لا أتورط إلا مع النرجسيين
جميع أصدقائي مملّون
كل من حولي مُقصّرون
أنا غير محظوظ مع الجنس الآخر

لا شك أن أحدهم أسمعك شكوى كتلك.. إن لم تكن أنت قد رددتها في نفسك يومًا. فهل فكَّرتَ يومًا بِمن يقود سيارة حياتك؟ أهو أنت أم شخص آخر؟
واسمحوا لي أن أعُدَّ هذا المقال فسحة تأملية بعيدة عن الأحكام القطعية.

يقال إن ما يُزعجك في الآخرين هو غالبًا انعكاس لما تكرهه في نفسك. وفي كل مرة تشعر بأن أحدهم تصرَّف بشكل مزعج، اسأل نفسك هل سأتصرف بطريقة مماثلة لو مررت بالظروف نفسها.

وهذا ما يخلص إليه الفيلسوف البريطاني جيمس آلان في كتابه "الإنسان كما يفكر يكون"، بقوله "إن ما نحبه في الآخرين هو ما نحبه في أنفسنا، وما نكرهه في الآخرين هو ما لا نستطيع رؤيته في أنفسنا".

 فكل فكرة تسمح لها أن تقع في ذهنك وتتركها تنمو، وتتجذر ستتفتح عاجلاً أم آجلاً في فعل أو تصرّف، وستنتج فرصها وظروفها، لأننا لا نرى العالَم كما هو، نراه كما نحن، فكل ما نحن عليه اليوم هو نتيجة ما فكرنا به في الأمس.

لو دقَّقتَ في هذا الكلام ستخلُص إلى أننا نحن صناع مساراتنا في جانب كبير جدًّا منها، وقد لا يقر ذلك العالقون في وعي الضحية ممّن يلومون الظروف والصعوبات ويُبرِّئون أنفسهم، سيقرُّه من ينعمون بوعي المسؤولية، أولئك الذين يدعوهم كل حدث في حياتهم لتعديل سلوك أو إدراك معنى، وربما تغيير مسار.

حسنًا.. ماذا عن الحظ الذي لا سلطة لنا عليه؟

حتى الحظ هو تقاطع وتراكم وتتابع لتلك المسارات في حياتك، التي تضع أمامك حدثًا ما تعجز أحيانًا عن تفسيره، لكنه ناتج رياضي لمعادلات رسمتها مساراتك، وقد ينطبق ذلك على ما جاءت به روح فلسفة هيجل في تعريفها للحظ، فهو مئات الأسباب والعلل، التي تجمعت وتتالت وتراكمت، وتشعّبت وتذررت فأصبح من الصعب تتبعها، وللحظ أيضًا وفق هيجل سبب.

ويبدو أن الأسهل لنا أن نصدق بأن العالم عشوائي وغير عادل، تصور سهل لأنه يسمح لنا بالتخلي عن المسؤولية، والتلطي في وعي الضحية، لأننا عندما نكون ضحايا نرفع عن أنفسنا المسؤولية، نستجدي عطفًا، ونستدر انتباهًا، وقد يكون القابع في دور الضحية هو أصل المشكلة، لكنه يقنع نفسه ومَن حوله بعجزه وحاجته لمن يقوم بالإصلاح، فترى هذا الشخص يقع في الأحداث نفسها مرارًا وتكرارًا (لا أجتمع إلا بالنرجسيين.. لا ألتقي إلا بالنصابين).

يصف الكاتب الياباني الشهير يوشينوري نوغوتشي كل تلك التداخلات بـ"قانون الانعكاس" في كتابه الذي يحمل الاسم نفسه، مشيرًا إلى أن الحياة تخبئ لك بقدر ما خبأت لها في حصالة الأيام.
انظر الآن كيف تتفاعل مع الناس، قيِّمْ أداءك المهني، عنايتك بصحتك، الأشخاص الذين تقضي معهم معظم وقتك، الأحداث التي فوَّتَّ حضورها، أداءك المالي، مستوى روحانيتك، مستوى تسامحك، مدى فوضويتك.. واعلم أنها جميعها تصنع حظك ومسارك.

ستقول لي ماذا عن الظروف؟

تنهكك الظروف وتتعبك.. لبرهة تجعلك تستسلم وتشتكي، وربما تعيدك نكوصًا إلى وعي الضحية، لكنك قد تكون شخصًا يزور مدينة اليأس يتجول يجلس في مقهى لكنه لا يبني بيتًا هناك، في حين أن هناك من طاب له المُقام.

الظروف تعتمد على طريقة تفاعلك معها كضحية أم بمسؤولية، وهنا لا تعدو الظروف كونها منعطفًا حادًّا زلقًا وخطرًا في أحيان، لكنه بحاجة إلى سائق ماهر يحسن المناورة.

والآن اسأل نفسك من يقود سيارة حياتك؟ أنت؟ أم أنك تقبع في كرسي المرافق، بينما تتولى ظروفك القيادة؟

بالطبع هناك بعض العوامل الخارجية التي يمكن أن تعيق تقدمك أو تدعمه. لكن في النهاية إن لم تقتلك فأنت حي، ويمكنك المتابعة.