لم تكن رؤية "واحة زينيا" التي أطلقها عام 1910 إرمنيجيلدو زينيا، مؤسس دار زينيا Zegna وأحد روّاد صناعة الأقمشة الفاخرة في إيطاليا والعالم، مجرّد مشروع بيئي أو تصميم تخطيطي، بل كانت نظرة نافذة إلى المستقبل، تنطلق من اعتقاده بأن الأناقة يمكن أن تنبت من الأرض كما تنبت الأشجار. حينها غرس المؤسس فلسفة تنبض بالحياة، لا تزال تلهم الدار بعد 115 عامًا، وتعيد تعريف العلاقة بين الإنسان، والملبس، والطبيعة التي تحتضنه.

تجلّت هذه الفلسفة مجددًا في عرض أزياء استثنائي أقيم داخل أوبرا دبي، التي تحوّلت مؤقتًا إلى "فيلا زينيا" Villa Zegna في مشهد تخيلي ينصهر فيه تراث تريفيرو الإيطالية مع رمال الصحراء. الإعداد المسرحي لم يكن تفصيلًا تجميليًا، بل عنصرًا حيًّا شارك في السرد، وترافق مع أداء مباشر صاغه الموسيقي البريطاني جيمس بليك لتتحوّل المنصة إلى تجربة حسّية متكاملة.

من عمق تريفيرو إلى وهج الصحراء.. زينيا تُعيد صياغة معاني الأناقة الحيّة

ZEGNA

الأزياء بوصفها تفسيرًا فرديًا للحياة

تتقدّم هذه المجموعة برؤية يُعبّر عنها المدير الإبداعي للدار أليساندرو سارتوري بوصفها ترجمة حيّة لانصهار الحرفية المتجذّرة في قلب دار زينيا مع التجريب المادي الذي تتيحه تفاصيل الحياة اليومية. يتجلى هذا في ملابس خضعت للغسل والتجعيد، فارتسمت على الأجساد كما لو أن رياح الصحراء وشمس دبي قد نحتت ملامحها. سترات تُربط عند الخصر، وأحذية خفية مثل النعال، وتفاصيل توحي بخفّة عيش خالٍ من التكلّف.

يعلّق سارتوري: "ما شدّني هو صورة وجدناها في أثناء البحث: كرسي ألقيت عليه ملابس ارتُديت ثم خُلعت في لحظة صدق. هناك طبقات، وحياة مكثّفة في هذا التراكم. نحن بوصفنا مصممين نقوم بنصف العمل فحسب، أما النصف الآخر فيُنجزه الزبائن حين يُعيدون تفسير القطع كل يوم. هذا التفسير الفردي، غير النمطي، هو ما يعرض اليوم على المنصة. إنها رؤية زينيا في بيئتها الطبيعية: الحياة".

من عمق تريفيرو إلى وهج الصحراء.. زينيا تُعيد صياغة معاني الأناقة الحيّة

ZEGNA

قصات انسيابية ولمسات عفوية

تتشكّل ملامح المجموعة من قصّات منفتحة على الحركة، تنساب بخفة ولا تخضع لقواعد تقليدية. السترات تأتي بخفة القمصان، بينما يعود طراز "إل كونتي" بحلّة أكثر رحابة، تستحضر الراحة من دون التفريط بالهيبة. 

تتجاور قمصان النيهرو ذات الطبقتين مع قمصان طويلة تؤدّي دور المعطف، وتنساب السراويل القصيرة بانسجام تحت معاطف صيفية أو سترات قصيرة ضيّقة تلامس الجسد كما لو كانت امتدادًا له. حتى السترات الجلدية، التي طالما ارتبطت بالثقل، تأتي هنا خفيفة مثل لمسة عابرة.

تتّسم لوحة الألوان بتدرجات ترابية ناعمة تبدأ من أبيض "واحة زينيا" النقي، وتمتد إلى البيج الرملي، والأصفر الكريمي، والرمادي الناعم، قبل أن تشتد بنفحات من الأخضر الزيتي والبني الكهرماني، أو تنعطف نحو ألوان أكثر امتلاءً مثل العنبري، والأخضر النباتي، والوردي البنفسجي، والأبيض المشوب بالزهري، والأحمر المخملي. 

من عمق تريفيرو إلى وهج الصحراء.. زينيا تُعيد صياغة معاني الأناقة الحيّة

ZEGNA

وفي أعماق هذه اللوحة، تحضر درجات الرمادي الدخاني، والرمادي الصخري، والخمري العميق، كأن كل لون يستحضر لحظة عاشتها الأرض تحت شمس متغيّرة.

الخامات بدورها لا تقل تمايزًا عن الألوان. من صوف شتلاند الصيفي المصنوع من مزيج الصوف والحرير والكتان، إلى البوبلين فائق الخفة الذي يُنسَج من مزيج رقيق من القطن والحرير، وصولًا إلى الجاكار الكتاني بصيغة تنبض بالثراء. 

نرى أيضًا جلدًا ناعمًا يشبه طبقة ثانية من البشرة، وأقمشة مبتكرة تجمع بين القطن والألياف النباتية، وأخرى تنسج الجلد بأسلوب يدوي فريد. 

أما اللمسة الختامية، فتأتي عبر أقمشة مُصنّعة من قطن البحر المتوسط، تعكس أصالة في المنشأ ورفعة في الحس. كل خامة تبوح بسرها وتعيد رسم العلاقة بين الملمس والذاكرة، كأنها أثر يُرتدى ولا يُنسى.