييرات ذرية يومية بسيطة، قد يضعك في مكان آخر تمامًا كالطائرة التي هبطت في واشنطن بدل نيويورك.

فالتحسينات الصغيرة جدًا في سياق حياتك ستمنحك أثرًا عظيمًا وتغييرًا عميقًا ومستمرًا، ففي كل شيء تفعله يمكن أن تحقق نتائج أفضل بكثير لو أنك واظبت على تحقيق 1% فقط من التحسين اليومي. أنت لن ترى أو تلمس تغيرًا لحظيًا، لكن الأثر سيكون عظيمًا مع الوقت، وطبعًا الأمر ينطبق على تراجعك  في أداء أشياء معينة في حياتك بنسبة ضئيلة، فمثلاً لو واظبت يوميًا على أكل الآيس كريم فلن ترى أثر ذلك فوريًا على مؤشر الميزان، لكنك بعد 6 أشهر سترى أنك لم تعد راضيًا عن جسمك الذي زاد عدة كيلو جرامات.

شخصيًا، قبل عامين، وتزامنًا مع جائحة كورونا والحجر المنزلي، كنت أشعر بأنها فرصة مهمة للتغيير، لكنني، من معرفتي بنفسي لا أومن بالانعطافات الحادة، وإنما بالتعديلات التدريجية في العادات، فوضعت في مكتبي المنزلي كرسيًا لتمارين المعدة وأصبحت أواظب يوميًا على أداء التمرين لمدة 5 دقائق فقط.

خلال عام تطورت عضلات معدتي بشكل مدهش، كنت أحلم به، دفعني ذلك للإيمان بكم من الأشياء التي يمكن تحقيقها باتباع فلسفة "جمع التحسينات الصغيرة" لصاحبها ديف بريسفولد، رئيس الفريق البريطاني للدراجات الهوائية. بريسفولد انتقل بفريق بلاده من الحضيض إلى الفوز خمس مرات بطواف فرنسا، والفضل يعود إلى إدخاله تحسينات بسيطة على تفاصيل كثيرة في الفريق، قلبت المشهد كليا خلال 5 سنوات.

لذلك يبدو أن النتائج الكبيرة لا تحتاج إلى أفعال كبيرة بالضرورة، فلسنا جميعًا قادرين على ذلك. لسنا جميعًا قادرين على إدخال عادة جديدة إلى حياتنا، أو الإقلاع عن عادة أخرى بسهولة، لذلك تبدو التغيرات البسيطة اليومية -التي نواظب عليها، وتتسم بقابلية للتطبيق، ولا تغير جدول يومك- ذات أثر خيالي حقًا إن قيسَت بأثرها زمنيًا.

الآن تخيل أن تتعلم اللغة الصينية، ستصبح مثارًا لاهتمام من تجلس معهم، لكن أهذا ممكن؟ تخيل لو أنك تعلمت كلمتين مساء كل يوم، خلال عام ستكتشف أنك أصبحت قادرًا على تركيب جمل بسيطة.

إنه سحر "تراكم التحسينات البسيطة" التي يخلقها إدخال تحسينات طفيفة على أشيائك وروتين حياتك.
لذلك إذا كان هدفك تعلم اللغة الصينية، فلا تركز كثيرًا على الهدف، بمعنى لا تركز في الطريق إلى إتقان الصينية على هدف إتقانها، وإنما أحبب ذلك الطريق، أحبب طقس التعلم، أحبب النوم يوميًا مع مخزون جديد من كلمتين، ستتحول تلك إلى عادة، ربما تجعلك تتقن ثلاث لغات أو أربعًا خلال حياتك. ولعل عشقك للعملية التي تفضي إلى الهدف سواء أكانت تعلمًا أم لياقة، هو الدافع والمحفز الرئيس لاستمرار تطورك، وعدم توقفك.

أخيرًا لتصنع تحسينًا طفيفًا كل يوم، ساعد نفسك، واجعل متعلقات هذا التغيير اليومي قريبة منك، ضع جهاز الكرسي الروماني لتقوية عضلات أسفل الظهر في مكتبك، الفواكه -التي نسيت طعمها بسبب انشغالك- على الطاولة، ولا تخبئها في الثلاجة، كتيب اللغة الصينية إلى جوار سريرك.

ففي زحمة هذه الحياة وإلحاحها لا تستطيع أن تصنع فرنًا، فاجمع الفُتات واصنع رغيفًا، وما ألذه من رغيف!