في ثلاثينيات القرن الماضي، حين قرر وريث إحدى العائلات الأوروبية العريقة تحويل ثروته إلى عملات نادرة، بدأت رحلة تكوين واحدة من مجموعات المسكوكات الأعظم في التاريخ. هذه المجموعة، التي حملت لاحقًا اسم مجموعة المسافر Traveller Collection، ظلّت لعقود طويلة طيّ الكتمان، مدفونة تحت الأرض خلال الحرب العالمية الثانية حمايةً لها من السرقة، قبل أن تعود للظهور في تسعينيات القرن العشرين.
اليوم، وبعد نحو قرن على نشأتها، ستطرح هذه الكنوز النادرة التي تتجاوز قيمتها الإجمالية 100 مليون دولار أمريكي عبر سلسلة من المزادات تصل إلى 15 مزادًا تمتد على ثلاث سنوات كاملة، في حدث غير مسبوق بعالم الجواهر التاريخية.
وفي نوفمبر المقبل، تستعد دار المزادات السويسرية نوميسماتيكا آرس كلاسيكا Numismatica Ars Classica لإطلاق الجزء الثاني من المجموعة، الذي يركّز على العملات المركزية الأوروبية، ويُعدّ بمنزلة حجر الأساس للمجموعة الفريدة. هذا القسم وحده يضم قطعًا لم تُعرض في أي مزاد منذ أكثر من قرن، مع تقديرات مبيعات تصل إلى 6.3 مليون دولار أمريكي.
اللافت هو أن جامع هذه القطع النقدية، الذي فضّل عدم الكشف عن هويته، أمضى عقدًا كاملاً من التنقل بين أوروبا والأمريكتين برفقة زوجته، جامعًا المسكوكات الأشد ندرة من مجموعات تاريخية بارزة اضطر أصحابها إلى التفريط فيها خلال الأزمات الاقتصادية، مثل مجموعة والدو نيوكومر، وفيليب فيراري دي لا رينوتيير.
عملات ذهبية نادرة تروي تاريخ أوروبا
من بين القطع التي يتضمنها المزاد، تبرز مجموعة من الإصدارات الذهبية النادرة التي تمثل محطات فارقة في تاريخ سك النقود الأوروبية.
فمن مدينة هامبورغ في منتصف القرن السادس عشر، تظهر عملة ذهبية من فئة 10 دوكات، بقيمة تقديرية تبلغ 95 ألف دولار أمريكي، لتذكّر بحقبة ازدهار المدن التجارية الألمانية آنذاك.
كما يضم المزاد ميدالية تذكارية فريدة تُصوّر الملك البولندي المستقبلي يوحنا الثالث سوبيسكي، أحد القادة العسكريين الأبرز في أوروبا الشرقية، والتي قُدّرت قيمتها أيضًا بنحو 95 ألف دولار.
أما إحدى القطع الأثمن في المزاد، فهي عملة ذهبية من فئة 100 دوكة صادرة عن الملك البولندي سيغيسموند الثالث في عشرينيات القرن السابع عشر، احتفاءً بانتصاره على العثمانيين في معارك خوتين.
هذه القطعة تحمل تقديرًا يبلغ 440 ألف دولار أمريكي، غير أن قطعة مماثلة سجلت سعرًا قياسيًا بلغ 2.2 مليون دولار في مزاد عام 2021، ما يجعلها محط أنظار هواة الاقتناء.
Numismatica Ars Classica
القطعة الأغلى في المزاد
تتصدر هذه المجموعة النادرةعملة ذهبية عملاقة من فئة 100 دوكة أصدرها الإمبراطور فرديناند الثالث عام 1629، منقوشة بملامحه مرتديًا درعًا حربيًا وياقة زخرفية على شكل خلية نحل، رمزًا للقوة والتنظيم.
هذه القطعة التي كانت تُهدى للأمراء الألمان لكسب ولائهم خلال حرب الثلاثين عامًا، تُعد من العملات الذهبية الأكبر في التاريخ بوزن يبلغ 348.5 غرام، مع تقديرات بأن تحقق ما يصل إلى 2.52 مليون دولار أمريكي.
Numismatica Ars Classica
ليس تفرّدها في الحجم والقيمة وحدهما ما يمنحها أهميتها، بل لأنها تمثل أيضًا امتدادًا لتقليد أوروبي عريق في سك العملات الضخمة عالية القيمة. فقد استمدت هذه الإصدارات جذورها من تجربة البرتغال في القرن السادس عشر، حين سمح تدفق الذهب من المستعمرات بإنتاج عملات ضخمة ذات قيمة استثنائية، سرعان ما ألهمت ألمانيا لإصدار نسخها الخاصة المعروفة باسم بورتوغالوزر Portugalöser.
وبعد النجاح الكبير الذي حققته الدفعة الأولى من المجموعة في مايو الماضي، والتي تجاوزت مبيعاتها ضعف التقديرات الأولية وبلغت 7.9 مليون دولار أمريكي، يأتي هذا المزاد الجديد ليؤكد استمرارية جاذبية هذا الكنز. فهو يشكّل امتدادًا طبيعيًا لذلك النجاح، جامعًا بين الندرة التاريخية والقيمة الاستثمارية، ومكرّسًا مكانة المجموعة بوصفها إحدى المحطات الأبرز في سوق العملات.