بلمسة من الحنين إلى بدايات وادي سيليكون، طُرحت مزرعة شاسعة في مدينة ماكنفيل بولاية أوريغون للبيع مقابل 5 ملايين دولار، ليس لكونها ملاذًا ريفيًا يمتد على مساحة 388 فدانًا فحسب؛ بل لأنها تحتفظ في تفاصيلها ببذور الإلهام التي نمت فيها واحدة من العلامات الأشد تأثيرًا في تاريخ التكنولوجيا. 

هنا، حيث تتوزّع خمس قطع من الأراضي بين منزل رئيس ومبانٍ خارجية ومساحات زراعية، نشأ بستان تفاح قد يبدو للوهلة الأولى مجرد مزرعة أخرى في الشمال الأمريكي، لكنه شكّل في سبعينيات القرن الماضي مرآة داخلية لشاب يُدعى ستيف جوبز.

لم تكن الأرض مجرد تربة خصبة؛ بل كانت ملتقى لأفكار ثورية وحوارات وجودية عاشها جوبز ضمن جماعة مضادة للثقافة السائدة آنذاك، عُرفت باسم All One Farm وأدارها رجل سيصبح لاحقًا أحد أثرياء صناعة التعدين، روبرت فريدلاند. تلك التجربة، على ما روى جوبز لاحقًا، شكّلت وعيه حيال القيادة، والانفتاح الذهني، والتأمل، وكان لها الفضل الأكبر في ولادة اسم "أبل" رمزًا لشركته التي غيّرت وجه العالم. 

قالها جوبز ذات مرة لمؤلف سيرته والتر إيزاكسون: "كنت أتبع حمية تعتمد على الفواكه، وعدت لتوي من بستان التفاح. بدا الاسم مرحًا، وحيويًا، وغير مهيب. جعل كلمة أبل تلطّف كلمة حاسوب". كان يرى أن بساطة الاسم تُضفي طابعًا ودودًا يختلف عن جمود الأسماء التقنية المعهودة في ذلك الوقت.

مزرعة التفاح التي ألهمت ستيف جوبز تُعرض للبيع مقابل 5 ملايين دولار

Vicki Staudt

مزرعة تاريخية بفرص واعدة

تتضمن الملكية الرئيسة منزلًا تبلغ مساحته نحو 5,200 قدم مربعة، يتناغم مع محيطه الطبيعي عبر مساحات خارجية رحبة وأجنحة منفصلة، ويجاوره بيت ضيافة أنيق يضم ثلاث غرف نوم، إلى جانب عدد من المباني الخارجية المتنوعة. 

وقد تولّى المطوّر والمستثمر العقاري دامون جوستافسون مهمة إعادة إحياء هذه الأرض المهملة، فبدأ بمشروع ترميم استمر لسنوات، شمل تجديد بستان التفاح وإعادة تأهيل البُنى المعمارية المتداعية، بحسب ما أفاد وكيل العقارات درو ستاودت من مجموعة "ويندرمير" Windermere العقارية.

مزرعة التفاح التي ألهمت ستيف جوبز تُعرض للبيع مقابل 5 ملايين دولار

Vicki Staudt

عندما استحوذ جوستافسون على المزرعة، كانت في حالة شبه مهجورة، وقد نال منها التآكل والعزلة؛ إلا أنه تمكّن بعناية لافتة من ترميم الحظيرة الحمراء الصغيرة التي يُقال إن جوبز كان يمضي لياليه فيها متأملًا في صمت الريف، إلى جانب الحظيرة الكبرى التي كانت تُستخدم كمركز للتأمل والاجتماع داخل مجتمع All One Farm في السبعينيات، والتي تحوّلت اليوم إلى صالة استقبال فسيحة تُستخدم كقاعة رقص وفعاليات، ما يمنح المكان روحًا مزدوجة تجمع بين التاريخ والوظيفة المعاصرة.

ويرى ستاودت أن هذه المزرعة تحمل إمكانيات استثنائية، تتوقف على تطلعات المالك المقبل؛ فبإمكانه أن يعيد لبستان التفاح تألقه، أو أن يحوّل العقار إلى وجهة للتجمّعات الفكرية أو الفعاليات المؤسسية الراقية، مستثمرًا روح المكان وتاريخه المرتبط بإحدى أبرز الشخصيات التي غيّرت وجه العالم.