لم يكن من الصعب على من زار معرض أسبوع دبي للساعات أواخر الشهر الفائت، أن يلحظ على امتداد مساحاته الرحبة أمارات نبض حيوي عكس توقًا طال انتظاره في زمن جائحة كورونا إلى استعادة مسارات التواصل والتفاعل بقدر ما جسّد الشغف الراسخ عند هواة عالم الساعات والعارفين بأسراره إلى استكشاف الآفاق المستقبلية لهذه الصناعة.

فالمعرض، الذي انعقدت أنشطته بين الرابع والعشرين والثامن والعشرين من شهر نوفمبر من حول البوّابة "ذا غايت" (The Gate) بمركز دبي المالي العالمي، تفوّق في نسخته الخامسة - التي حظيت بإشادة الخبراء في هذه الصناعة والزوّار من الهواة وكبار الجامعين على حد سواء - ليس من حيث التنظيم والشكل فحسب، ولكن أيضًا من حيث ثراء المحتوى الذي تجسّد في العدد الأكبر من الدور المشاركة هذه المرة مقارنة بما كان عليه الحال في الدورات السابقة، وفي وفرة الابتكارات الجديدة التي حطت رحالها في المعرض، فضلاً عن تنوّع المنصات التفاعلية وبرنامج المناقشات الذي سلّط الضوء في منتدى الساعات على أبرز التحولات التي يشهدها هذا القطاع، وما يستشرفه أهل الاختصاص للمستقبل.

روّاد صناعة الساعات

أبصر أسبوع دبي للساعات، الذي ينعقد مرة كل سنتين، النور في عام 2015 ببادرة من شركة أحمد صديقي وأولاده التي نجحت في ترسيخ مكانة هذا الحدث من حيث كونه أضخم معرض دولي غير تجاري لقطاع الساعات، وتفوقت في أن تجعل منه واحة لتلاقي هواة جمع الساعات، وكبرى الدور والصنّاع، للتعاون وتبادل الأفكار والتجارب بعيدًا عن البيئة التجارية. لم يكن مستغربًا إذ ذاك أن يفوز أسبوع دبي للساعات هذه السنة بجائزة هيئة التحكيم الخاصة ضمن جائزة جنيف الكبرى للساعات GPHG.

&;

روّاد صناعة الساعات

أسبوع دبي للساعات.. فضاء يحتفي بإبداعات كبار الصنّاع

في دورة هذا العام، التي افتُتحت تحت رعاية سمو الشيخة لطيفة بنت محمد بن راشد آل مكتوم، رئيسة هيئة الثقافة والفنون في دبي "دبي للثقافة"، نجح المعرض في استقطاب أكثر من 45 علامة تجارية رائدة في قطاع صناعة الساعات الراقية، على غرار دار بوفيه 1822 التي أتاحت للزائرين اسكتشاف تفوقها في الهندسة والتصميم من خلال ابتكارات حديثة في طليعتها ساعة Bovet Battista Tourbillon، ثمرة تعاون باسكال رافي مع شركة بينينفارينا للسيارات، ودار جيكوب أند كو التي كشف مؤسسها ورئيس مجلس إدارتها جيكوب أرابو للمرة الأولى عن مأثرته الجديدة، ساعة Bugatti Green Sapphire Crystal المصنوعة بالكامل من الكريستال الياقوتي باللون الأخضر، والتي تجلت الساعة الأغلى في المعرض بسعر 1.5 مليون دولار.

وإلى جانب كبرى العلامات التجارية، مثل بولغري، ويوليس ناردين، وجيرار بيريغو، ومون بلان، احتضنت أيضًا الصالة الفسيحة المخصصة لعرض أحدث الساعات روائع الصنّاع المستقلين، من لويس موانيه وإف. ب. جورن، وغروبل فورسيه، وإتش موزر أند سي، ودي بيتون وغيرهم، وصولًا إلى علامة إم بي أند إف MB&F التي لا تنفك تهز قواعد المألوف بابتكارات لا يعوزها تمايز في الهندسة والإتقان الحرفي. كشف مؤسس الدار المثير للجدل ماكس باسر في سياق المعرض عن ساعة Legacy Machine Flying T Allegra الحصرية الجديدة التي ابتكرها بالتعاون مع دار بولغري.

أسبوع دبي للساعات.. فضاء يحتفي بإبداعات كبار الصنّاع

Oscar Cablao Jr.

واحات التميّز

اختارت نخبة من العلامات والدور توثيق حضورها في أسبوع دبي للساعات في أجنحة مستقلة استلهمت في تصاميمها إرث الصانع وهويته الإبداعية، على غرار دار رولكس التي عادت هذه المرة أيضًا في واحة مستقلة شكلت، على كان عليه الحال في دورة عام 2019، مقصدًا لأولئك الذين ينشدون ساعاتها الأكثر طلبًا والتي يصعب في كثير من الأحيان وضع اليد على عدد من طُرزها النادرة.

كما تجلى جناح هوبلو، الذي يحتفي بفن الانصهار، فسحة للقاءات وأنشطة يومية شملت حلقة نقاش مع الرئيس التنفيذي ريكاردو غوادالوبي حول الحرفية والتصميم المبتكر، والكشف عن ساعة Classic Fusion Chronograph Concrete Sand التي تطلقها الدار بالتعاون مع أحمد صديقي وأولاده احتفاء باليوبيل الذهبي لدولة الإمارات العربية المتحدة، مستلهمة في تصميمها المساحات الصحراوية الشاسعة في البلاد.

وبالرغم من أن دار شوبارد شاركت في الواحة المخصصة للعلامات التجارية الرائدة - وعرضت فيها مجموعة من أشهر طُرز ساعاتها وأحدثها، بما في ذلك ساعة معيد الدقائق L.U.C. Full Strike بنسخة البلاتين محدودة الإصدار (التي كُشف عنها مؤخرًا والتي تفرّدت بمجموعة من براءات الاختراع، بما في ذلك الأجراس المصنوعة من قطعة واحدة من الكريستال الياقوتي)

إلا أنها استحدثت جناحًا خاصًا لمجموعة Alpine Eagle بدت زيارته أشبه بتذكرة عبور إلى أعالي جبال الألب حيث يحلق النسر الذي ألهم ساعات هذه المجموعة، وآخرها ساعة Alpine Eagle Cadence Hz التي تدمج بين التصميم العصري والأنيق وقوة الكرونوميتر بالغ الدقة. فالساعة محدودة الإصدار (يقتصر إنتاجها على 25 نموذجًا) التي صيغت في علبة من التيتانيوم بقطر 41 ملليمترًا وسماكة لا تزيد على 9.75 ملليمترًا، جُهزت بواحدة من آليات الحركة الأشد تطورًا المبتكرة في محترفات شوبارد، والتي تحقق معدل تواتر يعادل 8 هرتز أو 57,600 ذبذبة في الساعة، واحتياطًا للطاقة يدوم 60 ساعة.

أسبوع دبي للساعات.. فضاء يحتفي بإبداعات كبار الصنّاع

Ales Vyslouzil

أما دار أوديمار بيغيه، فاحتضن جناحها معرضًا حمل اسم "تجاوز الحدود: رحلة عبر الوقت والتصميم والمواد" موفرًا للزائرين فرصة للانغماس في عالم رويال أوك أوفشور Royal Oak Offshore، الساعة رياضية الطابع التي أطلقها الصانع بداية سنة 1993 متحديًا الأعراف السائدة بتصميم حدّد التوجّه إلى الساعات كبيرة الحجم المثالية لأوقات المغامرات والرياضات الصعبة.

في المعرض المكوّن من غرفتين، استحضرت ساعات تراثية ومعاصرة مختارة، بما في ذلك بعض الطُرز الرمزية من رويال أوك أوفشور، سياق تطوير هذه المجموعة من حيث ابتكار المواد، والتقنيات المتطورة، ومصادر الإلهام التي شملت عالمي الطيران والفضاء. كما تأتى للزائرين اختبار مجموعة متنوعة من المواد، مثل السيراميك والذهب، لاستكشاف مسار تحوّلها في ساعات متطورة تراعي في تصاميمها حدود الراحة القصوى.

أسبوع دبي للساعات

وليس بعيدًا عن عالم أوديمار بيغيه، استلب جناح واتش بوكس الزائرين والجامعين على وجه الخصوص إلى استكشاف مجموعة مختارة من المخزون الوفير للمنصة الرائدة عالميًا بوصفها أكبر وجهة لبيع الساعات الفاخرة عبر الإنترنت.

على مر أيام أسبوع دبي للساعات، سلّطت واتش بوكس الضوء على مجموعة من فرائد الساعات المستعملة التي تستحق الجمع، سواء أكانت تحمل توقيع دور عريقة مثل رولكس، وباتيك فيليب، وأوديمار بيغيه، وفاشرون كونستانتين، أم كانت من ابتكار صنّاع مستقلين متفوّقين. وكان اللافت هنا أيضًا وجود الخبراء الاستشاريين في واتش بوكس لتعريف الزائرين بثقافة جمع الساعات التي تتبنّاها الشركة، ومعايير جودة المنتج، وخدمات التعديل حسب الطلب، إلى جانب المشاركة في لقاءات تفاعلية تناقش الوضع المزدهر لسوق الساعات الفاخرة.

بل إن الشركة أطلقت أيضًا استوديو واتش بوكس لإنتاج المحتوى وإجراء المقابلات مع نخبة من صناع الساعات والجامعين وكبار التنفيذيين في هذا القطاع.

روّاد صناعة الساعات| أسبوع دبي للساعات

أسبوع دبي للساعات.. فضاء يحتفي بإبداعات كبار الصنّاع

إصدارات جديدة ونقاشات مفتوحة

في أسبوع دبي للساعات، كان لواتش بوكس أيضًا حضور في منصة الإبداع The Creative Hub حيث استضافت الشركة جلسة حوارية بعنوان The Collectability Conversation للإضاءة على تطور المقاربات إلى جمع الساعات في عام 0212 ومحاولة الإجابة عن تساؤلات مثل: ما الذي يجعل أي ساعة جديرة بالاقتناء؟

الجدير بالذكر أن المنصة، التي خُصصت للترويج لمحادثات تعزز الإبداع وتحرّض على الابتكار فيما تحتفي بصناعة الساعات، شهدت أيضًا الكشف للمرة الأولى عن ساعات جديدة مبتكرة شملت، على سبيل الذكر وليس الحصر، مجموعة Breilting Super AVI من بريتلينغ التي تكرم صناعة الطيران بتصاميم استُلهمت من ساعة الطيارين الأصلية Co-Pilot التي ترجع إلى عام 1953، وأربعة إصدارات جديدة طرحتها دار جيرار – بيريغو تحت اسم Eternity.

شملت المجموعة التي تسلط الضوء على مهارات الصانع في فنون النقش والطلاء بالميناء ساعة La Esmeralda Tourbillon "A Secret"، وساعة Cat’s Eye Eternity Edition، فضلاً عن إصدارين من طراز Laureato. كما شهدت منصة الإبداع الإطلاق العالمي لعلامة Aramedes Zurich التي سعى مؤسساها توم مورف وباسكال ستوبي إلى دمج تقاليد صناعة الساعات الميكانيكية بالتطورات التقنية للعصر الرقمي. وقد تجلت بشائر هذه المقاربة بطرح مجموعة زيوريخ ZURICH التي ضمت ثلاث ساعات ميكانيكية تقليدية، ومجموعة مكة MECCA التي تفرّدت بآليات وظيفية تتيح عرض اتجاه مكة المكرّمة والقِبلة أينما كان مالك الساعة، فضلاً عن عرض مواقيت الصلوات الخمس، وأوقات الإمساك والإفطار أثناء الصوم في شهر رمضان.

Oscar Cablao Jr | أسبوع دبي للساعات

Oscar Cablao Jr | أسبوع دبي للساعات

أما في منتدى الساعات، الذي تحوّل إلى سمة راسخة في أسبوع دبي للساعات، فتركزت حلقات النقاش، التي شهدت مشاركة واسعة من الخبراء وأصحاب المصلحة في هذا القطاع، على موضوعات جريئة مثل "محاذاة الشخصيات عبر الإنترنت مع هويتهم الحقيقية" و"العملات الرقمية غير القابلة للاستبدال والعملات المشفرة في مجال المنتجات الفاخرة".  

لم تغب دار كريستيز أيضًا عن أنشطة الأسبوع، فأثرته على عادتها بندوات حول صناعة الساعات ومعارض للمجموعات الخاصة لدى نخبة من أشهر المقتنين، فضلاً عن توفير خدمة تقييم الساعات للجامعين الراغبين في ذلك. 

روّاد صناعة الساعات

Franz J. Venzin

دروس تطبيقية ومجلس للجامعين

في المسعى إلى ترسيخ هوية أسبوع دبي للساعات واحة إبداعية وثقافية تتطوّر دورة تلو الأخرى، شهدت نسخة هذا العام استحداث مجلس الجامعين Collector’s Lounge الذي تجلى فضاء لتلاقي هواة الساعات من مختلف أنحاء العالم.

على مر أيام المعرض، ناقش روّاد المجلس أحدث إصدارات الساعات وأخبار هذه الصناعة، واستكشفوا مجموعة من الإصدارات المحدودة التي ابتكرها عدد من كبار الصنّاع بطلب من شركة أحمد صديقي وأولاده احتفاء بالذكرى التأسيسية الخمسين لاتحاد الإمارات. وعلى هامش المجلس، عُرضت ابتكارات متفرّدة شملت روائع أعمال ميكي إيليتا، صانع الساعات اليوغوسلافي الذي يقارب الوقت من منظور إبداعي متمايز يرقى بأعماله التي يصنّعها يدويًا إلى مرتبة التحف الفنية.

في المعرض، قدّم إيليتا ثلاث ساعات تزهو ببريق الذهب ووهج الأحجار النفيسة الملونة فيما تصاميمها تدور في كل مرة في فلك فكرة تؤكد على قيمة الوقت، بدءًا من الساعة التي يتهادى إيقاع الوقت فيها على حركة حيوان يفترس الدقائق دقيقة تلو الأخرى، ومرورًا بتصميم يوثّق حركة الكرة الأرضية والكواكب وتعاقب الليل والنهار، وانتهاء بساعة مصممة على نسق مركبة فضائية. 

روّاد صناعة الساعات

دروس تطبيقية ومجلس للجامعين

قد يفتقر معظمنا إلى المستوى الإبداعي الرفيع الذي يتفرّد به ميكي إيليتا، وقد لا نضاهي كبار الصنّاع والحرفيين الذين يتميّزون بعلو الكعب في قطاع الساعات. لكن أسبوع دبي للساعات أتاح للكثيرين من الهواة، من خلال الصفوف التعليمية Masterclasses، اختبار مهاراتهم في هذه الصناعة.

فبمشاركة عدد من الخبراء في صناعة الساعات والأعمال الفنية، قُدمت على هامش المعرض دروس تطبيقية متنوعة شملت بناء المعايير الحركية الميكانيكية، والرسم المنمنم على الميناء، وتطبيق الفن التقليدي للطلاء بالميناء، فضلاً عن تعرّف فن استخدام زجاج مورانو في صناعة الساعات، واستكشاف أوجه الشبه بين تصميم الساعات وتصميم السيارات. 

روّاد صناعة الساعات

دروس تطبيقية ومجلس للجامعين