وسط تقاطع التحولات التقنية وتبدّل ملامح سوق السيارات الفاخرة، تمرّ بورشه بمرحلة تُعيد رسم ملامح تاريخها المالي. ففي الربع الثالث من هذا العام، واجهت العلامة الألمانية منعطفًا استثنائيًا بعد أن سجّلت أول خسارة فصلية لها منذ دخولها البورصة، بعجز بلغ نحو 1.1 مليار دولار أمريكي، لتتراكم الخسائر السنوية إلى قرابة 3.6 مليار دولار.

في ظل الخسائر المالية غير المسبوقة التي تكبّدتها خلال الربع الثالث، تبدو بورشه كأنها تعيد تقييم مسارها في التحول الكهربائي. فبعد أعوام من المضيّ بثقة نحو إنتاج سيارات عديمة الانبعاثات، قررت الشركة التريث وإبطاء وتيرة التحوّل، مؤجلةً إطلاق النسخة الكهربائية الكاملة من طراز 718، ومعلنة في الوقت نفسه عن استمرار إنتاج نسخ بوكستر وكايمان المزودة بمحركات احتراق داخلي.

بورشه تواجه أسوأ ربع مالي في تاريخها الحديث وتؤجل التحول الكامل إلى السيارات الكهربائية

Porshce

ولا يقتصر هذا التغيير في النهج على السيارات الرياضية فحسب، إذ اختارت بورشه أيضًا وقف مشروعها الطموح لتطوير بطاريات خاصة بها، فيما تخضع خططها لإنتاج سيارات SUV الكهربائية الفاخرة، المعروفة بالاسم الرمزي K1، لمراجعة شاملة، مع توجه لتوفيرها بخيارات هجينة وتقليدية إلى جانب النسخة الكهربائية. 

بورشه تواجه أسوأ ربع مالي في تاريخها الحديث وتؤجل التحول الكامل إلى السيارات الكهربائية

Porshce

لا يبدو قرار بورشه مجرد خطوة تكتيكية عابرة، بل قراءة متأنية لتحولات السوق العالمية، إذ بدأت حماسة المستهلكين للسيارات الكهربائية تتراجع في أكثر من سوق رئيس. وفي مواجهة هذا التحول في المزاج العام، تتحرك بورشه بعقلانية لافتة، ساعية إلى تحقيق توازنٍ دقيق بين إرثها العريق في الأداء والمحركات القوية، وبين التزامها بمستقبل أكثر استدامة ونظافة. إنها مقاربة ناضجة تعكس وعيًا جديدًا بديناميكيات الصناعة، لا تركض خلف الموجة التقنية، بل تُعيد توجيهها بما يتناغم مع هوية العلامة وروحها الرياضية الأصيلة.

بورشه تواجه أسوأ ربع مالي في تاريخها الحديث وتؤجل التحول الكامل إلى السيارات الكهربائية

Porshce

ووفقاً لتقارير صادرة عن وكالة بلومبيرغ، تدرس بورشه إمكانية نقل جزء من عمليات التجميع النهائي إلى السوق الأمريكية خلال الفترة المقبلة. خطوة مثل هذه، إن جرى تنفيذها، ستكون سابقة في تاريخ العلامة الألمانية، إذ لا تقتصر أهميتها على تقليل الأعباء الجمركية فحسب، بل تمتد لتجسيد رؤية جديدة في توزيع الإنتاج عالميًا، إذ تسعى بورشه إلى الاقتراب أكثر من أسواقها الرئيسة وتخفيف اعتمادها على مراكز التصنيع الأوروبية التقليدية. وهكذا، تبدو الشركة في طور إعادة رسم استراتيجيتها الصناعية بما يتناسب مع واقع الصناعة الفاخرة اليوم، بين ضغوط التكلفة وتحوّلات الطلب العالمي.