رحلتنا في الحياة تشبه إلى حد بعيد قيادة السيارة في الليل لمسافات طويلة تكشف أنوارها مسافة تتيح لنا أن نواصل الرحلة، وبحكم طبيعتنا البشرية المحدودة لا نرى الطريق بكامله.
مهما بلغنا من معرفة وذكاء، لا نستطيع استشراف نقطة النهاية قبل الوصول إليها، ولا حتى معرفة ما ينتظرنا في كل محطة ومنعطف. وهذا واقع منطقي، ولكن ما لا يمكن الاستغناء عنه هو وضوح الوجهة التي نسعى إليها. يجب أن نعرف إلى أين نمضي، فدون هذا الوضوح، تتحول رحلتنا إلى عبثية ومتاهة لا طائل منها.
لا أنوي هنا الخوض في تفاصيل الأهداف التي نسعى لتحقيقها، فلكل إنسان تطلعاته وغاياته الخاصة التي تلهمه للمضي قدمًا. ما يهم حقًّا هو الاستمرار في السعي نحو المسار الذي اخترناه لأنفسنا، والمضي قدمًا من محطة إلى أخرى، دون إغفال أهمية التوقف عند بعض المحطات لأخذ قسط من الراحة ولإعادة تقييم مسارنا، والتأكد أننا لا نزال نسير في الاتجاه الصحيح، وأن مسيرتنا مستمرة بأمان نحو الهدف الذي نصبو إليه.
في عالم الحيوان، يُقال إن الأسد ينجح في الصيدة بربع محاولاته فقط. ومع ذلك، فإن هذه النسبة المتدنية لا تثنيه عن مواصلة المطاردة ومعاودة الكرّة من جديد. ما يدفعه لتجاوز محاولاته الفاشلة ليس الجوع فحسب، بل هو إدراكه الغريزي لقانون "الجهود المهدورة" الذي يحكم الطبيعة بأسرها. في الطبيعة، نصف بيوض الأسماك تُلتهم، ونصف مواليد الدببة تموت قبل أن تصل إلى سن البلوغ، ومعظم أمطار العالم تهطل في المحيطات، ومعظم بذور الأشجار تأكلها الطيور، ومع ذلك، تستمر دورة الحياة دون توقف وتستمر الكائنات في السعي وراء غاياتها.
وحده الإنسان يميل إلى مقاومة هذا القانون الكوني، مُعتقدًا أن الفشل في المحاولة الأولى هو دليل على عدم النجاح. لكن الحقيقة أعمق بكثير، فالفشل الحقيقي يكمن في التوقف عن المحاولة. النجاح لا يُقاس بغياب العثرات، بل بقدرتنا على التعلم منها، والارتقاء فوقها، ومواصلة السير رغم كل التحديات، بل تحويلها إلى فرص جديدة.
إذا كانت هناك كلمة واحدة تلخص فلسفة النجاح، فهي الاستمرار. واصل السير عبر ما توافر لك من أضواء كاشفة، دون أن تفقد بوصلة أهدافك، وستصل إلى مرادك.