منذ ثورات البراكين في عام 2021، شهدت آيسلندا ولادة صناعة سياحة فاخرة تستجيب لشغف هواة الاستكشاف والمغامرة ، مقرونة بإقامات ومنتجعات مترفة توفر أعلى مستويات الرفاهية. 

لم تعد الجزيرة مجرد وجهة للمغامرين، بل أصبحت منصة متكاملة تجمع بين الاستكشاف الميداني للحقول البركانية والمبيت في أجنحة فاخرة تطل على بحيرات جليدية وأنهار من الحمم المتجمدة.

مع وجود نحو 1500 بركان نشط حول العالم، أصبح من البديهي أن تتأثر حركة السياحة بهذه الظواهر الطبيعية. بل إن العديد من السياح باتوا يدرجون تسلق البراكين ضمن قائمة أمنياتهم السياحية. 

وفي آيسلندا، من بين 30 نظامًا بركانيًا، هناك أربعة براكين نشطة حاليًا، وفقًا لما يقوله ماغنوس تومي غودموندسون، أستاذ الجيوفيزياء في جامعة آيسلندا لمجلة Robb Report. 

هذه التلال المقذوفة بالحمم مسؤولة عن نحو 80% من النشاط الزلزالي في البلاد، بما في ذلك الشقوق المضيئة التي تخترق التضاريس لمسافة تصل إلى ميلين، وهي مشاهد طبيعية تخطف الأبصار وتثير الإعجاب. ورغم المخاطر، فإن براكين آيسلندا تجذب المسافرين بدلاً من أن تُنفّرهم.

تشكّلت آيسلندا من البحر عبر ثورات بركانية قبل نحو 16 مليون عام، وهي تقع على طول الحافة الوسطى للمحيط الأطلسي حيث تلتقي الصفائح التكتونية الأمريكية الشمالية والأوراسية، ما يجعلها من أبرز الأماكن التي تنشط فيها الزلازل على كوكب الأرض.

ويضيف غودموندسون: "كانت آيسلندا تشهد في السابق ثورانًا بركانيًا بريًا كل خمس سنوات، لكننا شهدنا 10 ثورات بركانية في السنوات الأربع الماضية، بعضها كان أكبر بكثير من غيره".

شهد العالم في عام 2010 ثوران بركان إيافيالايوكوتل في الجنوب، والذي أطلق رمادًا كثيفًا أدى إلى أكبر إغلاق للمجال الجوي منذ الحرب العالمية الثانية. وفي عام 2021، استيقظ بركان فاغرادالسفيال في شبه جزيرة ريكيانيس بعد 6000 عام من السكون، وما زال يتصدر العناوين حتى اليوم. 

أما في عام 2023، فقد فاضت الحمم البركانية من ثوران آخر بسرعة قياسية بلغت 7400 متر مكعب في الثانية، ما اضطر السلطات إلى إخلاء مدينة غريندافيك الساحلية، وهو رقم يُعد الأعلى على الإطلاق في سرعة تدفق الحمم في تاريخ الجزيرة.

زيارة البراكين النشطة تتطلب الالتزام الصارم بقواعد السلامة التي يحددها المرشدون والسلطات المحلية، مثل ارتداء الأحذية المناسبة للسير على الأراضي الوعرة وحمل كمية كافية من المياه وارتداء كمامات لتجنب استنشاق الغازات، فضلاً عن متابعة النشرات الإرشادية الصادرة عن السلطات وحجز الجولات مع شركات سياحة مرخصة توفر معدات الأمان والمسارات المناسبة، ما يضمن تجربة آمنة وممتعة في الوقت نفسه.

وينصح رايان كونولي، الشريك المؤسس لشركة Hidden Iceland لتنظيم الجولات الفاخرة في حواره مع مجلة Robb Report، بمشاهدة البراكين النشطة فقط عبر جولات بطائرات مروحية خاصة، يقلع معظمها من ريكيافيك ويحلق فوق التدفقات النارية، ما يتيح للزائر رؤية المشهد من منظور جوي يخطف الأنفاس. 

من حمم متفجرة إلى رحلات فاخرة.. كيف تحولت براكين آيسلندا من كوارث طبيعية إلى وجهات سياحية متفردة؟

Pexels

أما إنغيموندور ستيفانسون، المرشد السياحي الآيسلندي، فيوصي بزيارة الحقول البركانية والفوهات الكاذبة سيرًا على الأقدام أو باستخدام سيارات الدفع الرباعي.

تجربة تسلق الأنهار الجليدية تُعد من أبرز الأنشطة المرتبطة بالبراكين، ويعد بركان كاتلا على الساحل الجنوبي المثال الأكثر شهرة على تزاوج البركان مع الجليد. آخر ثوران له كان في عام 1918، وقد سبب آنذاك فيضانًا أقوى من نهر الأمازون. 

تتيح المنطقة أيضًا تسلق الجليد على نهر ميردالسيوكول الذي يغطي كاتلا بسماكة نصف ميل، في تجربة تجمع بين المغامرة وروعة المناظر الطبيعية الخلابة. 

أما بالنسبة للإقامة، فإن Hof Luxury Villa، الذي افتتح في ربيع العام الماضي على بُعد ساعة من كاتلا في منطقة هيلا النائية، يقدم نقلة نوعية. 

تمتد الفيلا على مساحة 2300 قدم مربعة، وتضم غرفتي نوم مع حمامات داخلية، وغرفة معيشة وغرفة طعام بمدفأة، وصالة زجاجية لمشاهدة الشفق القطبي، إضافة إلى حوض استحمام ساخن وغرفة ساونا. ويتولى طاهٍ خاص إعداد ثلاث وجبات يوميًا وفق تفضيلات الضيوف.

كما تتعايش البراكين الخامدة والنشطة مع الأنهار الجليدية في متنزه فاتناجوكول الوطني، أحد مواقع التراث العالمي لليونسكو، حيث تتغير تضاريس المنطقة المحيطة بالنهر الجليدي الممتد على مساحة نحو 3000 ميل مربع بفعل اندفاع الحمم، بينما تنحت الأنهار الجليدية الوديان في الصخور البازلتية.

وفي قلب آيسلندا، تتجاوز خيارات الضيافة التوقعات لتمنح الزائر تجربة فريدة من نوعها، إذ يمكن اختيار المشهد الطبيعي المفضل بين الجبال الشاهقة والجليد الصافي، والتمتع بالخدمات الفاخرة التي تحوّل الرحلة إلى تجربة متكاملة لا تُنسى. 

يمكن للزائر اختيار الإقامة على مشارف المتنزه عند بحيرة Jökulsárlón الجليدية، التي افتتحت في 2024، إذ تنسجم غرف الفندق وأجنحته مع الطبيعة المحيطة من خلال دمج الخشب والأقمشة الداكنة، فيما توفّر إطلالات متغيرة بين الجبال والجليد. في الليالي الصافية، تتضاعف فرص مشاهدة الشفق القطبي وسط أجواء ساحرة تمنح تجربة فريدة لا تنسى.

بموازاة ذلك، يسهم النشاط الزلزالي في خلق ينابيع حارة وبحيرات حرارية طبيعية، لا سيما في المناطق الغنية بالحمم مثل شبه جزيرة سنافلسنيس وحوض بورغارفجوردور غرب البلاد. 

يقدم Sky Lagoon تجربة استثنائية، إذ أضيفت غرفة ساونا حديثة تطل على المحيط، مع أكبر نافذة زجاجية في آيسلندا، إلى جانب برامج مستوحاة من تقاليد الاستحمام الآيسلندية. 

وللباحثين عن الخصوصية الكاملة، يوفر The Retreat at Blue Lagoon Iceland أحواض سباحة حصرية وفندقًا يضم 60 جناحًا، إضافة إلى مطعم حائز نجمة ميشلان، لتكتمل تجربة الفخامة من دون الحاجة لمغادرة البحيرة.

وفي شمال ريكيافيك، بمحاذاة خليج هفالفيوردور، افتتح عام 2022 منتجع Hvammsvík Nature Resort، الذي يضم ثمانية ينابيع طبيعية تتنوع في درجات الحرارة والأحجام، ويمكن للزوار الاستمتاع بها عبر تذكرة يومية. 

كما يمكن استئجار البيوت أو الأكواخ الاثنتي عشرة المنفصلة التي تستوعب من شخصين إلى تسعة أشخاص. ويكمل The Hilltop House التجربة بحوض ساخن خاص، مع إمكانية وصول الضيوف إلى مبنى The Barn الجديد، الذي يضم صالة رياضية وغرفة ترفيه واستراحة، ما يجعل الإقامة تجربة متكاملة تجمع بين الراحة والخصوصية في قلب الطبيعة البركانية.

ولا يقتصر تميز البراكين على آيسلندا وحدها، فالعالم غني بـالوجهات البركانية الفريدة. ففي هاواي، يُعد بركان كيلاويا من أكثر البراكين نشاطًا، ويمكن مراقبة تدفق الحمم بأمان من مناطق مراقبة محددة. 

وفيما يقف بركان إتنا في صقلية شامخًا بوصفه أحد أبرز المعالم الطبيعية مع إمكانية القيام بجولات برفقة خبراء. يقدم بركان برومو في إندونيسيا مشهدًا أسطوريًا عند شروق الشمس، محاطًا بضباب يكسو قممه في لوحة طبيعية تخطف الأنفاس، وتمتد التجربة إلى المكسيك واليابان ونيوزيلندا وتشيلي، لتجسد البراكين حول العالم تنوعًا يجمع بين الإثارة والمناظر الخلابة والتراث الثقافي المحلي.

ولا تشكل البراكين مجرد مشاهد طبيعية مدهشة، بل تمثل جزءًا من التراث الثقافي العميق للمناطق التي تحتضنها، إذ طوّرت الشعوب المحلية أساطير وحكايات تربط هذه الظواهر بقوى روحية أو تاريخية.