لم يكن تحقيق الشهرة في الماضي أمرًا يسيرًا مقارنة بما هو عليه اليوم، ولذلك أسبابه الموضوعية، ففي السابق كانوا يملكون أدوات للنشر، أما اليوم فأصبحنا نملك -إلى تلك- أدوات للانتشار، على رأسها عوالم افتراضية مليونية صنعتها مواقع التواصل الاجتماعي، تحكمها خوارزميات خفية، ترشح محتوى بعينه، فيراه الملايين في آن معًا.

فتاة في الثالثة عشرة من عمرها تقريبًا، أطلقت أغنية مدتها 20 ثانية، تمازح فيها صديقة لها في مصعد البناء الذي تقطنه، الفيديو حظي بما يزيد على 2.5 مليون مشاهدة. خلال شهر فقط أصبح عدد متابعي فتاة المصعد نصف مليون متابع، الأمر الذي حفزها على إنتاج محتوى مماثل لفيديو المصعد، مع ما يمكن أن تجود به قريحتها الغضة من أفكار جديدة، تعينها عليه أدوات تسهل عملية التقليد مع تحريك الشفاه لصوت جاهز (Lip sync).

أمام هذا الواقع الذي بات يتكرر يوميًا لم يسعني إلا أن أقف متأملاً، كيف أن مراهقًا في بداية عقده الثاني ينام ليصحو غدًا على شهرة واسعة. فأن تحصل على شهرة بهذا الحجم خلال ليلة وضحاها، فذلك حقًا مثير للتساؤل والاستهجان، هي شهرة سريعة تصبح منهكة لمراهق وعيه في طور التشكل، يقضي جل وقته في البحث عن محتوى "تريند"، ولو على أنقاض أشياء كثيرة، بحسب ما قالته لي صديقة تشكو حال ابنها.

شهرة قد تحرف مسار حياته، وتبدد سنين مفعمة بالطاقة لرسم الطريق على مذبح اللايكات والمشاركات، ولاحقا ربما الدولارات التي ستجعل كلامي هذا عند البعض محض ترهات.

هي شهرة سريعة منهكة، وأضيف أنها آنية كي لا أقول إنها وهمية، فهي لا تدوم طويلاً خصوصًا إذا كان مصدرَها محتوى لحظيٌّ خفيفٌ. فهناك العشرات من المنتظرين في طابور الشهرة، يحملون النوع ذاته من المحتوى السهل.

وكل جديد يأتي يزيح مَن قبله أو يقتطع الكثير من أضوائه، لذلك ترى كل يوم وجوهًا جديدة تحاكي محتوى فتاة المصعد.

ولكن هل كل محاكاة لفتاة المصعد تصنع مشهورًا جديدًا؟ لا بالتأكيد؛ فالشهرة اليوم أسهل من ذي قبل نعم.. لكنها ليست بالأمر اليسير أيضًا.. فالازدحام شديد كما أسلفنا، ولك أن تجري جولة سريعة على إحدى منصات الفيديو القصيرة، لترى عدد من يحاولون تسلق السلم.

هل هناك تجارب ناجحة لمراهقين قدموا محتوى مرجعيًا؟ نعم لا شك، بدعم وإشراف واعٍ من ذويهم، هناك تجارب كثيرة مع تكرار الإشارة إلى أن التركيز على قناة يوتيوب مثلاً من قبل طفل في بداية عقده الثاني ستشغل وقته وتفكيره على حساب كل شيء آخر.

وهنا لست بصدد إطلاق حكم قيمة، أو ممارسة دور وصاية على أي محتوى، خصوصًا أن المحتوى الخفيف قد يكون مسليًا ومضحكًا لكثيرين، لكنه مثل حلوى القطن، بلا أثر رجعي، ويندثر مع كل يوم يمر. ولو أصبح كل جهد النشء الجديد نحو إنتاجه، فأعتقد أن الأمور قد لا تكون بخير.

جرب اليوم أن تسأل طفلاً: ماذا تريد أن تكون في المستقبل؟ ستتلقى إجابة متكررة مفادها "مشهور سوشيال"، أما لماذا يحلم معظم الأطفال اليوم بأن ينتجوا محتواهم الخاص، وينشئوا حسابات وقنوات؟ فالجواب ببساطة: محاكاة لمشهور يتابعونه ويتأثرون به، أو ربما استسهال للجهد وإكبار للنتيجة. ودائمًا تحضر فتاة المصعد كنموذج يراه يوميًا، فهي لم تفعل شيئًا، وحققت كل تلك الشهرة  "فلمَ لا أفعلها أنا أيضًا؟"، يقول مراهق.

هو إذن من وجهة نظري تيار جارف، لن نستطيع تجنيب أطفالنا مفاعيله السلبية، يرى بعض الأهل ألا يقفوا حائلاً دونه، ويسمحوا لأبنائهم بإنشاء حسابات تحت الإشراف، فيما يعتقد آخرون أن البداية فقط تفتح الطريق لما لا يرغبون. ولا شك أن تخفيف حدة تأثير ذلك، وتقنينه، يقع على عاتق الأهل، وقدرتهم على الصبر والمطاولة، أعانهم الله على ذلك.