في تاريخ صناعة السيارات، ثمة طرز تجاوزت حدود الميكانيكا لتصبح جزءًا من الذاكرة الإنسانية. ومن بين هذه الطرز، يسطع اسمان لا ينفصلان عن هوية فولكس فاغن الأصلية، بيتل والحافلة الكلاسيكية.
الأولى، سيارة الشعب التي تحولت إلى رمز عالمي للبساطة والعملية، والثانية، صندوق متنقّل جمع بين روح المغامرة وأحلام الحرية. كلاهما شكّل ملامح عقود كاملة من القرن العشرين، من شوارع أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية إلى شواطئ كاليفورنيا وطرقات أمريكا الشمالية.
واليوم، وقد باتت المركبتان أسطورتين في مزادات السيارات الكلاسيكية، تبرزان بوصفهما أحد أصدق الشواهد على قدرة التصميم البسيط على أن يخلّد نفسه، متجاوزًا الزمن ليصبح جزءًا من الثقافة بقدر ما هو جزء من الصناعة.
وُلدت فولكس فاغن بيتل عام 1938 بوصفها أول إنتاج للصانع الألماني الفتيّ آنذاك، لتكون "سيارة الشعب". استمرت مسيرتها الإنتاجية بلا انقطاع طيلة 65 عامًا حتى 2003، محققة أرقامًا قياسية تجاوزت 21 مليون نسخة، لتتفوّق على أساطير مثل فورد موديل T، وتتحوّل إلى "سيارة القرن العشرين".
بفضل تصميمها البسيط وسهولة صيانتها، أصبحت البيتل جزءًا من المخيلة الشعبية، من بطولتها في أفلام هوليوود مثل Love Bug، إلى حضورها الأنيق في مزادات اليوم حين يتجاوز سعر بعض نسخها النادرة 150 ألف دولار.
في البداية سميت KdF Wagen وKDF هي اختصار Kraft durch Freude بالألمانية وتعني السعادة من خلال القوة. وُلدت فكرة الطراز 1 Type في منتصف الثلاثينيات، حينما عهد أدولف هتلر إلى المهندس فيرديناند بورشه مهمة تطوير سيارة الشعب.
ورغم أن الفضل في التنفيذ يُنسب إلى بورشه، إلا أن الرؤية الأولى تعود إلى عام 1925 للمهندس الهنغاري بيلا باريني. وبعد الحرب العالمية الثانية، أعاد الحلفاء تشغيل مصنع فولكس فاغن في فولفسبورغ عام 1945، ليبدأ فصل جديد في تاريخ صناعة السيارات الألمانية.
خلال خمسينيات القرن الماضي، غزت سيارة بيتل الأسواق العالمية، وبلغت شعبيتها ذروتها في الولايات المتحدة خلال الستينيات. وبحلول عام 1972، تجاوز إنتاجها حاجز 15 مليون وحدة، لتتفوق على أسطورة أخرى هي فورد موديل T.
وفي عام 1978 توقّف إنتاجها في ألمانيا مع انتقال فولكس فاغن إلى الطرز الأحدث مثل الغولف ذات الدفع الأمامي. لكن البيتل واصلت مسيرتها في أستراليا والبرازيل والمكسيك ونيجيريا حتى آخر نسخة خرجت من خطوط الإنتاج عام 2003.
في بداياتها، كانت البيتل مجهّزة بمحرك رباعي الأسطوانات بقوة لا تتجاوز 25 حصانًا، وقد تميّزت الإصدارات الأولى بنافذة خلفية صغيرة مزدوجة، قبل أن يُستعاض عنها في 1954 بنافذة بيضاوية واحدة، ارتفعت معها القوة إلى 30 حصانًا.
ومع حلول عام 1958 ظهرت نافذة خلفية أكبر تمنح رؤية أوضح، وبقيت حتى نهاية الإنتاج، فيما أضيف الزجاج الأمامي المنحني عام 1973. ورغم أن معظم الطرز كانت كوبيه، فقد توفرت نسخة مكشوفة منذ البداية، وما زالت حتى اليوم تتفوق في السعر على مثيلاتها.
Volkswagen
أما نسخة عام 1968 المزودة بمحرك رباعي الأسطوانات بقوة 53 حصانًا، فقد شكّلت نقلة نوعية. وتحوّلت هذه السيارات إلى مقتنيات تُرمَّم بحب، كما حدث مع نسخة بيعت عبر دار آر إم سوذبيز عام 2019 مقابل 33.6 ألف دولار بعد أن أُنفق على ترميمها ما يقارب 140 ألف دولار. وفي سبتمبر 2018، أعلنت فولكس فاغن أنها ستصنع الإصدار النهائي من سيارة بيتل قبل إنهاء الإنتاج كلياً في عام 2019.
الأسعار في سوق اليوم متباينة: الطرز الأقدم ذات النوافذ البيضاوية قد تتجاوز قيمتها 150 ألف دولار ضمن مسابقات الأناقة، في حين تُباع نسخ أخرى بحالة جيدة بأكثر من 35 ألف دولار.
وإذا كانت البيتل قد جسّدت معنى السيارة الفردية بامتياز، فإن الوجه الآخر لفولكس فاغن جاء مع طراز Type 2، أو ما عُرف بالكومبي والكامبر.
هذه الحافلة التي أبصرت النور عام 1950 لم تكن مجرد وسيلة نقل، بل مركبة جماعية بامتياز، وشاحنات عملية، وسيارات إطفاء، ومنازل متنقّلة على عجلات. إلا أن النسخة الأكثر شهرة تبقى T1 المصنَّعة بين عامي 1950 و1967، الحافلة التي انتقلت من خدمة العمال والعائلات في الخمسينيات، إلى أن تصبح أيقونة ثقافية في الستينيات، مرتبطة بالهيبيين ومتزلجي الأمواج وروح الحرية المطلقة.
أما نسخة ديلوكس سامبا بواجهتها المميّزة وزجاجها المقسوم ونوافذها البالغ عددها 23، فقد ارتقت إلى مرتبة الحلم بين هواة الجمع. قيمتها اليوم قد تتجاوز 250 ألف دولار، حتى النسخ التي بيعت في السنوات الماضية تؤكد مكانتها، مثل نسخة 1960 التي بيعت عبر مزاد لدار آر إم سوذبيز عام 2017 مقابل 207 آلاف دولار بعد عملية ترميم شاملة أعادت لها مقاعدها الجلدية الأصلية.
ومثلما كانت البيتل تجسيدًا للفردية والبساطة، أثبتت الحافلة الكلاسيكية أنها الوجه الجماعي للمعادلة، وسيارة الحرية، والسفر المشترك. ومن خلالهما، خلّدت فولكس فاغن فلسفتها في التصميم، والبساطة القادرة على تجاوز الزمن لتصبح جزءًا من الثقافة بقدر ما هي جزء من الصناعة.