لم تعد القراءة نشاطًا فرديًا يُمارس في العزلة، بل أصبحت جزءًا من تجربة الضيافة الفاخرة في عدد من الوجهات العالمية. من خلال مبادرات مبتكرة، بدأت فنادق ومنتجعات حول العالم في دمج الأدب ضمن برامجها، لتمنح الزائرين فرصة للانغماس في عالم الكتب، والتأمل، والتواصل الفكري. هذه التجارب لا تكتفي بإثراء الإقامة، بل تُنشّط الذكاء العاطفي والاجتماعي، وتُسهم في تحسين المزاج والذاكرة، كما تؤكد دراسات علمية حديثة.
في هذا التقرير، نستعرض خمس تجارب فندقية غير تقليدية، تتحوّل فيها المكتبة إلى قلب المكان، وتُصبح القراءة وسيلة للراحة، والتأمل، والتواصل.
تيرانكا فورمينتيرا.. حوارات أدبية على ضفاف المتوسط
في جزيرة فورمينتيرا الإسبانية، يُتيح منتجع تيرانكا Teranka تجربة ضيافة غير تقليدية، تمزج بين الطابع البوهيمي والاهتمام العميق بالثقافة. أحد عناصر هذه التجربة الأبرز هو برنامج Conversations From the Sea (حوار من البحر)، الذي يُتيح للضيوف فرصة المشاركة في جلسات حوارية مباشرة مع نخبة من الكتّاب والشعراء، من بينهم ديفيد وايت، وذلك في أجواء مفتوحة تطل على البحر الأبيض المتوسط.
لا يقتصر البرنامج الثقافي على اللقاءات الأدبية، بل يمتد إلى تصميم مكتبة المنتجع نفسها، التي أشرفت عليها خبيرة التصميم كاترينا فيليبس. تقوم رؤيتها على أن المكتبة يجب أن تكون مساحة حيوية للنقاش والتأمل، وليس مجرد عنصر جمالي. هذا المفهوم ينعكس في تفاصيل التجربة اليومية، إذ يتبادل الضيوف الآراء حول الكتب في أثناء احتساء القهوة، ويجدون في لحظات الغروب فرصة للتأمل في كلمات أدبية أثّرت فيهم، ما يحوّل الإقامة إلى تجربة فكرية متكاملة.
Teranka
شلوس إلمو.. أكثر من مجرد استرخاء
ليس من المعتاد أن يجتمع التأمل والحوارات الفكرية في مكان واحد، لكن منتجع شلوس إلمو Schloss Elmau في جبال الألب البافارية كسر هذه القاعدة. لا يكتفي المنتجع بتقديم خدمات العافية التقليدية مثل التدليك وممارسة اليوغا، بل يدمجها ضمن تجربة ثقافية متكاملة تضم أكثر من 170 فعالية سنوية، تراوح بين حفلات موسيقية وندوات أدبية وفكرية.
يجد الزوار أنفسهم وسط مكتبات هادئة تحتوي على أعمال لمفكرين عالميين مثل بانكاج ميشرا وبراتاب بهانو ميهتا، ويشاركون في قراءات يقدمها روائيون من الصف الأول في أوروبا. أما الندوات، فهي تفتح باب النقاش حول قضايا مثل الحرية والديمقراطية والهوية، لتتحول الإقامة إلى رحلة فكرية لا تقل أهمية عن الراحة الجسدية. في شلوس إلمو، العافية تُفهم على أنها توازن بين الجسد والعقل، وبين الاسترخاء والتفكير العميق.
Schloss Elmau
ساندبورن.. قراءة على مهل
مكتبة بجانب المسبح، دفاتر مخصصة لتدوين الأفكار، وجلسات نقاشية موجّهة، هذه ليست مجرد إضافات فاخرة، بل مكونات تجربة أدبية متكاملة في فندق ساندبورن Sandborn بمدينة سانتا مونيكا. بالشراكة مع مكتبة Zibby’s Bookshop، يُتيح الفندق مساحة تجمع بين الاسترخاء والتأمل والقراءة، إذ يُختار كل كتاب بعناية بناءً على أثره العاطفي، وليس نوعه الأدبي.
لا يقتصر الهدف على الترفيه فحسب، بل خلق لحظة توقف حقيقية وسط إيقاع الحياة السريع. وبين نسيم المحيط وصفحات الكتب التي تُقرأ على مهل، يجد الزوار أنفسهم في حالة من التباطؤ الزمني، لتتحوّل القراءة إلى تجربة حسّية تُغذي الذهن وترسم ملامح جديدة لمفهوم العافية.
Sand born
كونا فيليدج.. نادٍ أدبي وسط طبيعة هاواي
في كونا فيليدج Kona Village، إحدى وجهات روزوود الفندقية في هاواي، تبدأ تجربة الضيافة من رفوف الكتب، وليس من قائمة الطعام أو النادي الصحي. ففي كل جناح، يجد الضيف مكتبة تضم 150 عنوانًا أدبيًا، فتغدو الإقامة تجربة ثقافية تتجدّد مع كل زيارة. لكن ما يجعل هذه التجربة استثنائية هو أن القراءة لا تقتصر على الضيوف؛ بل يشارك فيها العاملون كلهم، من المدير العام إلى فريق التدبير المنزلي، ما يخلق بيئة ثقافية نابضة بالحياة ليتحوّل المنتجع إلى نادٍ أدبي متكامل، تتداخل فيه الحوارات الثقافية مع تفاصيل الضيافة اليومية. فالقراءة هنا ليست نشاطًا ثانويًا، بل جزء جوهري من تجربة الضيف، تُدمج ضمن أسلوب حياة المنتجع.
Rosewood Hotels
بايج بريك.. قراءة بطابع جديد
هل يمكن لمتجر فاخر أن يتحوّل إلى مساحة أدبية نابضة بالحياة؟ في نيويورك، تجيب فعاليات بايج بريك PageBreak عن هذا السؤال بحدث يتجاوز التوقعات. من خلال هذه المبادرة الفريدة، تتحوّل وجهات البيع الراقية إلى منصات تفاعلية تحتفي بالأدب، إذ ينغمس الضيوف طيلة عطلة نهاية الأسبوع في قراءة جماعية لكتاب مختار، تتخللها جلسات كتابة تأملية ونقاشات معمّقة. وتكتمل التجربة بتذوّق أطباق مستوحاة من الرواية نفسها، يُبدعها طهاة محليون، ليصبح الأدب تجربة حسّية متكاملة.
PageBreak/instagram
ما يميّز هذه التجربة لا يقتصر على أجوائها الغامرة، بل يمتد إلى جوهرها الثقافي. فهي تحتفي بالأصوات الأدبية الجديدة، وتمنح الكتّاب الناشئين والمبدعين مساحة للتعبير والتفاعل. هذا اللقاء المباشر بين المؤلفين والضيوف ينسج روابط فكرية وإنسانية تُعرف بين المشاركين باسم قبيلة العافية الأدبية، وهو مجتمع مصغّر يتجسّد في القراءة، والتأمل، والتواصل الحقيقي.






