أعجبني أن شبّه أحدهم الحياة بالبوفيه المفتوح المليء بما لذَّ من أطايب الطعام، معتبراً أنك لو أردتَ أن تستمتع بالطعام في دعوة إلى بوفيه مفتوح اخترْ صنفاً رئيساً واحداًـ ولا تُضيّعْ متعتكَ بالمرور على جميع الأصناف لأنك ستكره البوفيهات بعد تلبُّك معويٍّ تُصاب به في كل مرة. 

أما وجه الشبه مع الحياة فهو ضرورة اختيار شيء واحد، عندما تتنوع الخيارات أمامك لعدم قدرتك على نيل كل شيء في آنٍ، في خضم بحثك عن خيار مثالي ترتسم صورته في رأسك فقط، يجمع ميزات كل ما لديك من خيارات، الأمر الذي لن تحصل عليه، لأنه ببساطة غير موجود.

المفارقة أنك قد تكتشف لاحقاً أنه كلما زادت الخيارات في حياتك وعجزت عن الاختيار انقلبَت نعمة الخيارات إلى نقمة.. أصبحت الأشياء بلا معنى وتحوَّلَت الوفرة إلى شُحّ.

أمام كل شيء في هذه الحياة لا بُدَّ من اختيار، لا بُدَّ من قرار، شيء يبقى معك ولا يفوته عليك تنقّلك بين التجارب وتردّدك وانتظارك، وذلك ينطبق على اختيار أشيائكَ الشخصية البسيطة، ويصل بك إلى شريك الزوجية.

فمثلاً قد تترك النادل في المطعم ينتظر خروجك من دوامة التردد لتختار ما تشرب أو تأكل.. حتى ينبهك أحدهم «أسرِعْ، اخترْ؛ الرجل يقف أمامك».

تصف منصة نتفليكس العالمية بأنها «أصبحت مملة»! تفتح نيتفلكس وتشعر بالرغبة لمشاهدة فيلم فلا تعرف ما تشاهد.. صحيح أن المنصة طوَّرت تقنيات كلَّفتها ملايين الدولارات لتساعدك على ذلك، لكنّكَ لا تزال أسير لعنة الخيارات.. ويحدث أن تقضي سهرتك وأنت تُحاول اختيار فيلم من بين المئات ثم تذهب إلى فراشكَ دون مشاهدة شيء.

انتبهْ فقد تمرّ الحياة كما مرَّ الوقت على نيتفليكس في محاولة لاختيار مثالي وتبقى ضائعاً متردداً بين الخيارات، إصراراً منك على أنك لن تُشاهد إلا شيئاً مطابقاً تماماً لما تريد فلا تجده.

والمشكلة أن العالم وشركاته العابرة للقارات تمدّنا يوميّاً بمزيد من الخيارات وتغرقنا بمئات من المنتجات.. فكيف نتعامل مع اتساع رقعة الخيارات في حياتنا وتزايد عجزنا على الاختيار؟

في الحقيقة التردد ليس أمراً مَرَضيّاً لكنّه قد يصبح كذلك عندما يستهلك وقتَكَ وسنين عمرك ويدمّر متعتك.. لذلك سأقترح بعض التكنيكات التي قد تقلل هذا التردد:

- اعترفْ أنك تبالغ في التدقيق والتمحيص قبل أن تُقرر أي قرار.

- يجب أن تعرف أنك لدى اختيارك لأمر دون غيره، فذلك لا يعني أن ما اخترتَ كامل الأوصاف بلا أخطاء وعِلل. يجب أن تعرف ذلك وتتصالح معه، ولاحقاً لن تلوم نفسك عندما يواجهك ما لا تحب فيما اخترت.

- إذا كنتَ أمام عدة خيارات اخترْ ما تُحب: الأقرب إلى قلبك، الأسلم لنفسك ومن حولك. واعلم أنك تختار بناء على ما لديك من خبرة وتفضيلات. ولا يمكن أن تكون قراراتنا مثالية مئة في المئة. وشخصيّاً أرى أن ضريبة الاختيار أقل من عدمه؛ فإمّا أن تختار وإمّا أن يختار أحدهم لك.

- قلِّل الخيارات من حولك: فلو أن أمامك 3 خيارات للشرب في مقهى: قهوة- شاي- مشروب غازي، اتبع آلية بسيطة جدّاً: استثنِ القهوة لأنَّ الوقت متأخر مثلاً، استثنِ المشروب الغازي لأنه غير صحي، أبقيتَ الشاي كخيار. وذلك المثال على عفويته وبساطته ينطبق على القرارات الكبرى في الحياة.

- اقرأ أكثر حتى تعرف ميزات ما لديك من خيارات. وعندما توضع في محل اختيار، سيقل الوقت الذي تحتاج إليه لتقرر وتختار بحكم ما تملكه من معرفة.

- لا تنتظر لتتحسّن ظروف وشروط اختيارك، فقد لا يتيح لك الوقت أن تختار، فالخيارات نعمة. قَرِّرْ أن تختار ولا تُضيّعْ حياتك في البحث والتحليل والاختيار، فالخيارات لا تبقى كثيراً.. والعالم ليس تحت تصرفك.

- ضع مؤقتاً زمنيّاً لاتخاذ قرار:

  - لا تقضِ أكثر من 30 ثانية لتعرف ما تطلب من النادل الواقف أمامك.

  - لا تقضِ نهاراً كاملاً في محل الملابس لتشتري قطعة ملابس. 

  - لا تقضِ العمر لتجد شريك الحياة.

  - اختر وأنت صاحب قرار قبل أن يُدخلك الوقت في باب الأضرار.