بعد نحو ثمانين عامًا من العزلة الهادئة، تستعد جزيرة شونا Shuna الواقعة قبالة الساحل الغربي الوعر لاسكتلندا لكتابة فصل جديد من تاريخها، إذ طُرحت أخيرًا للبيع مقابل نحو 7.44 مليون دولار، في خطوة تُنهي حقبة امتدت لعقود من التملّك العائلي.

تقع الجزيرة، الممتدة على مساحة 1,100 فدان، ضمن أرخبيل الهبريدات الداخلية Inner Hebrides وتضم مجموعة من الأكواخ السياحية، ومزرعة، إلى جانب بقايا قصر تاريخي يعود إلى أوائل القرن العشرين. 

تتولى تسويق الجزيرة شركتا سوذبيز إنترناشونال ريالتي فرع المملكة المتحدة United Kingdom Sotheby’s International Realty ونايت فرانك Knight Frank، ضمن واحدة من أندر الصفقات العقارية المطروحة حاليًا على السواحل الاسكتلندية.

جزيرة شونا.. من منفى عائلي إلى جنة خاصة

تعود بدايات القصة إلى عام 1945، حين خرجت الفيكونتيسة سيلبي من رماد الحرب العالمية الثانية تبحث عن ملاذ بعيد، يحمل بداية جديدة لعائلتها المثقلة بآثار الحرب. 

دخلت إحدى وكالات العقارات في لندن، وسألت في جملة باتت تُروى داخل العائلة عمّا إذا كان لديهم "أي جزر على القائمة"، كانت الإجابة: "نعم، لدينا واحدة". 

من دون أن تراها أو تزورها، اشترت الجزيرة على الفور، وانتقلت مع أسرتها إلى ذلك الركن المعزول من المحيط الأطلسي، في ما عدّه أحفادها لاحقًا قرارًا "غريبًا وجريئًا، لكنه غيّر مسار حياتهم إلى الأبد".

يتذكّر حفيدها جيم غولي تلك السنوات المبكرة بوصفها زمنًا أسطوريًا. عاش مع شقيقه طفولة لا تُشبه سواها، إذ كان الجد هو المعلّم، والغابة كانت ساحة اللعب، والمحيط هو حافة العالم. 

يقول غولي: "لقد كانت الجزيرة حلمًا لنا جميعًا، وأكثر من مجرد مكان للسكن. كانت طريقتنا في العيش، وفي التعلّم، وفي التعرّف إلى العالم من حولنا". ذلك القرار غير المألوف بامتلاك جزيرة، اتخذته امرأة واحدة في لحظة صمت بعد الحرب، ليتحوّل مع الزمن إلى إرث من الذكريات والقصص والروابط العائلية.

إرث يمتد لثمانين عامًا.. جزيرة شونا الاسكتلندية تُعرض للبيع لأول مرة منذ الحرب العالمية الثانية

Sotheby’s Realty

بين الماضي والحاضر

رغم طابعها المعزول، تُقدّم جزيرة شونا تجربة سياحية ريفية متكاملة تستقطب الزوار الراغبين في الانفصال المؤقت عن صخب العالم. فخلال موسم يمتد من أبريل إلى أكتوبر، تُتاح للإيجار سبعة أكواخ خشبية تستوعب ما يصل إلى 52 زائرًا، ويكتمل كل منها بقارب خاص يُستخدم للوصول إلى الجزيرة والتنقّل بين مرافئها الصغيرة. 

أما جدول الأنشطة، فيتنوع بين الرماية، وجمع الأغنام، واستكشاف المراعي القديمة، في أجواء لا تزال تحافظ على روح الزمن البسيط.

إرث يمتد لثمانين عامًا.. جزيرة شونا الاسكتلندية تُعرض للبيع لأول مرة منذ الحرب العالمية الثانية

Sotheby’s Realty

ولا ترتبط جزيرة شونا بأي شبكة كهرباء وطنية، ما يمنحها طابعًا مستقلًا. تعتمد الأكواخ والبنية التحتية على ألواح شمسية، وتوربينات رياح، ومولدات كهربائية، تضمن استدامة العيش من دون التفريط براحة الضيوف. 

ويُضاف إلى ذلك منزل ثامن تقطنه عائلة من القائمين على الجزيرة، يديرون العمليات اليومية منذ أكثر من عقد، ويؤمّنون استمرار هذا النظام البيئي الصغير القائم بذاته.

وسط هذا الهدوء، ينهض قصر مهجور بجدرانه المكسوّة، محاطًا بأشجار تتسلّل من نوافذه، كأنها تستعيد حضورًا اندثر. شُيّد هذا القصر عام 1911 على يد جورج بكلي، وهو مغامر نيوزيلندي الأصل جمع ثروته خلال حمى الذهب في أستراليا، وعاد لاحقًا من إحدى بعثات القطب الجنوبي برفقة المستكشف إرنست شاكلتون، حاملًا طموحًا لتجربة معمارية غير مسبوقة.

خطط بكلي أن يكون هذا القصر نموذجًا لما سمّاه "قلاعًا معاصرة"، غير أن مخططات البناء الأصلية غرقت مع سفينة التيتانيك، وفق ما يرويه جيم غولي. تلك اللحظة، على ما يقول، لم تُنه المشروع فحسب، بل طمست الرؤية الكاملة لما كان يمكن أن يكون نمطًا معماريًا جديدًا.