في عام 2004 نشر مقال في مجلة هاربوس التابعة لكلية هارفرد للأعمال، تناول لأول مرة مصطلحًا حديثًا يختصر بأربعة أحرف FOMO. المصطلح هذا أصبح مادةً ثريةً للبحث، وكُتبت حوله مئات المقالات.

FOMO (fear of missing out)

ويعني الخوف من أن يفوتك شيء ما. وتفصيلاً الخوف من عدم البقاء على اتصال مع بعض المناسبات الاجتماعية والخبرات والتفاعلات، مثل المحادثات، والبرامج التلفزيونية، أو المناسبات وغيرها.

ومع انتشار الأجهزة الذكية تعمقت متلازمة الفومو ودفعت نحو تطوير العادات الرقمية غير الصحية، مثل التحقق باستمرار من رسائل البريد الإلكتروني وتحديثات وسائل الإعلام الاجتماعية، والإشعارات الإخبارية والإعلانية، لتبدو وسائل الإعلام الاجتماعية جذابة "للفوميين" لأنها أداة مريحة تجعلهم متصلين اجتماعيًا، على مدار الساعة، بتكلفة منخفضة نسبيًا دون ارتباط بالزمان والمكان.

اليوم تمدنا جوالاتنا وكل الأجهزة الذكية من حولنا بمئات الإشعارات التي أصبحنا شبه مبرمجين على تفقدها لحظيًا، مفترضين أنها تحمل أمرًا طارئًا أو ملحًا وهو ما لا يكون في الأعم الغالب. وانطلاقًا من رغبتنا في عدم تفويت أي شيء، أصبح تركيزنا أقل لأننا بتنا نوزعه على مئات التنبيهات والإشعارات يوميًا.

دققوا أكثر في هذا المثال عن "الفومو" يوضحه استطلاع أجرته شبكة "لينكد إن"، قبل 4 أعوام، خلص إلى أن 70% من الموظفين يعترفون بأنهم حتى عندما يأخذون إجازة، فإنهم لا ينقطعون عن الاتصال مع العمل، حتى لو لم يكن هذا ضروريًا، وأن 80% يتصفحون مواقع التواصل الاجتماعي كالمعتاد كما لو أنهم ليسوا في إجازة.

وهنا أطلقت ليندا ستون وهي مديرة تنفيذية سابقة في مايكروسوفت ما يعرف باسم الانتباه الجزئي المستمر  continuous partial attention  وهو متلازمة صنعها الفومو في حياتنا، وتعني أننا أصبحنا ننفذ مهمة تتطلب الانتباه ككتابة إيميل مثلاً، ولكن بتركيز جزئي، لأننا عرضة لمقاطعة رقمية في كل لحظة وهو ما قد يحرمنا التركيز على المهمة الرئيسة. تداعيات ذلك تصل إلى صعوبة عيش اللحظة وتذوقها..

JOMO

ولكن -وعلى النقيض تمامًا- هناك شريحة من الناس لم يعجبهم أن يكونوا أسرى الفومو فظهر مصطلح حديث آخر هو جومو"JOMO "joy of missing out  أو متعة ترك الأشياء التي تنبعث من إدراك أننا لا نحتاج إلى مقارنة حياتنا بالآخرين، فما لدينا يكفينا.

ولنفصل أكثر مفهوم جومو فهو قدرتك ورغبتك في الاستمتاع بنشاطك الحالي، دون مقارنة ما لديك بالآخرين، دون القلق من أن آخرين في الوقت ذاته يستمتعون بمزيد من المرح في مكان آخر، وأنت تفوته الآن عليك، بمعنى "أنا أستمتع بما أفعله وراض به، لذا لن أذهب إلى الحدث الآخر".. "أشاهد فيلمي المفضل، ولن أرافقكم إلى حفلة الليلة".

دققوا الآن، جومو أداة دفاعية في وجه ما تقوله لنا السوشيال ميديا كل يوم، فماذا تقول؟ تقول "إن هناك آلافًا من البشر الناجحين السعداء المنجزين الذين لستَ واحدًا منهم"، لذلك يبدو أن فلسفة "الجوميين" حيال الكثير من الأحداث والأنشطة من حولهم، هي "لا أعرف ولا يهمني كثيرًا أن أعرف"، هي في الحقيقة إدراك ووعي بالسيطرة على مشاعرنا، وإنقاذ عقولنا من فخ مقارنة أنفسنا بالآخرين التي عززتها السوشيال ميديا.

وفي الحقيقة نفتقد اليوم بشدة طقوس الـ"جومو" وما يحيط بها من تركيز على اللحظة واستمتاع دون مقاطعة أو مقارنة.. ضغينة أو حسد أمام أي نشاط افتراضي أو واقعي.

جومو هو مناسبة لالتقاط الأنفاس، من فومو عالم السرعة الذي يدفعنا للشعور بأن كل شيء من حولنا يجب أن يسير بالسرعة ذاتها، نشعر أننا ملاحقون ويجب ألا يفوتنا شيء، ونرد ونتفاعل مع كل طنين أو رنين لأجهزتنا الذكية.

ولكم أن تتخيلوا كم منا يتملكه الفومو اليوم! وكم هو ناضج ومحظوظ ذلك الذي يفتح بابه للحظات الجومو لعيش لحظاته بتركيز ورضا حرمتنا منها جائحة الفومو التي عززها صخب الأجهزة الذكية والعوالم الافتراضية.