في عالم السيارات الكلاسيكية، قليل من الطرز ترتقي إلى مصافّ الأسطورة. لكن حين يجتمع الإرث العريق بأداء السباقات النخبوي، والندرة التي لا تُقدّر بثمن، فإن النتيجة لا يمكن أن تكون سوى سيارة الكوبيه 356 Carrera GT/GT Lightweight Coupe من عام 1957 من بورشه.
هذه السيارة التي تحتفي بتاريخ بورشه الحافل، وتُجسّد في تفاصيلها الحقبة الذهبية لسباقات الخمسينيات، تُعرض في مزاد برود آرو Broad Arrow خلال أسبوع مونتيري في أغسطس المقبل، بوصفها واحدة من أندر ما خرج من مصانع شتوتغارت، وهي تجمع بين محرك رباعي الكامات، وهيكل فائق الخفة، وتاريخ سباقات يزخر بلحظات فارقة.
رغم أن طراز 911 يُعد الأيقونة الأشهر في سجل بورشه الحافل، إلا أن الانطلاقة الحقيقية للعلامة الألمانية بدأت مع طراز 356 الذي ظهر لأول مرة عام 1948.
وبعد سبع سنوات، أُطلقت نسخة 356 A، التي تمثّل الجيل التالي من السيارة، بتحديثات ميكانيكية ومواصفات أداء أعلى، من بينها محرك بوكسر رباعي الأسطوانات سعة 1.1 لتر من فولكس فاغن، والذي يُولّد حوالي 34 حصانًا. وجاء الجيل التالي بخمسة خيارات من المحركات، تراوح قوتها بين حوالي 43 و98 حصانًا.
أُطلق على السيارات التي جُهّزت بمحرك بوكسر، والتي عُدّلت لتحقيق الأداء الأمثل، اسم كاريرا. ومن بين هذه السيارات، استخدمت بورشه العديد من إجراءات تخفيف الوزن في عام 1957 لتطوير عدد صغير منها مُخصّص لرياضة السيارات.
Broad Arrow Auctions
أُرسلت السيارة المعروضة للبيع، والتي تحمل رقم الهيكل 100913، مباشرةً إلى شركة هوفمان موتورز، في نيويورك، المستورد الرسمي لعلامة بورشه في الولايات المتحدة آنذاك.
وتستند برود آرو في وصفها للسيارة إلى "شهادة الإنتاج الصادرة عن شركة روتر Reutter وبطاقة الضمان الأصلية Kardex، وهي وثائق توضح أن السيارة مزودة بنظام عادم رياضي يعزّز أداء المحرك رباعي الأسطوانات، الذي صممه المهندس الشهير إرنست فورمان من بورشه، ليولّد قوة 110 أحصنة، إلى جانب هيكل خفيف الوزن من تصميم شركة Reutter، ونوافذ مصنوعة بالكامل من الألياف الزجاجية. أما المقصورة الداخلية، فتعكس فلسفة خفض الوزن لأقصى حد: لا طبقة عازلة للصوت، ولا تدفئة، ولا حتى مساند خلفية، ما يعني أن كل تفصيل وُضع لخدمة الأداء.
تاريخ سيارة 356 A كاريرا كوبيه على الحلبات لا يقل بريقًا عن هندستها. فقد شاركت في أول سباق رسمي على حلبة سباق فيرجينيا الدولية عام 1957، بقيادة الأسطورة ديك تومبسون الشهير بلقب طبيب الأسنان الطائر The Flying Dentist، في مواجهة أسماء خالدة في عالم المحركات، مثل كارول شيلبي، الذي حصد المركز الأول خلف مقود سيارة مازيراتي 450S.
وواصل تومبسون مشاركته بالسيارة طيلة موسم السباقات لذلك العام تحت راية "هوفمان موتورز"، محققًا أفضل نتيجة له بحلوله في المركز الثالث.
في عام 1958، انتقلت ملكية السيارة إلى مايكل كابييلو، الذي خاض بها السباقات لمدة سبعة أشهر تقريبًا، قبل أن تبدأ رحلتها الطويلة بين أيدي ثمانية ملاك معروفين خلال ثلاثة عقود. من أبرز هؤلاء، المتسابق وعضو لجان تحكيم مسابقات الأناقة للسيارات غلين هيرمان، الذي باعها لاحقًا إلى مايك كورنو عام 1988.
Broad Arrow Auctions
ومنذ ذلك الحين، بقيت السيارة في طيّ النسيان، مخزّنة بعيدًا عن الأضواء حتى عام 2018، حين قرر مالكها الحالي إخراجها من سباتها الطويل وبدء مشروع ترميم شامل استمر ثلاث سنوات.
وفقًا لبرود آرو، شمل هذا المشروع إعادة بناء المحرك ذي الأرقام المتطابقة من قِبل شركة سبيد سبورت تونينج، ومقرها كونيتيكت. إضافةً إلى ذلك، ركزت فرقٌ مختلفة من خبراء الترميم على تجديد هيكل السيارة، وعداداتها، وناقل الحركة، والمقصورة الداخلية. وقد جاء هذا العمل بثماره، إذ حصد الهيكل رقم 100913 لاحقًا جوائزَ في مسابقات أميليا آيلاند Amelia Island، ورادنور هانت Radnor Hunt، وهيلتون هيد Hilton Head، جميعها في عام 2021، إلى جانب مسابقة غرينويتش لأناقة السيارات Greenwich Concours d’Elegance لعام 2024، ومسابقة مودا ميامي ModaMiami لعام 2025.
يقول جاكوب غرايسن، كبير مختصي السيارات في شركة برود آرو: ""عندما تمتلك نُسخة استثنائية من طراز شائع ومعروف ومحبوب على نطاق واسع مثل بورشه 356، فإنك تحصل على شيء ربما يكون أكثر تميّزًا وجاذبية حتى من سيارة نادرة أو إصدار محدود".
ويوضح غرايسن: "كان هناك ما يقارب 75 ألف نسخة من طراز 356، ولكن لم يُصنع منها سوى 26 سيارة سباق خفيفة الوزن لعام 1957، ما يجعلها جذابة لهواة جمع سيارات بورشه الأكثر خبرة".
يقول غرايسن: "هذه النسخ خفيفة الوزن خاضت سباقات شرسة وتعرض العديد منها لأضرار جسيمة في ذلك الوقت، إلا أن السيارة المعروضة اليوم نجت من الحوادث الكبرى واحتفظت بهيكلها الأصلي، بل بمحركها رباعي الأسطوانات بالغ التعقيد، وهو أمر نادر الحدوث في هذه الفئة".
ويضيف أن السيارة مؤهلة للمشاركة في أرقى وأشهر الفعاليات الخاصة بـسيارات السباق الكلاسيكية من خمسينيات القرن الماضي، بما في ذلك سباق الألف ميل الشهير ولو مان كلاسيك. ومع كل ما تجمعه السيارة من تاريخ عريق وأداء فائق، يبقى سعرها التقديري البالغ 1.2 مليون دولار عتبة مرتفعة قد تجعل من استخدامها اليومي ترفًا لا يخلو من القلق.