هل حدَثَ معكَ يوماً أن تتحدَّثَ وعِند فراغِكَ من كلامك لم تتلقَّ أيّ ردِّ فعلٍ سلباً كان أو إيجاباً؟ هل انتبهتَ إلى زميلٍ لكَ ربّما يلتفت الجميع إليه بمجرَّد أن يبدأ بالحديث، ويُبدُون علاماتِ التفاعُل والاستحسان؟

في حال حدَثَ ذلك معك انتبه فربما هناك خللٌ ما في استراتيجية كلامِكَ وتواصُلِك، وأنا هنا لن أتحدَّث عن نبرة الصوت صعوداً أو هبوطاً، ولن أتحدَّث عن طريقة الوقوف والكلام، أو لغة الجسد وحركته، وإنما سأشير إلى تقنية بسيطة طوَّرَها صحفي باحث في التواصل هو مارتي نيمكو، هذه الاستراتيجية تُخبرك بالوقت المناسب للتوقُّف عن الكلام.

يسميها نيمكو "استراتيجية إشارة المرور" وتستخدم الألوان الأخضر والأصفر والأحمر، لِتُنبِّهك بأنَّ وقتك المخصص للكلام بفاعلية شارَفَ على الانتهاء، وعليْكَ أن تضخّ زبدةَ ما لديك بأسرع ما أمكن.

إشارة المرور الخضراء

الآن تعالَ نتخيّل أنك بدأت بالكلام للحديث عن رأيك في السفر إلى لندن، فإن أول 20 ثانية من الكلام هي "فترة الضوء الأخضر"، التي يمنحكَ فيها المستمعُ اهتمامَه، ليعرف ما لديك، وما يمكن أن تضيفه له. وفي هذه الثواني العشرين يكون كلامُكَ غالباً وثيقَ الصلة بالفكرة التي هي مثار الحديث، وكلما طال بك الحديث ستجد أنَّك تشعَّبتَ للتحدُّث عن أمرٍ بعيد عن اهتمام من تُحادثهم.

إشارة المرور الصفراء

تُعرَف الثواني العشرون التالية بفترة الضوء الأصفر. في هذه الفترة تبدأ الإثارة في كلامك بالتناقُص، وقد تُلاحِظ بعض الإشارات التي يُطلقها مَن أمامك تُوحي بتشتُّت انتباهه لأنَّكَ لم تعُد قادراً على استرعاء اهتمامه. في هذه الثواني حاول أن تقول ما لديك وتسكت، أو تُمرِّر الحديث لمن يستمع إليك، بأن تطرح عليه سؤالاً.. أو مثلاً تستمزج رأيَه فيما تقول وتقيس اهتمامه.

إشارة المرور الحمراء

بعد 40 ثانية من بَدئِكَ في الكلام، دخلتَ هنا في مرحلة ستطغى عليها الثرثرة لأنّك في الحقيقة قُلتَ زبدة فكرتك في الثواني الأربعين الأولى. في هذه المرحلة عندك عشرون ثانية لتترك انطباعاً جيداً، قبل أن يُقاطعك أحدهم لشعور معظم الموجودين أن لا شيء جديد تقوله.

إذا تجاوزتَ هذه الإشارات الثلاث فتوقّع ألّا يمنحك مُجالسوك انتباهَهم في المَرّة الثانية التي تُبادر فيها بالكلام بنفس القدر الذي مُنِح لكَ في المرة الأولى.

وللإشارة فقط قد لا تنطبق هذه الاستراتيجية على بعض الأحاديث الهامة والمحورية في محادثاتك، لكنها تنطبق على محادثاتك التي تدور مع مجموعات من الأصدقاء أو الزملاء سواء كُنتَ تعرفهم أو كنتَ حديثَ عهدٍ بهم. قد لا تتفق مع ذلك، نعم، لكنّي سأطلب منك أن تراقب ذلك في نقاشاتك القادمة مع الآخرين.

فمشاركتك في أي حديث مع الآخرين تشبه إلى حدٍّ ما عود الثقاب: يتألق، يذوي، ينطفئ. وفي الوقت الذي تظنّ فيه أن كلامك مُتوهّج ومُضيء لا يرى الآخرون سوى الثرثرة وربما هذا دافعهم لينفضُّوا من حولك، إنْ لم يكُن الآن، ففي المرة القادمة.