يُصيبك حزن فتعتقد أن حياتك ستنتهي من بعده، ولن ترى يومًا آخر جميلاً.. يقتل الوقت الحزن وتعود حياتك شبه طبيعية وربما أفضل من ذي قبل. تُحقق حلمًا فتعتقد أن حياتك بدأت الآن وحققت السعادة التي كنت تنشدها.. يطفئ الوقت بريق ما حققت وتعود إلى ما قبل تحقيق حلمك!

هذا ما نشعر به جميعًا، لدرجة دفعت فيلسوفًا للقول: «هُناك مأساتان في الحياة: الأولى هي أن تخسرَ ما يتمناه قلبُك، والأخرى هي أن تحصُلَ عليه». (جورج برنارد شو)

وربما قصد في الثانية أنّ تحقيق الأشياء يفقدنا اللهفة وذلك مأساة كبرى في نظره. فلماذا تصبح الأهداف عادية عندما نحققها؟ لماذا تصبح الأحلام عادية عندما تصبح واقعًا؟ لا يتناقض ذلك مع الرضا والحمد، لكن يكفي أن تراقب سلوكك الشخصي لتشعر بأن ما أسلفت واقعٌ بجانب كبير منه.

صدمني صديق لي حارب الدنيا ليتلقّى عرضًا وظيفيًا من مؤسسة عالمية رائدة.. وعندما تلقاه جُن جنونه.. واستمر يومًا على هذا المنوال.. بعد عام سافرت لألتقيه، وفي الطريق تخيلت عابثًا لو أن تلك السعادة الغامرة لا تزال تسيطر عليه، وبالتأكيد عندما التقيته كان ذلك الشاب المتوازن الرصين المشغول طوال الوقت.


العلم يقول في ذلك إن الإنسان الطبيعي في علاقتة مع الحزن والسعادة رهن لـما يعرف بـ«مؤشر البهجة» أو تكيف المتعة  hedonic adaptation، وهو نقطة ثابتة لمزاج الإنسان العام تتحكم به الأحداث صعودًا إذا كانت سعيدة، وهبوطًا إذا كانت حزينة. بينما يعيد الوقت المزاج قريبًا من «مؤشر البهجة»، وبذلك يخفت الفرح ويتلاشى الحزن.

الأبحاث تشير إلى أن ذلك قد يحتاج إلى مدة تصل إلى عام. وتقدم سونيا ليوبوميرسكي، أستاذة علم النفس بجامعة كاليفورنيا، ومؤلفة كتاب نهج السعادة، أمثلةً على ذلك: فلو أنك ربحت مليون دولار، فإنك في لحظتها قد تطير من الفرح، وربما ما يشبه الجنون، لكن لو عدت إليك بعد عام، لوجدتك في الحال ذاته الذي عهدتك عليه في الأعم الغالب.

الأمر كذلك ينطبق على فقدان عزيز، فبعد عام ستعود إلى سابق عهدك، ويزول حزنك. وأشير هنا إلى أن هذه المدة ليست ثابتة، وتختلف من شخص إلى آخر، كما أنها لا تنطبق على شريحة تميل إلى البقاء حبيسة الأحزان.

وتعني الفرضية، بشكل أكثر وضوحًا، أننا نحن البشر نميل إلى العودة شيئًا فشيئًا إلى مستوى ثابت من درجات السعادة بمرور الزمن بعد الحوادث، سواء كانت حوادث موجعة (ربح مال، ترقية، بيت جديد) أو سالبة (فقدان أحدهم، أزمة انفصال..).


فبرغم ما يبدو للوهلة الأولى أنه حدث قد يغير حياتنا بشكل جذري فإننا -مع الوقت- نعود لندور حول ذلك المستوى الثابت من السعادة، أعلى منه قليلاً أو أسفل، والذي أطقنا عليه اصطلاحًا «مؤشر البهجة».

لذلك تجد أن أحداث حياتك لا تمدك بالمستوى نفسه من المشاعر.. حزنًا كانت أم فرحًا، ولك أن تتخيل لو أن ذلك حدث، كم كان من الصعب على من حولك أن يتعاملوا معك، ولأصبحت شخصًا إما تعيش جنون الفرح وإما انعزال الحزن.. ولا ترغب في صعود قمم جديدة.