منذ خطواتها الأولى في عالم التصميم، كانت سيندي تشاو تسعى لأن يُنظر إلى فنّها بوصفه أعمالاً فنية تستحق التأمل. هذا السعي قادها إلى أسلوب بصري معقّد، نابض بالحياة، أشبه بلوحة تحكي الكثير من دون أن تنطق. لكن بمرور السنوات، تغيّر المنظور. 

لم تعد غايتها لفت الأنظار فحسب، بل الوصول إلى جوهر التعبير الفني. وبمرور السنوات، أصبحت أعمالها انعكاسًا لتجربة إنسانية متكاملة، تحمل في تفاصيلها ثقة مكتسبة ونظرة عميقة للحياة. خلال أكثر من عشرين عامًا، شكّلت تشاو أسلوبًا فنيًا متفرّدًا.

تمكّنت فيه من تسخير أصعب المواد وأدق التفاصيل لتروي حكايات خفة وانسيابية، مستخدمةً الألوان، والطبقات، والانحناءات، والضوء بوصفها عناصر تتناغم لتصنع لغة خاصة بها.

إرث الريشة.. إعادة ابتكار بروح متجددة

بمناسبة مرور عقدين على تأسيس دارها، تعود سيندي تشاو إلى أحد رموزها الفنية الأكثر تعبيرًا: الريشة. لكنها لا تكتفي بإعادة تقديم هذا الشكل الكلاسيكي، بل تعيد ابتكاره من جديد.

سيندي تشاو تعيد ابتكار إرث الريشة

CINDY CHAO

في أحدث إبداعاتها، يتجسد مشبك الريشة بانحناء درامي يصل إلى 180 درجة، كأنه ريشة عالقة في الهواء، تميل بخفة مع نسمة عابرة، وتتراقص من دون أن تفقد توازنها. هذا الانسياب المدهش لم يُصنع من الحرير، بل من التيتانيوم والألماس، أكثر المواد صلابة في العالم. وهنا، يتحوّل المعدن إلى ما يشبه النَفَس الخفيف، إذ تنصهر القوة في شكل أنيق لا يُرى فيه أي أثر للجهد أو الوزن.

سيندي تشاو تعيد ابتكار إرث الريشة

CINDY CHAO

لكن الوصول إلى هذه الانسيابية لم يكن سهلاً؛ فالمعركة الحقيقية تبدأ مع التيتانيوم، المعدن الصعب قليل المرونة. ومع ذلك، يتحول في يد تشاو إلى منحنى رشيق لا يُصدق. الحرفيون الذين رافقوها لأكثر من 15 عامًا أقرّوا بأن هذا العمل كسر التوقعات كلها، بتكوينه الحلزوني الذي يبدو كأنه يخترق حدود الممكن.

سيندي تشاو تعيد ابتكار إرث الريشة

CINDY CHAO

في كل قطعة من أعمال الريشة، تسعى تشاو لالتقاط لحظة زمنية عابرة: ريشة تهتز، وهواء يتسلل، وضوء يمرّ. تبدأ العملية دومًا من الشمع، إذ تستغرق شهورًا طويلة في نحت النموذج الأولي، قبل أن يُرسل إلى مشاغلها في أوروبا.

أما المشبك الجديد، فهو ليس مجرد تصميم أنيق، بل قطعة ثلاثية الأبعاد تتحدّى المنطق البصري. كل جانب من جوانبه مرصّع بـالأحجار الكريمة والألماس المقطوع بدقة، في تناغم دقيق مع الانحناءات. كل حجر وُضع في موضع محسوب بعناية، ليس ليضيء فحسب، بل ليُبرز عمق البنية وتفاصيلها المعمارية.

سيندي تشاو تعيد ابتكار إرث الريشة

CINDY CHAO

من باريس إلى العالمية.. قصة الريشة الأولى

يقترب إرث الريشة من إتمام عقده الأول، بعد أن رسّخ هذا التصميم مكانته بوصفه أحد الرموز الأكثر تفرّدًا في عالم سيندي تشاو. رحلة هذا الرمز بدأت في عام 2016، حين شاركت الدار في Biennale des Antiquaires (المعرض الدولي للتحف) في باريس. وسط أجواء تنبض بالأناقة والتاريخ، قدّمت تشاو لأول مرة قطعة مستوحاة من ريش الطيور، بتصميم يستحضر روح حقبة الازدهار الباريسي ويعيد صياغتها بلمسة آسيوية معاصرة آسرة.

من تلك اللحظة، وُلد مشبك ريشة العنقاء: عمل اتّسم بخطوطه الحالمة وبنيته المعقّدة، وجسّد رؤية فنية تتجاوز حدود الزينة إلى عالم النحت والمجاز. لم يكن المشبك مجرد بداية لمجموعة جديدة، بل كان إعلانًا عن توقيع فني سيصبح لاحقًا من أبرز ملامح الدار. وعندما طُرح هذا المشبك في مزاد كريستيز في هونغ كونغ، بيع بمبلغ تجاوز 1.2 مليون دولار أمريكي، في لحظة فارقة أكّدت أن أعمال تشاو تُقدّر بقيمتها الفنية والرمزية، وبقدرتها على تجاوز التصنيفات التقليدية.