من الصعب ألا تُحبّ صقلية. فالجزيرة تستأثر بلا شك بالحواس والأفئدة. ومع ذلك، فإنها لهواة العمارة والتصميم خصوصًا مسرح لتجربة متسامية. وعلى الرغم من أن عجائب صقلية تمتد بعيدًا عن أي مسار تقليدي، إلا أن مدينة تاورمينا خصوصًا تشكّل مقدمة ساحرة لإرث الجزيرة متعدد الأبعاد.
تتربع تاورمينا فوق الألق الفيروزي للبحر الأيوني، محاطة بظل جبل إتنا المكلل بالثلوج. إنها ليست وجهة تقليدية، بل مكان حالم تستأنس به الأفئدة.
تُعد هذه البلدة من المقاصد السياحية الأكثر شهرة في صقلية، بعد أن وجدت لها في الماضي مكانة في وجدان الأرستقراطيين، والكتاب، والفنانين، والمشاهير والذوّاقة.
كما أن إرثها محفور في مدرجات المسارح الحجرية والشرفات الباروكية التي تتجمّل بألوان أزهار الجهنمية. وبوصفها مفترق طرق للعديد من الحضارات، من اليونانية والرومانية والبيزنطية، إلى العربية، والنورمانية، لا يسعك أن تغفل هنا عن تجليات التداخل الثقافي والعمراني الذي يختبره الأفراد واقعًا مُعاشًا. تحت الأقدام، أزقة مرصوفة بالحجارة تآكلت على مر القرون، وفوق الرؤوس أنقاض مسارح قديمة تظهر ظلالها في الأفق الأزرق.
هناك، على مقربة من خليج ماتزارو الذي يتّخذ شكل هلال، تقع فيلا سانت أندريا Villa Sant’Andrea مثل شاهد حيّ على السكينة البحرية. في الأصل، بُنيت الفيلا لتكون منزلاً صيفيًا للمهندس روبرت تريويلا، الذي أنشأ خط السكة الحديدية في صقلية، واكتمل المشروع في عام 1919 تحت إشراف ابنه بيرسي.
ظلت الفيلا ملاذًا شاطئيًا للعائلة إلى أن احتلها الألمان خلال الحرب العالمية الثانية. وفي عام 1943، استعاد إيفور مانلي، زوج غودولين، حفيدة روبرت تريويلا، العقار وحوّله في خمسينيات القرن الماضي إلى فندق فاخر استضاف نجوم السينما في عصرها الذهبي.
وبحلول عام 2010، انتقلت ملكية فيلا سانت أندريا إلى مجموعة بيلموند التي تدير أيضًا فندق غراند أوتيل تيميو Grand Hotel Timeo، الواقع على بُعد رحلة بالتليفريك من مركز مدينة تاورمينا.
Tyson Sadlo
تبدو فيلا سانت أندريا مثل ملاذ شاعري يكتمل بحدائق مظللة وشرفات تتزين بنباتات إبرة الراعي.
فيلا سانت أندريا.. ملاذ شاعري
تستثير هذه الملكية الإحساس بالحميمية التي تغلب في العادة على المنازل الخاصة، فيما حدائقها المظللة والشرفات التي تغازلها أشعة الشمس تحرّض على اختبار ترف غير متكلف. هنا نستيقظ على رائحة بساتين الحمضيات ونسيم البحر الذي يحرسه شاطئ حصوي خاص على الخليج.
أما في الداخل، فيغلب على الفيلا طابع شاعري كلاسيكي يوثقه أثاث عتيق، و68 غرفة وجناحًا تطل على الحدائق أو البحر وتكتمل بشرفات تتزيّن بنباتات إبرة الراعي.
Lucas Possiede
النادي الشاطئي المستحدث Lido Villeggiatura الذي يدعو إلى احتضان روح الصيف المتوسطي.
وسواء كنت تستمتع بغفوة تحت أشعة الشمس عند الشاطئ، أو بجلسة تدليك بزبدة اللوز تحت الشرفة البحرية، أو يستهويك الإبحار عبر الخلجان المخفية في جزيرة إيسولا بيلا (الجزيرة الصغيرة التي استحقت اسمها "الجزيرة الجميلة") الواقعة في خليج ماتزارو والمعروفة باسم "لؤلؤة البحر الأيوني"، فإنك ستكتشف أن للوقت هنا إيقاعًا يتهادى بتؤدة.
تتصل الجزيرة بالبر عبر شريط ضيق من الرمال يظهر ويختفي مع المد والجزر، وهي جزيرة خيالية تعد ملاذًا للجمال الطبيعي غير المنقوص.
ومع أن مركز تاورمينا النابض بالحيوية لا يبعد سوى بضع دقائق عن طريق التليفريك، إلا أن العديد من الضيوف لا يشعرون بالحاجة إلى مغادرة أرض الفيلا. يعود السبب في ذلك بجزء منه إلى مركز الاجتماعات وتناول الطعام المستحدث في هذه الواحة، نادي "ليدو فيلجياتورا" Lido Villeggiatura الذي يعزّز مكانة فيلا سانت أندريا بوصفها المنزل الصيفي المثالي على شاطئ صقلية.
Belmond
في مطعم Sant’Andrea، يبتكر الطاهي أغوستينو دي أنجيلو أطباقًا باذخة تحتفي بذاكرة الأرض والبحر.
بل إن هذا النادي الشاطئي الحصري يعكس الأناقة الخالدة والحميمية المميزتين للفندق الذي أسر الضيوف منذ عصر تاورمينا الذهبي في خمسينيات القرن الماضي، ويدعو الأقارب والأصدقاء إلى احتضان روح الصيف المتوسطي، وصولاً إلى المشاركة في الأنشطة المنسّقة مثل جلسات اليوغا عند شروق الشمس، والغوص، وممارسة الرياضات البحرية في مياه البحر الأيوني الصافية.
وفيما تضمن خدمة Beach Concierge العناية بأدق التفاصيل، تضيف حفلات شواء المأكولات البحرية هنا بُعدًا جديدًا إلى تجربة الضيافة. وفي ما يخص تجارب الطعام، لا يجري هنا الحفاظ على تقاليد الحياة الساحلية الصقلية فحسب، بل يُرتقى بها إلى مستويات جديدة.
في مطعم Ristorante Sant’Andrea، يبتكر الطاهي التنفيذي أغوستينو دي أنجيلو أطباقًا باذخة مثل سمك السيف المحلي المنكّه بالأعشاب العطرية، والكسكسي الزاخر بطعم الزعفران، وأصابع الكانولي المعدّة يدويًا والمحشوة بجبن ريكوتا المعدّ من حليب الأغنام. كل طبق يحكي قصة، وكل مكوّن يحتفي بذاكرة الأرض والبحر.
Belmond
تحتضن الفيلا 68 غرفة وجناحًا يغلب عليها طابع كلاسيكي شاعري وتزينها قطع أثاث عتيقة الطراز.
جوهرة تاورمينا.. غراند أوتيل تيميو
بعد إقامة كنا لا نتعجّل انتهاءها في فيلا سانت أندريا، ننطلق في رحلة قصيرة عبر الطرق الملتوية وصولاً إلى جوهرة تاورمينا: فندق غراند أوتل تيميو الأسطوري، حيث تتلاقى فخامة الماضي العريق والمشاهد السينمائية في بيئة تتجمّل بمعاني الأناقة الخالدة.
Belmond
يقع فندق Grand Hotel Timeo بجانب المسرح اليوناني القديم في المدينة، ويقدّم إطلالات على جبل إتنا والبحر الأيوني.
يقع الفندق، الذي يحتضن 70 فسحة إقامة يغلب عليها تصميم باذخ، بجانب المسرح اليوناني القديم في المدينة، ويقدّم إطلالات على جبل إتنا المكسو بالثلوج والبحر الأيوني مترامي الأطراف، فيما تحيط به حدائق متدرجة ومجالس مزخرفة بالذهب.
Tyson Sadlo
أحد الأجنحة في فندق غراند أوتيل تيميو الذي يحتضن 70 فسحة إقامة.
هنا لا يسعك أن تغفل عن تلاقي الفن والعمارة والضيافة، وعن عبق العراقة المتأصل في ملكية استضافت منذ عام 1873 أبرز الشخصيات العالمية، من الكاتب الألماني يوهان ولفغانغ فون غوته والروائي الإنكليزي ديفيد هيربرت لورانس إلى الكاتب والممثل الأمريكي ترومان كابوت والنجمة أودري هيبورن.
وسواء أكنت تؤثر الاسترخاء بجانب حوض السباحة أم الاستمتاع بمجلسك في شرفة الأدب الأسطوري، فإنك ستجد نفسك محاطًا بأجواء من العظمة الثقافية التي لا تشيخ.
Mattia Aquila
شرفة الأدب في الفندق الذي استضاف منذ عام 1873 أبرز الشخصيات العالمية من الكتّاب إلى الممثّلين.
لا تفوّتوا زيارتها
بعيدًا عن أجواء الفندق المترفة وإطلالاته الآسرة، تكشف المدينة القديمة لتاورمينا عن سحرها الخاص، من الأبواب المرصعة بالفسيفساء إلى ورش الحرفيين، والكنائس الباروكية التي تغمرها أشعة الشمس الصقلية الناعمة.
تقودنا جولة إرشادية باسم Ape Calessino على متن دراجة سكوتر ثلاثية العجلات عبر الأزقة العتيقة، مرورًا بـمبنى Casa Cuseni الذي شكل في ما مضى منزل ديفيد هيربرت لورانس، ووصولاً إلى بلدة كاستيلمولا العتيقة حيث كانت تنتظرنا مناظر بانورامية خلابة، وأصناف من مثلجات الغرانيتا مع خبز البريوش الدافئ.
أما الراغبون في مغامرة أشد إثارة، فإنهم سيجدون ضالتهم في جبل إتنا، روح صقلية البركانية. يمكن للمسافرين أن يتسلقوا تدفقات الحمم القديمة، ويتذوقوا الفستق المزروع في التربة الغنية بالرماد، ويشهدوا منظرًا من الأرض جرى تشكيله بالنار والزمن، أو يمكنهم الإبحار من فيلا سانت أندريا على متن قارب خاص، مرورًا بجزيرة إيسولا بيلا، ثم العودة إلى الشاطئ لتناول طعام العشاء تحت ضوء القمر.
Julia Lavrinenko : Getty Images
أنقاض المسرح الإغريقي القديم، ويبدو في الخلف جبل إتنا وبلدة تاورمينا العتيقة.
على أن أحد الأماكن التي لا ينبغي تفويت زيارتها هو قصر سان دومينيكو، الدير القديم الذي يرجع إلى القرن الرابع عشر، والذي بات يشكل اليوم ملاذًا عصريًا.
جرى تحويل غرف الرهبان السابقة إلى غرف أنيقة، كل واحدة مشبعة باحترام هادئ للماضي. تمنحك جولة خاصة مع مؤرخ مقيم في الفندق فرصة لاستكشاف اللوحات الجدارية، والأروقة، والتفاصيل العتيقة التي تذكّر بأسباب انجذاب الفنانين والمفكرين والشخصيات الثقافية إلى هذا المكان.
من الأسواق المزدحمة في تاورمينا إلى أنقاضها القديمة، كل تجربة على هذه الجزيرة المشمسة تبدو مثل رقصة بين الماضي والحاضر. وسواء انطلقت في نزهة عبر حدائق فيلا كومونالي المورقة أو زرت كنيسة سان جوزيبي بسحرها المعماري، ستكشف لك تاورمينا عن مدينة مسكونة بالتاريخ ولكنها دائمة التطور.
صقلية ليست فقط ما تراه، إنها ما تشعر به.