عند ضفاف بحيرة تحرسها من علو جبال الألب المكللة بالثلوج، يستريح فندق فورسيزونز أوتيل دي بيرغ جنيف Four Seasons Hotel des Bergues Geneva واحة كرّست حضورها منذ عام 2005 وجهة للنخبة من زوّار المدينة الذين يثمّنون ما درجت عليه علامة فورسيزونز من تفوّق في صياغة معاني تجربة مترفة نختبرها أيضًا في رحاب الامتدادات الثلجية للألب الفرنسية حيث يربض فندق فورسيزونز مجيف. 

ترف موعود 

أول ما يجذبك وأنت تطأ أعتاب الفندق، الذي أُخضع قبيل افتتاحه لعملية تجديد شاملة تحت إشراف المصمم الشهير بيار – إيف روشون، هو ذاك العبق التاريخي الذي ما فتئ يعترش المساحات، بداية من واجهة المبنى التاريخي الذي يغلب عليه طابع كلاسيكي محدث بتوقيع المعماري بينيديكت إستييه، والذي كان يشكل سابقًا، ومنذ عام 1834، الفندق الأكبر والأعلى تميزًا في سويسرا كلها.

تجليات أسلوب فيرساي في الجناح الملكي لفندق فورسيزونز جنيف.

Richard Waite
تجليات أسلوب فيرساي في الجناح الملكي لفندق فورسيزونز جنيف.


وإذا كان روشون قد أفلح في الإتيان بمقاربة تصميمية لا تُقصي هذا التاريخ أو تتنكر له، فإنه نجح بالقدر نفسه في أن يجعل الفندق وثيق الصلة بحاضره، مشكلاً مرافقه وفسحات الإقامة، الموزّعة على 115 غرفة وجناحًا، فسيفساء بديعة تناغم بين الأخشاب فاتحة الألوان، وقطع أثاث من حقبة الملك لويس فيليب، وأقمشة فاخرة بلوحة ألوان تراوح بين الأخضر والأزرق، فضلاً عن أحدث وسائل الراحة التقنية.

وتتمايز بين هذه الفسحات مجموعة من الأجنحة التي استُحدثت في الطابق السادس بإيحاء من الأكواخ السويسرية العصرية وتكاملت مساحاتها بمواقد ضخمة وأثاث فاخر تغلب عليه خطوط ناعمة.

في المقابل، يتجلى الجناح الملكي، الممتد في الطابق الأول على مساحة 120 مترًا مربعًا، انعكاسًا صادقًا لثراء أسلوب فرساي الفرنسي، على ما تشهد أناقة التأثيث في فسحات توفّر إطلالة متكاملة على بحيرة جنيف الشهيرة فيما تحتضن غرفة معيشة رحبة، وجناحًا بسرير كبير ومهد لطفل، ألحق به حمّام كامل التجهيز وحجرة لتبديل الملابس، فضلاً عن غرفة طعام ومطبخ، ومكتب لإنجاز الأعمال وشرفة خاصة. 

لكنك في الحقيقة لا تحتاج هنا إلى الإقامة في جناح ملكي للاستزداة من معاني رفاهية تكرّسها فلسفة فورسيزونز للضيافة، متيحة لضيوفها مستوى خدميًا رفيعًا ولكن بعيدًا عن التكلف. 

طابع حميمي يغلب على مطعم Izumi الذي يمتع الذائقة بأطايب تناغم بين المطبخين الياباني والبيروفي.

Will Pryce
طابع حميمي يغلب على مطعم Izumi الذي يمتع الذائقة بأطايب تناغم بين المطبخين الياباني والبيروفي.


هي هذه الفلسفة نختبرها أينما حللنا في رحاب الفندق، بما في ذلك مطعم Il Lago الحائز نجمة ميشلان، وحيث الطاهي ماسيميليانو سينا يتفوّق في إعادة ابتكار أطباق تقليدية من شمال إيطاليا.

على أنكم لن ترغبوا في تفويت تجربة الطعام الكفيلة بأن تعلو بذائقتكم في مطعم Izumi الياباني. في هذه الوجهة - التي يمكن بلوغها عبر النادي الصحي في الدور السادس صعودًا إلى الطابق العلوي، وحيث يتوزّع عدد قليل من الموائد في محيط مكتبة تمتد على طول الجدران الملتفة من حول مدفأة تكرّس في المكان طابعًا حميميًا - تكتشف أن قلة من الوجهات ترقى إلى ذاك المستوى من التمايز والبراعة في ترجمة أسلوب Nikkei الجامع بين المطبخين الياباني والبيروفي على ما يفعل هنا الطاهي ميتسورو تسوكادا.

تشهد على ذلك مذاقات متقنة تعد بها أطباق مثل الباذنجان المقلي المكرمل مع صلصة الميزو، والأرز المقلي مع الكزبرة والروبيان.لكن تجارب الطعام - ومثلها العلاجات التي أفرد لها نادي مون بلان الصحي Mont Blanc Spa خمس حجرات للعلاج، وجناحًا للأزواج، فضلاً عن حمام مغربي تقليدي وغرفة رخامية للعلاج بالبخار وحوض سباحة بطول 12.5 متر يطل من موقعه فوق السطح على أفق جنيف وجبل ساليف – ليست وحدها ما يعد هنا بتجربة إقامة متكاملة الأركان.

فطاقم الفندق يتفوق أيضًا في تنسيق أنشطة متفردة تتيح لك أن تختبر جنيف من منظور مختلف. فالمدينة التي يخال كثيرون أنها ليست سوى وجهة لإنجاز الأعمال أو محطة مؤقتة على طريق الرحلات إلى الأعالي الجبلية، تزخر في الحقيقة بفرص لاختبار مباهج استكشافية وفيرة تتجاوز حدود زيارة المتاحف وحديقة النباتات، أو حتى رحلات الصيد عبر البحيرة على متن قارب القبطان بالتازار.

في زيارتنا الأخيرة إلى الفندق، أتيحت لنا الفرصة للقيام بجولة حصرية في أروقة مصنع دار روجيه دوبوي للساعات، وزيارة إلى البلدة القديمة اختُتمت بتجربة غداء تقليدية في مطعم Les Armures الشهير بطبق الفوندو المعد من جبن فاشران وغرويير الذائب. وسبق ذلك درس لتعلم أصول صناعة الساعات السويسرية وابتكار ساعاتنا الشخصية من الألف إلى الياء تحت إشراف صانع متمرّس في محترف Initium. 

يجثم فندق فورسيزونز مجيف فوق منحدرات مون داربوا على نسق كوخ حديث موفرًا وصولاً مباشرًا إلى مسارات التزلج.

Richard Waite
يجثم فندق فورسيزونز مجيف فوق منحدرات مون داربوا على نسق كوخ حديث موفرًا وصولاً مباشرًا إلى مسارات التزلج.


على مرّ الفصول 

نودّع جنيف لننطلق في رحلة بالسيارة لا تستغرق أكثر من 75 دقيقة وصولاً إلى أعالي الألب بجنوب شرقي فرنسا، هناك حيث تلتحف المنحدرات في الشتاء رداء ثلجيًا كرّس البلدة، منذ عشرينيات القرن الفائت، وببادرة من عائلة إدموند دو روتشيلد، وجهة لنخبة الأثرياء ومشاهير العالم من هواة التزلّج. هناك، حيث أسست العائلة أول منتجع للتزلج في فرنسا، افتتح فندق فورسيزونز مجيف، بالشراكة مع البارونة أريان دو روتشيلد، أبوابه في ديسمبر من عام 2017 واعدًا بخلوات جبلية يعز نظيرها في رحاب منتجع يستلهم تقاليد جبال الألب وطابعها الفرنسي المميز.

فعلى بعد مسافة قصيرة من قلب بلدة مجيف العتيقة – التي يمكن التجوال في أرجائها على متن عربات تجرها الأحصنة فوق الممرات المرصوفة بالحصى والتي تحتشد بحيوية متزلجين يختتمون نهارهم فوق المنحدرات في مطاعم البلدة ومحالها التي تبيع منتجات حرفية أصيلة – يجثم الفندق فوق منحدرات مون داربوا على نسق كوخ حديث أوكلت مهمة ابتكار عمارته إلى برونو لوغران.

أما مهمة تصميم المساحات الداخلية، فتولاها بيار – إيف روشون بالتشاور مع البارونة روتشيلد التي حرصت على أن يكرّس المكان إرث العائلة وفن الحياة، فأثرت الفسحات والممرات بروائع من مجموعتها الفنية الخاصة، بما في ذلك لوحات تجريدية بتوقيع تييري برويه، ومنسوجات حيكت يدويًا في بالي، وغير ذلك من قطع فنية إثنية وعقود قبلية جمعتها من أسفارها حول العالم ودمجت بينها وبين إرث مجيف التاريخي والمعماري الذي يستحضره الكوخ المهيب في مزيج من الأخشاب والحجارة وصوف الأغنام، وصولاً إلى مواقد الحطب التي تتوزع عبر المساحات.

تدفئ هذه المواقد أيضًا رحاب 41 غرفة و14 جناحًا، معظمها ينفتح على شرفات خاصة تعانق مشهد الجبال أو الوادي، وكل تفصيل فيها يعكس أعلى درجات الفخامة والراحة المتوقعة من العلامة الفندقية. 

تنفتح فسحات الإقامة بمعظمها على شرفات خاصة تعانق مشهد الجبال أو الوادي.

تنفتح فسحات الإقامة بمعظمها على شرفات خاصة تعانق مشهد الجبال أو الوادي.


هذا ما نستكشفه أيضًا في المرافق العامة، خصوصًا في مطعم Kaito حيث المذاقات اليابانية الكلاسيكية تتمازج ببراعة مع منتجات الأرض في جبال الألب (لا تفوّتوا هنا اختبار طبق البط التقليدي وشطائر لحم واغيو البقري مع الكافيار)، أو في مطعم La Dame de Pic – Le 1920 حيث قائمة التذوّق المبتكرة، والتي تُستخدم فيها منتجات محلية موسمية مستلهمة من خيرات الطبيعة في قرية سافوا، تؤكد أحقية هذه الوجهة بنجمة ميشلان التي فازت بها أخيرًا، بقدر ما توثّق حس الابتكار المتمايز للطاهية آن صوفي بيك. 

أما النادي الصحي الذي يتيح إطلالة آسرة على الجبل، وينبسط على مساحة 900 متر مربع تتكامل مع حوض سباحة مدفأ، فيتجلى ملاذًا حقيقيًا للاستزداة من سكينة الأعالي الجبلية بموازاة استعادة الحيوية في أعقاب يوم طويل على المنحدرات أو لتحفيزها قبل الانطلاق في مغامرة جديدة.

جربوا جلسة A Stroll Through Megève (نزهة في رحاب مجيف) التي تستغرق 90 دقيقة وتستلهم تجربة حسية محلية إذ ترتكز إلى تقشير الجسم بأوراق عطرية من شجر التنوب الأبيض ومن ثم ترطيبه بخلاصة زهرة إدلويس الثلجية. 

على أن ما يزيد في تمايز هذه الواحة هو أنها توفّر للمتزلجين وصولاً مباشرًا على متن مصعد "كراي" إلى المنحدرات الثلجية المتعرجة عبر الغابات الكثيفة والمسارات الواسعة الممتدة عبر المزارع الجبلية.

بل إنه يحتضن أيضًا متجرًا يمكنكم أن تبتاعوا منه أو تستأجروا كامل معدات التزلج قبل الانتقال إلى غرفة خاصة حيث يقوم مساعد شخصي بتدفئة أحذيتكم وتلميع زلاجاتكم. يهتم أيضًا المساعد بابتيست أندريو وفريقه بحجز دروس التزلج وإنشاء مسارات ثلجية مخصصة لتناسب المبتدئين، بما في ذلك الأطفال والمراهقون الذين يخصهم الفندق بناد كامل التجهيز.

أما أولئك الذين لا يستهويهم التزلج، فتتوافر لهم مغامرات شتوية أخرى مثل السير بأحذية الثلج لتقفي آثار الحيوانات في الغابة، أو الانطلاق فوق جبل مون بلان على متن طائرة صغيرة.

 منتجع فورسيزونز مجيف (الذي تكمله أيضًا أكواخ Les Chalets du Mont d’Arbois الثلاثة الواقعة عند سفح المنحدرات، محتضنة 41 فسحة إقامة) سيقفل أبوابه أواسط هذا الشهر مودعًا الثلج، ليعاود استقبال زوّاره من منتصف يونيو إلى منتصف سبتمبر.

لكنه هذه المرة سيكرّس حضوره وجهة لعطلات صيفية مسرحها طبيعة تتباهى بمفاتنها الخضراء وهوائها المنعش فيما تفرد فضاءاتها لمغامرات وفيرة بداية من النزهات سيرًا على الأقدام وركوب الدرّاجات الجبلية، وليس انتهاء بالرحلات على متن مناطيد الهواء الساخن والجدف بقوارب الكاياك، حتى الجولات الرياضية على أرض ملعب مون داربوا المجاور للغولف. 

نسق الفندق لضيوفه جولات على أرض ملعب مون داربوا المجاور للغولف.

Richard Waite
نسق الفندق لضيوفه جولات على أرض ملعب مون داربوا المجاور للغولف.


الرحلة على طرقات الألب 

في العام الفائت، أطلقت مجموعة فورسيزونز، ضمن برنامج تجاربها الحصرية، أول رحلة للقيادة تحت اسم Four Seasons Drive، وكان مسرحها آنذاك طرقات توسكانا في الريف الإيطالي.

وإذ تعود هذه التجربة هذا العام في نسختين جديدتين، تُنظم إحداهما في نابا فالي، فيما الأخرى تتيح استكشاف جبال الألب الأوروبية بأسلوب مبتكر على متن سيارات كلاسيكية ومركبات رياضية.

ستتيح التجربة استكشاف الطبيعة بأسلوب مبتكر على متن سيارات كلاسيكية ومركبات رياضية.

ستتيح التجربة استكشاف الطبيعة بأسلوب مبتكر على متن سيارات كلاسيكية ومركبات رياضية.


يستمر برنامج الرحلة من 12 إلى 18 يونيو المقبل، ويبدأ من فندق فورسيزونز دي بيرغ في جنيف الذي ينسق للضيوف المشاركين زيارة إلى قرية غرويير، موطن الجبن السويسري الشهير. تلي ذلك جولة في رحاب قرية لافو المدرجة على قائمة اليونسكو للتراث العالمي، والمزارع التاريخية المتدرجة التي تعود إلى القرون الوسطى. 

أما في الأيام اللاحقة، فيرتحل الضيوف نحو وجهتهم النهائية في فندق فورسيزونز مجيف، مرورًا بمحطات على الطريق لتعرف فنون صناعة الساعات، واستكشاف الأبراج المرتفعة والهندسة المعمارية المميزة لقصر دافولي.

في مجيف، يشمل برنامج الأنشطة رحلة مبهجة إلى بلدة آنيسي في جبال الألب عبر طرق أرافيس المتعجرة، وعبور المسارات الجبلية وصولاً إلى سلسلة Mont Blanc Massif التي تتيح إطلالات خلابة بزاوية 360 درجة على جبال الألب الفرنسية والسويسرية والإيطالية، فضلاً عن عبور ممر جبل غران سان برنارد الذي يربط إيطاليا وسويسرا قبل العودة مجددًا إلى مجيف.