في يوم صيفي قائظ، يقف نوربيرت ستومفل على شرفة أحد الأسطح قبالة ساحة نافونا في روما مستطلعًا منظر المدينة العتيقة بعين المصمم الناقدة. يقول المصمم النمساوي الأصل، الذي تنقّل بين بلدان عدة، وعاش أيضًا لفترات طويلة في كل من لندن وباريس: "تزخر روما حقيقة بمعاني الجمال". لكنه، خلافًا لما هو متوقع، يرى أن وفرة العجائب التقليدية قد تفقد جاذبيتها بعض الشيء، ويضيف موضحًا: "إنها لا تتغيّر". في مختلف الأحوال، لم يكن عبثًا تسميتها المدينة الأبدية.

قد تكون الطبيعة غير المتغيرة للعاصمة الإيطالية هي الميزة التي تتحدد بها هويتها، لكن ستومفل نجح في إحداث تغيير مزلزل على الأقل في واحد من معالم روما. منذ تولى زمام الأمر في بريوني سنة 2018 بوصفه مديرًا إبداعيًا لها، نفض الغبار عن الدار العملاقة في عالم الحياكة الإيطالية، وعمل شيئًا فشيئًا، من دون تكلف ولكن بثبات، على بث نبض حيوي جديد فيه،  لكن بدلاً من تفكيك الدار بالكامل وإعادة بنائها من دون أي اعتبار لمكانتها في التاريخ، على ما فعل أحد أسلافه متسببًا بتداعيات كارثية، استعاد ستومفل العلامة من منطلق الولاء لإرثها، ونجح في الإتيان بمعالم أناقة تليق بعصرنا الحالي.

يقول المصمم البالغ من العمر 44 عامًا، والذي سبق له أن ساهم في إعادة إحياء خطوط  الأزياء الرجالية المتعثرة حد الاحتضار في داري لانفان ولونجين: "أسعى إلى الابتكار بموازاة الاستمرار في سرد الحكاية لأني أعتقد أنها تحمل الكثير ليُروى". يتحدث ستومفل بصوت خافت يكاد يضيع وسط ضوضاء الشوارع في الأسفل، فيبدو ربما متحفظًا، لكنه لا يفتقر إلى الشجاعة. في وقت تبدو فيها الكنزات الراقية ذات القلنسوات، والأحذية باهظة الثمن، هي الغاية المنشودة في عالم الأزياء، يحمل التصميم غير المتكلف بحد ذاته رسالة معبّرة.

الواقع هو أن تصاميم ستومفل، التي تجمع بين أعلى درجات الإتقان الحرفي والمظهر غير الرسمي والبعيد عن المتكلف، تسد الفجوة التي لا تنفك تتسع بين متاجر الحياكة التقليدية وما نشاهده على منصات عروض عالم الأزياء.

فتصاميمه تخاطب كلا العالمين من دون أن تنضوي تحت مظلة أي منهما. بداية من البذلات ذات السترات مزدوجة الصدر التي تُحاك من أقمشة تشابه بنعومتها ملابس النوم، إلى قمصان السفاري ذات القصات المحددة المشغولة من النسيج الحريري، حظيت قطع الملابس الأساسية التي حدّث ستومفل تصاميمها باستحسان واسع النطاق من قبل النقّاد، واجتذبت دفقًا من الزبائن الجدد.

يقول ستومفل: "قبل عشر سنوات، كان الرجال أمثال زبائننا يحتاجون إلى الالتزام بعدد أكبر من القواعد. لكني لا أجد ما يحتّم ألا يبدو رجلاً في الخمسين من العمر عصريًا اليوم". قد يكون أكثر ما تشتهر به العلامة هو أنها تزوّد النخبة من رجالات العالم بالبذلات الرسمية الضرورية لإطلالاتهم التي توحي بالنفوذ لكن ستومفل يدرك أن النفوذ اليوم ما عاد يتحدد بقصة ذات أكتاف عريضة مبطنة قليلة وبرابطة عنق تميزها عقدة ويندسور.

يقول ستومفل: "إذا ما اكتفيت بابتكار ملابس الرجال الكلاسيكية، فإن الأمر سيصبح مملاً في نهاية المطاف". وبالرغم من إقراره بأن الحياكة الفاخرة والمتقنة ستظل تشكل أسلوب العمل المميز لبريوني، إلا أنه يقول: "لا أريد أن أجد نفسي متأخرًا عندما يمضي عالم الأزياء والنمط الحياتي لزبائننا قدمًا".

يجسّد زي ستومفل نفسه قوة الحياكة المتقنة الراقية في عام 2021: فما يبدو قميصًا تقليديًا للعمل، وإن كان جميلاً، حيك في الواقع من نسيج يُستخدم عادة في البذلات ويجمع بين الحرير والصوف فائق الجودة سوبر 150 مزدوج الوجه. تُفرّق ألياف هذا النسيج يدويًا بكثير من التأني ليصبح خفيف الوزن وجيّد التهوية قبل أن يُشكل في قميص. إنه مسار أكثر تعقيدًا من بناء إحدى سترات بذلات بريوني على ما يلفت ستومفل. يتناسق القميص مع سروال من الكتان باللون الأزرق نفسه، فيعكس مظهرًا مسترخيًا كأنه قميص قديم من طراز تي – شيرت.

يصف ستومفل أسلوبه الشخصي ورؤيته للعلامة، فيقول: "إن الأمر كله يرتبط بتجربة الترف الشخصية، أقصد الفخامة التي لا يراها الآخرون ولكنها تمنحك شعورًا بالراحة، إنها فخامة لا تتجلى على نحو صارخ لكنك تدرك وجودها".

براد بيت

ذائقة متمايزة  

عُيّن ستومفل في بريوني بعد أن اختبرت الدار حقبة مليئة بالاضطرابات والتحديات. ففي عام 2012، باع ورثة مؤسسي الدار العلامة إلى مجموعة كيرينغ التي تمتلك علامات تثير جلبة دائمة مثل غوتشي وبالنسياغا. تعاقب بعد ذلك على بريوني أربعة مديرين إبداعيين في غضون خمس سنوات، ما أثمر عن نتائج تفاوتت بين طائشة وصادمة. عمد مثلاً جاستن أوشيا، المصمم المبتدئ والمولع بأزياء الشارع الذي تسلّم مقاليد التصميم في بريوني سنة 2016، إلى الاستعانة بفرقة ميتالكيا للترويج لمشروع إعادة ابتكار العلامة الذي أطلقه وبث فيه إيحاءات من عالم موسيقا الروك.

عمد أوشيا، خلال فترة إدارته، إلى إعادة صياغة العلامة في محاولة لإثارة جلبة تليق بجيل الألفية: استبدل خطًا قوطيًا بالشعار الذي يميزه نقش كلاسيكي مدوّر، وأعاد ابتكار المتاجر ذات الأسطح الخشبية مستخدمًا مادتي الرخام والكروم المناسبتين للصور على موقع إنستغرام. أما الملابس، فكانت بعيدة كل البعد عن الإطلالة الرئاسية (شملت التصاميم قمصانًا حمراء اللون من الساتان، ومعاطف من جلد التمساح، والكثير من نسيج شينشيللا). لم تصمد هذه الصورة "الجديدة" لبريوني سوى ستة أشهر، لكنها فضحت أزمة الهوية التي تعانيا العلامة.

أما اليوم، فإن اختيار براد بيت وجهاً للعلامة يشي بكل ما ينبغي معرفته عن بريوني في عهد ستومفل. بعد أن ظل الممثل لسنوات يرفض بلباقة عروض الدار، اتصل بها عندما رأى التوجه الجديد الذي اعتمده ستومفل ليطلب بذلة توكسيدو تُحاك له خصيصًا، فانبثق مصدر إلهام جديد. تعاون براد بيت مع ستومفل على ابتكار مجموعة BP Signature الخاصة لربيع 2021، والتي ضمت مجموعة من القطع المفضلة عند الممثل، فشملت سترات عملية من الحرير المغسول، وقميص بولو من الكشمير، ونسخة مبتكرة من بذلة توكسيدو التي ارتداها سنة 2020 في حفل الأوسكار حيث تلقى جائزة أفضل ممثل في دور ثانوي. أتاح هذا التعاون للمصمم اختبار واحدة من أفضل اللحظات التي يفاخر بها منذ توليه العمل في بريوني.

خلال جلسة تصوير الحملة الإعلانية للمجموعة، استدعى مساعد بيت ستومفل إلى حجرة ملابس الممثل. يستعيد المصمم تلك الذكرى ويقول: "تساءلت ما هو الخطأ الذي ارتكبته، لكنه بادرني قائلًا نوربيرت، أريد أن أخبرك أنني منذ أن بدأت أرتدي أزياء بريوني، صرت أبدو أنيقًا جدًا، لكني أشعر بإحساس رائع. أردت أن أشكرك فحسب لأنك تبتكر هذه الملابس. أبكتني كلماته".

يُبدي ستومفل انبهارًا صادقًا بالموقع الذي بلغه، كاشفًا بعض التفاصيل عن الفتى الذي نشأ في مزرعة بالنمسا. يقول: "كنت أشبه بدخيل. لم أكن أشبه الصبية الآخرين المولعين بكرة القدم. كنت أعرف دومًا أني يومًا ما سأغادر هذا المكان". وقُدّر أن يكون له ذلك.

صادف أن مدرسة قريبة من منزل ستومفل أطلقت برنامجًا تأهيليًا في مجال الحياكة. انضم إلى البرنامج عن عمر 13 سنة لأنه وجده ملائمًا، فبات مولعًا بحرفة الأزياء الرجالية. وفيما كان ستومفل يحيك بذلاته الخاصة ليرتديها إلى المدرسة، بدأ يثمّن في الوقت نفسه التصاميم المؤثرة التي يبتكرها كل من هيلموت لانغ وجيل ساندر. تعقّب أقرب متجر يبيع أزياء لانغ، وحصل على وظيفة في مكان مجاور، وشرع يدخر أجره لشراء بذلة لنفسه من لانغ. وبعد أن انتقل إلى شمالي مدينة نيويورك ليصقل لغته، انتهى به الأمر في لندن لمتابعة دراسته في كلية التصاميم المهمة Central Saint Martins.

تقول المصممة دافني كاراس، التي التقت وإياه عندما كانا زميلي دراسة قبل أن تصبح زوجته منذ 14 عامًا: "أتذكر أن ملابس نوربيرت كانت من أبرز الأمور التي أبهرتني. كانت مثالية وتخلو من الشوائب. لطالما تمتع نوربيرت بذائقة للحداثة الكلاسيكية. اكتشفت هذا البعد الجمالي عنده من أول لحظة قابلته فيها".

تتذكر أيضًا زميلة الدراسة الأخرى دانييل سكات كيف أنها ذُهلت عندما حضر ستومفل مرة وقد زيّن معصمه بساعة من طراز Cartier Pasha من كارتييه، تقول سكات: "أقصد أننا كنا طلابًا، فكيف يمتلك ساعة تتزيّن بحجر ياقوتي؟". لكن كاراس تقول موضحة: "كان يعمل في عطلة نهاية كل أسبوع لابتياعها. فميله إلى الجمال لم يُقدم له على طبق من فضة، لقد ثقف نفسه حول هذا الموضوع، إنه يجد متعة حقيقية في استكشاف هذا الكون".

يقول ستومفل إنه كان دومًا مفتونًا بأقصى درجات الفخامة. لا يزال يتزيّن بساعته من طراز كارتييه، لكنه أضاف أيضًا إلى مجموعته ساعات راقية بينها واحدة من أولى ساعات رويال أوك من أوديمار بيغيه، وساعة كرونوغراف من تاغ هوير ترجع إلى ستينيات القرن الفائت.

يحرص المصمم، الذي يميل إلى البساطة على ما يقول، على أن يبتاع فقط المنتجات القادرة على تحقيق استمراريتها، من كراسي آرن جايكوبسون إلى أعمال الطباعة الحجرية من إلسوورث كيلي. بل إن هذا الولع بالجودة هو أول ما قاده إلى دار بريوني التي تحوّل إلى زبون لها قبل أن يجعل منها بيته.

Jeff Lipsky / A.M.P.A.S

خبرة في الحياكة وموهبة عظيمة

منذ البداية، أتاحت له تجربته في مجال الحياكة التمايز عن غيره من مصممي الأزياء. عندما كان ستومفل يتابع دراسته في كلية Central Saint Martins، اتصل به صديق له يعمل في دار ألكسندر ماكوين في الليلة السابقة لموعد تصوير الحملة الترويجية ليخبره بضرورة تعديل التصاميم كلها إلى حجم أصغر. حقق ستومفل المهمة بنجاح، إلى حد أن ألكسندر ماكوين نفسه، المتخرّج في سافيل رو، أبدى إعجابه بمهارة ستومفل وعيّنه حائكًا للتصاميم التي يقدمها على منصات العروض.

بعد أن أنهى ستومفل دراسته في عام 2005 بوقت قصير، طرق بابه ألبير إلباز، المدير الإبداعي من لانفان، عارضًا عليه منصب الرجل الثاني في الفريق المكلف بإعادة إطلاق خط الأزياء الرجالية في الدار. علّمه إلباز الراحل، الذي كانت تصاميمه النسائية موضع استحسان لأنها تصلح للارتداء بقدر ما تبدو خيالية، علّمه أهمية أن يبقى واقعيًا.

يسترجع ستومفل تلك الذكريات قائلاً: "كان إلباز يقول لي دومًا إن العديد من المصممين يبتكرون أزياء تبدو، إذا ما شبهناها بالطعام، أقرب إلى كبد الإوز فوق الكافيار وجبن موتزاريللا. إنها مكونات جيدة لكن الطبق ينحو إلى المبالغة".

ترك ستومفل لانفان سنة 2014 ليشرف على خط الأزياء الرجالي من بالنسياغا في عهد ألكسندر وانغ. وبعد مرور سنتين، خرج ألكسندر وانغ من الدار وعمل ستومفل لبعض الوقت مع ديمنا فازاليا ثم انتقل إلى لويس فويتون تحت إدارة كيم جونز الذي أعجب بتصاميم الطالب ستومفل عندما كان معلمًا زائرًا في كلية Central Saint Martins. وقبل أن ينتقل جونز إلى ديور، عرّف ستومفل إلى حيدر أكرمان الذي عُين مؤخرًا في منصب مدير إبداعي لدار بيرلوتي. ينوّه أكرمان بدقة ستومفل و"الأبعاد الدقيقة" لتصاميمه بوصفها عناصر موهبته العظمى، ويقول: "أحضر معه نفحة سكينة. إنه شخص هادئ لكنه واثق بنفسه، وهذا ما تعنيه الفخامة. أقصد الأناقة في عدم التكلف". بالرغم من أن بيرلوتي تألقت في عهدهما، إلا أن الأوراق اختلطت مجددًا في عالم الأزياء بعد عام واحد تقريبًا فقط.

صحيح أن ستومفل كان يتحول مرارًا وتكرارًا إلى ضحية لتعطش قطاع الأزياء الذي لا ينضب إلى التجديد، لكنه لا يشعر بأي مرارة حيال ذلك. غير أنه كان حذرًا إلى الحد الذي جعله يرفض عروضًا عدة. فهو لم يكن مهتمًا بمحاولة ابتكار الأحذية الرياضية الأكثر تميزًا للموسم المقبل. لكن عندما تواصلت معه دار بريوني، بدا على الفور أن شراكتهما مثالية.

Matt Petit / A.M.P.A.S

المرح والجرأة في الإبداع

تأسست دار بريوني سنة 1945، واضطلعت بدور ريادي في ابتكار مفهوم الألبسة الرجالية على ما نعرفه اليوم. كانت دار الحياكة التي أبصرت النور في روما أول دار قدمت تصاميمها على منصة للعروض في سنة 1952. تحدت بريوني رصانة هذا القطاع وأتاحت للرجال اختبار نوع من البهجة في عالم الأزياء.

آنذاك، رحّبت الصحافة ببريوني بوصفها ديور الألبسة الرجالية. فتأثيرها كان واسع النطاق بقدر المجموعة الشهيرة New Look التي قدمها المصمم الفرنسي للسيدات. وفيما راح الرجال يخفون إجهادهم تحت بذلات تعانق تضاريس الجسد، تحولت بريوني إلى مؤشر لولادة سلالة جديدة من المظهر الرجال الراقي.

يقول ستومفل، الطالب الفطن عندما يتعلق الأمر بدراسة السجلات: "كان المؤسسون يستخدمون أقمشة لم يسمع بها أحد من قبل في عالم الأزياء الرجالية. كانت الدار تسير في اتجاه مغاير تماماً للتوجهات السائدة آنذاك. أقصد أنها كانت تقدم ابتكارات تُعد جريئة. كانت مقاربتها شبيهة نوعًا ما بما تفعله ديمنا في بالنسياغا". يقصد ستومفل المديرة الإبداعية الحالية لبالنسياغا، المهندسة الرئيسة لظاهرة الكنزات الراقية ذات القلنسوة.

فيما تولّى المغردون خارج سربهم مهمة الإتيان بتصاميم غير تقليدية، تجسّدت شهرة بريوني المبكرة من حيث كونها تصنع التوجهات من خلال بذلات رجال الأعمال متقنة الحياكة وإن كانت غير ملهمة نوعًا ما. في عالم الأزياء اليوم، يبدو معقل الحياكة الفاخرة مهددًا بأن يلقى مصير المعطف القديم من طراز Frock Coat الذي ينسدل إلى ما دون الركبة. لكن خلافًا للتوقعات، قد يكون للإمساك بزمام مجموعة في أزمة جاذبيته. فيما يقارن ستومفل هوية بريوني المعتكرة بخط أزياء الرجال من لانفان، والذي كان خامدًا قبل انضمامه إلى الدار، يقول: "من الجميل نوعًا ما الانضمام إلى هذه الشركات حيث لا يتوقعون منك أي شيء. تجد نفسك قادرًا على تصور التغيير الذي يمكنك تحقيقه بوصفك مصممًا".

لم يكتفِ ستومفل بتصويب اتجاه السفينة، بل إنه قادها عبر مسارات جديدة. خلال انشغاله العام الفائت في جلسات قياس لزبائن في لندن ابتكرت الدار لهم أزياء حسب الطلب، تفاجأ بحضور شبان في التاسعة عشرة من العمر إلى جانب قادة قطاع الأعمال المتوقعين. وربما ما يثير مزيدًا من الإعجاب هو أن مجموعة من السيدات الناجحات بالقدر نفسه انضمت إلى قائمة زبائن ستومفل منذ أن تولى زمام الأمور في الدار. يقول أكرمان: "إنه يضفي طابعًا نبيلاً على علامة بريوني"، مشيرًا إلى موهبة ستومفل في ابتكار "قطعة الملابس المثالية" مثل بذلة التوكسيدو الخاصة ببراد بيت.

بالرغم من أن إبداعات بريوني تُعد أخاذة، إلا أن ستومفل لا يتعامل معها برسمية ولا يسعى جاهدًا لتحقيق الكمال، وهو ما عكسه في عروضه خلال أسابيع الموضة. لمجموعة ربيع 2020 التي كشفت بريوني عنها للإعلام قبل سنة، نسق ستومفل مجموعة من المشاهد جهّزها بتماثيل عرض تجسّد يومًا في حياة رجل بريوني، وشملت مشهدًا للتمثال يتهيأ لارتداء منامته الحريرية، ومرة مسترخيًا على الأريكة في لباسه الرسمي بعد عودته من حفل مسائي.

يقول ماتياس كارلسون، منسّق الأزياء الذي عرف ستومفل منذ أيام دراسته في كلية Central Saint Martins وعمل على كلّ عرض لبريوني منذ بدأ المصمم العمل في الدار: "إنه شخص عملي، لكنه يمتلك جانبًا مرحًا. نعمل دومًا بطريقة عفوية جدًا. إنه مسار مبهج". يتعمّد ستومفل تفادي عروض الأزياء التي تعكس اعتدادًا بالذات حيث العارضون الأقوياء يسيرون بخيلاء على ممشى العروض. إنه يرى في ذلك سلوكًا إيطاليًا بامتياز، ويقول: "إنهم يرتدون ملابسهم ويتابعون حياتهم. ولا يهمّ إن كانت الملابس مجعّدة بعض الشيء".

الواقع أن ابتعاد ستومفل عن المفاخرة هو ما أضفى على أسلوب بريوني الصارم من قبل طابعًا يوحي بالخفة والحداثة. يقول المصمم فيما تكشف تعابير وجهه المدروسة عن طيف ابتسامة: "أظن أن شخصيتي تجمع بين الصفتين. أنا شخص هادئ وتقليدي، لكني في المقابل لا أهاب شيئًا".

تجلت جرأة ستومفل خصوصًا في تصاميمه لملابس السهرات التي تخرج عن حدود المألوف والمتوقع، على غرار بذلة التوكسيدو المصقولة بالذهب عيار 24 قيراطًا والتي ارتداها ليسلي أودوم جونيور إلى حفل الأوسكار هذا العام. بالرغم من أن هذه البدلة قد تبدو على النقيض من معالم الأناقة غير المتكلفة التي تميّز ابتكارات ستومفل لأزياء النهار، إلا أنه يشير إلى أن سترات الأمسيات السابقة لزمانها هي ما وضع بريوني بداية على الخارطة. يقول ستومفل: "إن هذا التاريخ يتيح لي التحلي بالجرأة".

تُشكل بذلة التوكسيدو الذهبية واحدًا من أمثلة لا تُعد ولا تُحصى عن التطورات الدؤوبة في عالم الأقمشة، والتي تحوّلت إلى سمة مميزة لحس ستومفل الإبداعي (لم تُستخدم التقنية الكهربائية المغناطيسية التي أثمرت عن القماش المصقول بالذهب ولكن المرن إلا من قبل جهة أخرى وحيدة هي الفاتيكان). تقول كاراس، التي تعمل اليوم في دور استشاري على تصاميم الكنزات المحبوكة من بريوني، والتي تُعد، بطريقة غير رسمية، الذراع اليمنى لستومفل في مجال الأبحاث والتطوير، إن ستومفل يميل إلى القصات التقليدية، لكن "مجال إبداعه الحقيقي هو طريقة صنع التصاميم. إنه يعمل مهندسًا أكثر منه مصممًا".

صحيح أن ستومفل توقع أن تشكل بعض القطع الخارجة عن المألوف، مثل سترة السهرات المشغولة من نسيج الجاكارد الفاخر المزدان بطبعات الزهور، مجرّد تصميم جاذب للأنظار يُعرض في واجهات المتاجر، إلا أنه يقول إن هذه القطع بيعت كلها، وكانت جائحة كورونا آنذاك في أوجها. تدمع عينا ستومفل فيما يشرح سرّ جاذبية هذه السترة الذي يكمن في نسيجها. تُشَكل خيوط هذا النسيج على مغزل في البندقية يرجع إلى القرن السابع عشر. يحتاج غزل ما يكفي من الخيوط لحياكة سترة واحدة إلى ثلاثة أشهر من العمل.

يقول المصمم: "كان 20 حائكًا ينظرون إلى هذه السترة في أثناء حياكتها ويعبرون عن انبهارهم بالقول إنها حقيقة قطعة من بريوني. وهذا ما أحبّه".

Ilaria Magliocchetti Lombi

فن العيش واستراتيجية لا تشبه غيرها

في منزل ستومفل، يبدو جليًا أن تقديره للأعمال الحرفية، القديم منها والجديد، يمتد إلى كل زاوية في حياته. فمنزله ريفي الطابع بواجهاته المشغولة من صلصال ويستيريا، والواقع في منطقة مونتي البوهيمية في روما، يزاوج بين طراز معماري عتيق ومفروشات أنيقة من منتصف القرن الفائت تتناغم بالأسلوب غير المتكلف نفسه الذي يطبع ابتكاراته. يتنقل المصمم حافي القدمين في أرجاء المطبخ المفتوح، معترضًا على تزيين المائدة بالشموع فيما يعد وجبة عشاء بسيطة من الباستا بصلصة الطماطم الطازجة على ما يفعل أي رجل إيطالي أصيل (لكن قطع الشوكولاته التي قُدمت في ختام الوجبة تشي بأنه لم يفقد ميله النمساوي إلى الحلوى).

صحيح أن ستومفل يؤثر الحداثة، لكنه يظل يبدي انبهاره بمعالم الجمال التي يصادفها فيما يسير كل يوم متوجهًا إلى المقر الرئيس لبريوني، مرورًا بنوافير الماء المهيبة في ساحة بياتزا ديلا ريبوبليكا، والفسيفساء المصقولة بالذهب في كاتدرائية سانتا ماريا ماجيوري. يقول ستومفل: "أشعر أحيانًا أني في عطلة لا تنتهي".
بعد أن أمضى ستومفل أكثر من عقد في باريس، صار يثمّن الإيقاع المسترخي للحياة في روما. وفي هذا يقول: "تشبه روما قرية صغيرة، ويروقني العيش هنا حاليًا". بالرغم من أنه كان قلقًا من تأثير الانتقال على ابنتيه، إلا أنهما سعيدتان باستبدال حدائق فيلا بورغيزي بالملعب الإسمنتي في ماريه. يقول ستومفل: "تعودان كل يوم إلى المنزل وقد غطتهما الأوحال حقيقة".

بالرغم من أنها المرة الأولى التي يعمل فيها ستومفل وكاراس معًا في فريق التصميم نفسه، إلا أن الأمر يبدو أشبه بلم الشمل. فالزوجان التقيا في الأصل بسبب تشاركهما طاولة العمل في الكلية. يقول ستومفل: "إنها شخص أوليه كامل ثقتي. أعتقد أنها موهوبة أكثر مني. عندما ينطوي العمل على ضغوط كثيرة، من المهم أن يوجد شخص تثق به بالكامل ليراقب معك كل شيء".

لكن هذا لا يعني أن ستومفل لا يكن احترامًا بالغًا للمعارف الوفيرة في محترف بريوني. بالحديث عن أسلوبه القيادي، تقول كاراس: "إنه قائد متعاون حقيقة. كما أنه واضح بشأن ما يحب وما لا يروق له. لكن حتى عندما يخالفك الرأي، يعبّر عن موقفه برقة وكياسة وفصاحة".

يعتمد ستومفل الدقة حتى خارج أوقات العمل. بل إنه قد يمضي ساعات في رعاية أزهار السحلبية أو حوض الأسماك في بيته. لكنه شغوف خصوصًا بالاهتمام بنبات البونساي الذي يجد فيه فسحة للتأمل. ابتاع إحدى هذه النباتات عند وصوله إلى إيطاليا، وبعد أن أمضى في رعايتها ثلاث سنوات للتأكد من بقائها حية بالرغم من مواسم الصيف القائظة في روما، أتاح لنفسه مؤخرًا ابتياع نبتة ثانية. وفي هذا يقول: "إنه هوس!". عندما يناقش ستومفل، الهادئ في العادة، مساعيه الزراعية، يتحدث بالقدر نفسه من الحماسة التي يبديها عندما يتكلم بالتفصيل عن إنجازاته في مجال الحياكة التقنية. يبدو الأمر منطقيًا. فالفن الخفي لتشذيب نباتات البونساي لا يختلف كثيرًا عن مفهوم الفخامة غير المتكلفة الذي استحضره إلى بريوني.

يقول ستومفل: "أريد للآخرين أن يتعرّفوا إلى رجل بريوني في الشارع فيقولوا إنه يبدو رائعًا، ولكن لا يجدر بهم أن يعلموا أن أزياءه من بريوني"، الأمر الذي قد يرى فيه المديرون التنفيذيون في مجال التسويق هرطقة. ينتمي ستومفل إلى مدرسة الأناقة القائمة على مفهوم "لا لزوم للشرح"، مؤثرًا الملابس التي تُثمّن عبر ارتدائها، وفي هذا يقول: "إن هؤلاء الرجال لا يحتاجون إلى الإفصاح عن أنهم يرتدون تصاميم من بريوني. فهم لا يختارون العلامة لهذه الغاية".

إحدى الإطلالات في مجموعة بريوني لخريف 2021.

يدرك المصمم أن أزياء العلامة الفخمة ولكن البعيدة عن التكلف، والتي تُباع بأسعار باهظة، ليست مناسبة للجميع. لكنه يرغب في الإبقاء على هذا الواقع. يقول: "قد يبدو هذا التوجه مختلفًا كل الاختلاف عن نمط تفكير زملائي المصممين الآخرين"، ويقر بأن المنتج الذي يجري التعرف إليه على الفور يشكل الغاية القصوى للعلامات بمعظمها. فحتى هيرميس تتمايز بحقائب بيركن. ثمة منطق تقليدي في هذه الفكرة، لكن ستومفل يقول: "أنا على النقيض من هذه الفكرة". قد يبدو ستومفل شخصًا هادئًا، لكن استراتيجيته حظيت بالمصادقة. لقد رأى أسلوب الأناقة في روما ونجح في غزوه.