من قلب أبرز المناطق البركانية النشطة في العالم، خرج استوديو s.ap arkitektar الآيسلندي برؤية غير مسبوقة تمثلت بتحويل الحمم البركانية المنصهرة إلى وحدات بناء معمارية تُستخدم في تشييد مدن مستدامة بالكامل، في مشروع حمل عنوان "لافا فورمينغ" Lavaforming وعُرض ضمن فعاليات بينالي للعمارة في البندقية 2025.

بخلاف الاستخدام التقليدي للصخور البركانية بعد تصلبها، يقترح المشروع تقنيات لتبريد الحمم الحيّة بطريقة مُحكمة تتشكل منها أعمدة، وجدران، وأسطح معمارية تُستخدم مباشرة في البناء، ما يفتح المجال أمام ابتكار مدن مستقبلية قائمة على مادة طبيعية ومتجددة.

من تدمير إلى تشييد

تاريخيًا، لطالما ارتبطت الحمم البركانية بالدمار؛ لكن مؤسِسة المشروع المعمارية أرنهيلدور بالمادوتير Arnhildur Pálmadóttir وابنها أرنار سكارفدنسون Arnar Skarphéðinsson، اللذين يديران الاستوديو، قررا إعادة التفكير بهذه المادة الهائلة وتحويلها من تهديد إلى مورد معماري قابل للتوظيف. 

بدأت الفكرة في أعقاب ثوران بركان هولوهرون Holuhraun عام 2014، حين أبهرتهما الكمية الهائلة من الحمم التي خرجت من باطن الأرض، ما دفعهما إلى التساؤل: "لم لا تُبنى مدينة كاملة من هذا التدفق الطبيعي؟".

"لافا فورمينغ": رؤية معمارية من آيسلندا لبناء مدن كاملة من الحمم البركانية

s.ap arkitektar

يهدف مشروع لافا فورمينغ أيضًا إلى تقديم بديل بيئي عن الخرسانة، التي يُقدّر أنها مسؤولة عن نحو 8% من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون العالمية بسبب عمليات تصنيع الإسمنت. تؤكد بالمادوتير أن الحمم، بحسب طريقة تبريدها، يمكن أن تُنتِج مواد شبيهة بالخرسانة، بل أكثر استدامة منها.

ويقدّم استوديو s.ap arkitektar ثلاث رؤى افتراضية مبتكرة لإعادة تشكيل الحمم البركانية في هيئة معمارية قابلة للبناء. الرؤية الأولى تعتمد على إنشاء شبكة خنادق دقيقة عند سفوح البراكين النشطة، تُوجَّه إليها الحمم المتدفقة في أثناء الثوران لتبرد تدريجيًا وتتحوّل إلى جدران أو أساسات صلبة لمدن مستقبلية. 

أما السيناريو الثاني، فيتصور جيلاً جديدًا من الروبوتات ثلاثية الأبعاد قادرة على التجوّل فوق الحمم المنصهرة بعد البركان مباشرة، مستخدمة إياها لبناء أجزاء معمارية طبقة بعد أخرى.

وتقترح الرؤية الثالثة الاستفادة من الصهارة الجوفية عبر توجيهها إلى غرف مصممة خصوصًا تحت الأرض، حيث يمكن تبريدها وتشكيلها في عناصر معمارية مسبقة الصنع قابلة للتكرار.

"لافا فورمينغ": رؤية معمارية من آيسلندا لبناء مدن كاملة من الحمم البركانية

s.ap arkitektar

مدن من الصخور البركانية

الصخور البركانية ليست جديدة على العمارة؛ فمن قصر الأزرق في الأردن، إلى بوابة الهند في مومباي، وصولاً إلى منزل البازلت في المكسيك، لطالما استُخدمت بوصفها مادة قوية ومعزولة؛ لكن الجديد في رؤية s.ap هو استخدام الحمم بصيغتها المنصهرة بوصفها مادة واحدة متغيّرة، يمكن من خلالها ابتكار كل شيء: من الجدران إلى النوافذ الزجاجية.

منذ انطلاق المشروع عام 2022، تعاونت s.ap مع علماء ومتخصصين في محاكاة تدفّق الحمم، واختبروا إمكانيات تبريدها بعد إعادة إذابتها، لإنتاج نماذج أولية من العناصر البنائية. ويرى الفريق أن الفكرة قد تكون ملائمة ليس لآيسلندا فحسب؛ بل أيضًا لمناطق بركانية نشطة مثل هاواي وجزر الكناري.

ورغم أن المدن المبنية من الحمم ما زالت في طور الرؤية، إلا أن المشروع يقدّم دعوة صريحة لإعادة التفكير في شكل العمارة في مواجهة الأزمات المناخية.