يقول صاحب صالة الفنون إيفان فيرت بنبرة استعراضية: "إننا ننشط في مجال ساحر". تفتن اليوم الأعمال التي تعرضها صالة هاوزر أند فيرت الشهيرة، التي أسسها قبل نحو 30 عامًا مع زوجته وأمها، تفتن زوّار فروع الصالة الموزعة على كبرى عواصم الفن، بما في ذلك نيويورك، ولوس أنجليس، ولندن، وهونغ كونغ، وعلى وجهات يقضي فيها جامعو الفنون أوقات عطلاتهم مثل جستاد وذا هامبتونز.

Ibfotomotor/AdobeStock
قرية الصيادين بينيبيكا فيل Binibeca Vell بأكواخها التي تتدثر بكسوة بيضاء.
 

لكن قد يصح القول إن هذه الجاذبية الخاصة التي تتمتع بها الصالة تكمن في مقدرتها على ابتكار مشهد فني معاصر في أماكن غير متوقعة. بل إن هذا ما دفعني إلى زيارة إيسلا ديل راي Isla del Rey، الجزيرة بالغة الصغر التي تنبسط في ماهون، أحد أكبر الموانئ الطبيعية في العالم، في مينوركا، إحدى جزر البليار الإسبانية.

Eduardo Chillida
منحوتة Elogio del vacío VI, Corten التي أبدعها إدواردو تشييدا سنة 2002 تزيّن اليوم المسار الخارجي في صالة هاوزر أند فيرت مينوركا المستحدثة في قاعدة بحرية مستعادة فوق جزيرة إيسلا ديل راي.

تحتجب مينوركا، إحدى جزر البليار الأقل شهرة والجوهرة الخفية للسياحة في إسبانيا، على مرأى من الأنظار. لكنها تنبعث هذا الصيف واحة للفنون ولأطايب تمتع الذائقة.

هنا، في ما كان يشكل سابقًا مهاجع وأبنية ملحقة بمستشفى يمكن بلوغها عبر رحلة قصيرة على متن عبّارة تنطلق من ماهون، ستكشف صالة هاوزر أند فيرت عن مشروعها الأحدث: مركز فني يضم واحة للمعارض تمتد على مساحة 11,300 قدم مربعة، ومسارًا خارجيًا للأعمال النحتية، بالإضافة إلى مطعم، ومتجر، وحديقة تزخر بالأزهار المحلية التي استنبتها بييت أودولف الشهير بابتكاره متنزه هاي لاين High Line. تحتل اليوم الفناء الخارجي للمركز واحدة من منحوتات لويز بورجوا الشهيرة المبتكرة في هيئة عناكب عملاقة، فيما تنتصب منحوتة تجريدية للنحات الإسباني الباسكي إدواردو تشييدا وسط بستان صغير يشرف على الميناء.

وينشط فريق العمل لإعداد المعرض الافتتاحي الذي سيضم مجموعة من اللوحات والمنحوتات التي أبدعها الفنان الشهير مارك برادفورد المقيم في لوس أنجليس. عند افتتاح مركز هاوزر أند فيرت في مينوركا هذا الصيف، من المتوقع أن تكتسب الجزيرة البعيدة عن الأضواء مكانة جديدة أكثر رفعة وأن تستقطب دفقًا من الزائرين المؤثرين عندما يتعلق الأمر بالذائقة الفنية.

على ما هو معلوم، حيثما يحتشد روّاد الفنون تلحق بهم الفنادق والمطاعم والمتاجر الفاخرة، فيزدهر سريعًا سوق العقارات. يحسن الفنانون وأصحاب الصالات الفنية تعرّف المواقع المناسبة عندما يصادفونها، أو أنهم يجيدون استحداثها، ومينوركا تستوفي الشروط حتمًا. تنبّه القطاع الفندقي إلى الاهتمام المتنامي الذي حظيت به صالة هاوزر أند فيرت خلال السنوات الأخيرة. يقول بابلو كارينغتون، صاحب فندق تورالبينك Torralbenc في مينوركا: "لا شك في أن الصالة ستشكل عنصر جذب هائل، وستسلط الأضواء على معالم الجزيرة الأخرى وكنوزها التي تبقى اليوم غير معروفة على نطاق واسع".تحتجب منورقة، أو مينوركا، إحدى جزر البليار الأقل شهرة، على مرأى من الأنظار. لكنها تنبعث هذا الصيف واحة للفنون ولأطايب تمتع الذائقة. 

الاكتشاف العظيم للسياحة في إسبانيا

El Greco 1973/Shutterstock
ترتسم ماهون لوحة يعترش التاريخ جنباتها وبيوتها التي ما فتئت ترجع أصداء زمن الاستعمار البريطاني في القرن الثامن عشر.

لم يسبق لمينوركا، التي تتميّز بروح شبابية صديقة للبيئة، أن استقطبت تلك الحشود التي ألفتها إيبيزا، الجزيرة الشهيرة بحفلاتها الصاخبة، أو حتى مايوركا، العضو الأنيق في الأرخبيل والذي شكل منذ زمن بعيد وجهة يقضي فيها فيرت، المولود في سويسرا، موسم الصيف مع زوجته مانويلا ووالدتها أورسولا هاوزر. كما أن لويس لابلاس، المعماري المقيم في باريس والذي يتعاون مع العائلة في مشاريع عدة، يمتلك أيضًا منزلاً هنا.

قبل سنوات عدة، شرع الزوجان فيرت يفكران في البحث عن منزل خاص بهما لقضاء عطلة الصيف، وأوكلا إلى لابلاس مهمة العثور على العقار المناسب. وقع الاختيار أخيرًا على مينوركا. يقول إيوان، الذي شغفته الجزيرة بالرغم من أنه لم يكن يمضي فيها في كل مرة أكثر من يوم واحد: "أعد لويس دراسة وافية ومعمقة عن الجزيرة، وعندما زرناها في أعقاب ذلك، كان منظورنا هذه المرة مختلفًا كل الاختلاف. مضت خمسة أعوام على تلك البدايات".

عمد كل من الزبون والمعماري إلى شراء بيت ريفي في مينوركا. وفي هذا يقول لابلاس: "تفتنني الجزر كلها، سواء أكان يغلب عليها طابع راق أم صاخب. أما مينوركا، فأجدها واحة فردوسية".

سرعان ما شملت مخططات إيوان، على ما هو متوقع، الجانب الفني. أثارت إيسلا ديل راي اهتمامه، فاستعلم عن الأبنية فيها. ثم التقى لابلاس مع لويس أليخاندريه، رئيس جمعية إيسلا ديل راي التي يديرها المجتمع المحلي، والتي واظب المتطوّعون فيها على تخصيص عطلات نهاية الأسبوع منذ عام 2005 للمشاركة في استعادة القاعدة التي ظلت مهجورة حتى ذلك الحين.

كان كل من لابلاس وأليخاندريه قادرًا على تصوّر تلك الجزيرة بالغة الصغر في البحر الأبيض المتوسط تتحوّل إلى نموذج يشبه سومرسيت في إنكلترا حيث تحدّت هاوزر أند فيرت المألوف والمتوقع بافتتاحها سنة 2014 واحة عند أطراف بلدة بروتون المحتجبة بعيدًا عن زحمة الحشود. دعا الزوجان فيرت أليخاندريه ووفدًا من زملائه المتطوعين في الجمعية لاستكشاف هذه البلدة عن كثب. وفي هذا يقول أليخاندريه: "تجلّت زيارة بروتون واحدًا من أفضل القرارات التي اتخذناها. صحيح أننا لسنا خبراء في الفن المعاصر، غير أننا اطلعنا على نموذج عن مشروع يمكن دمجه في الجزيرة مع مبادرتنا"، التي تشمل متحفًا طبيًا في المستشفى الذي يعود إلى القرن الثامن عشر.

مقاربة شمولية

BE CREATIVE
صورة التُقطت من علو لصالة هاوزر أند فيرت مينوركا في إيسلا ديل راي، هناك حيث حوّل المعماري لويس لابلاس المهاجع المهجورة إلى واحة للمعارض الفنية.

تكمن جاذبية الجزيرة في بساطتها. إنها بعيدة كل البعد عن مظاهر التكلف، وهذا برأيي ما تعنيه الرفاهية الحقيقية.

كانت سومرسيت أول موقع خطر للزوجين فيرت أن يجمعا فيه بين الفنون الرائعة (تشمل محفظة الصالة من مشاهير الفنانين المتميزين سيندي شيرمان وغلين ليغون)، وموقع جميل يحتضن أبنية تراثية أعاد لابلاس ابتكار تصاميمها، ومطعم يقدّم مأكولات معدة من مكوّنات طازجة، فضلاً عن مقاربة تأخذ في الحسبان المجتمع المحلي الأوسع نطاقًا. يقول إيفان: "إن السحر الطبيعي للموقع هو حصان طروادة لنا"، بل إنه يضفي حلاوة على تجربة الفن المعاصر التي لا تخلو في غالب الأحيان من التحديات على ما يشير.

لكن أحد العوامل الرئيسة التي ضمنت نجاح المشروع في سومرسيت تمثّل بالعلاقة الوثيقة التي بنتها الصالة مع السكان المحليين من خلال الأسلوب الساحر بلا شك للزوجين فيرت، والبرامج الاجتماعية التي ناصرتها مانويلا، وهي مدرّسة سابقة، والتي تشمل تقديم صفوف دراسية مجانية في موضوع الفن للأطفال في المنطقة. يصرّ الزوجان فيرت على ابتكار صالة تهتم بمجتمعها وليس كيانًا فنيًا غريبًا يحط رحاله في مجتمع ما مثل مركبة قادمة من الفضاء الخارجي. بل إن الزوجين المولودين في سويسرا اندمجا في الثقافة الإنكليزية الريفية، فباعا منزلهما في غربي لندن (إلى آل بيكهام) وانتقلا مع العائلة إلى سومرسيت حيث يعيشان اليوم على أرض مزرعة عضوية تزوّد مطعم الصالة بالمكونات الطازجة.

استورد الزوجان هذه المقاربة إلى مينوركا حيث عمل لابلاس مجددًا على استعادة أبنية مهجورة، وحيث تنشط الصالة يدًا بيد مع المجتمع المحلي. يعمل اليوم الفنان مارك برادفورد مع طلاب الفنون المحليين على ابتكار جدارية في الجزيرة. تصف مار ريسكالفو بونز، مديرة هاوزر أند فيرت المولودة في مينوركا، التعاون بين الصالة والجمعية بالعلاقة التبادلية وتقول: "إننا نضع ماهون على خارطة الفن المعاصر فيما نستفيد في المقابل من المعارف والخبرات المحلية".

تأثيرات تاريخية

Rulan/Shutterstock
في سيوتاديّا، عاصمة مينوركا القديمة، ينتصب قصر المجلس البلدي معلمًا تاريخيًا يحرس الميناء الصغير من علو.

قد يصح القول إن البساطة الشاملة تشكل جزءًا من هوية مينوركا، لا سيّما وأن الجزيرة صُنفت سنة 1993 إحدى محميات اليونيسكو للمحيط الحيوي، ما يعني أن القرارات الرسمية كلها تحتكم إلى الاهتمام بالبيئة في مينوركا وبرفاه أهلها. لذا تشمل مخططات لابلاس لفناء الصالة الخارجي ومطعم كانتينا أثلامًا للسحليات الصغيرة، المتفردة في إيسلا ديل راي، لتتسلل عبرها، ومواقع لتحتجب في خفائها، فيما تركّز العديد من فنادق الجزيرة ومطاعمها الجديدة في جهودها على مساعي الاستدامة والمصادر المحلية للأطعمة التي تقدمها.

ثمة عنصر جذب آخر يتمثل بتاريخ مينوركا الإسبانية ووجودها في عصور ما قبل التاريخ. تتناثر في مختلف أنحاء الجزيرة مواقع أثرية ترجع إلى الحضارة التليوتية المميزة التي اشتهرت في هذه المنطقة قبل أن يغزو الرومان الجزيرة. بعد الرومان، حضر المسلمون ثم طُردوا سنة 1287 بقسوة على يد ألفونسو الثالث ملك أراغون الذي حملت إيسلا ديل راي (أي جزيرة الملك) اسمه لأنها شكلت أول موطئ قدم له على يابسة مينوركا قبل أن يشنّ هجومه.

في النهاية، باتت مينوركا تشكل جزءًا من المملكة الإسبانية الموحدة قبل أن تسيطر عليها بريطانيا في القرن الثامن عشر. لا يزال التأثير البريطاني جليًا في ماهون، حيث النوافذ جورجية الطراز التي تميزها ألواح متعددة تنزلق عموديًا تؤطر العديد من البيوت الريفية الأنيقة التي يسكنها التجار، وحيث المصطلحات المستوردة من بريطانيا لا تزال حاضرة في لغة أهل مينوركا الكاتالانية. بل إن هذا التأثير لا يغيب عن المطبخ المحلي أيضًا. فالمستعمرون كانوا يشحنون إلى مينوركا الأبقار الفريزية، وجزء كبير اليوم من القطاع الزراعي في الجزيرة يرتكز إلى مزارع الألبان التي تنتج جبن كيسو دي ماهون الشهير.

ظلت السيطرة على مينوركا موضوع نزاع بين فرنسا وإسبانيا والبريطانيين إلى أن انضمت الجزيرة مجددًا إلى إسبانيا سنة 1802. ولم تطرأ حملة الغزو التالية إلا في نهاية الحرب الأهلية الإسبانية سنة 1939، عندما شكلت الجزيرة واحدًا من آخر معاقل الجمهوريين التي أسقطها القوميون تحت قيادة الجنرال فرانكو. لكن حقد الجنرال طويل الأمد على مينوركا أنقذها على ما يبدو من أسوأ ما في التطور السريع الذي شوّه الخطوط الساحلية في البلاد عندما شُرعت فضاءاتها أمام حركة السياح الأجانب الكثيفة في ستينيات القرن الفائت وسبعينياته، وبدأ فرانكو يغدق ميزانيات التطوير على إيبيزا ومايوركا المجاورتين.

رفاهية بغير تكلف

Daniel Schäfer
حوض السباحة في فندق كان فاوستينو الذي يستوطن قصرًا أرستقراطيًا قديمًا.

يقول لابلاس: "تكمن جاذبية الجزيرة في بساطتها. إنها بعيدة كل البعد عن مظاهر التكلف، وهذا برأيي ما تعنيه الرفاهية الحقيقية"، مشيرًا إلى الواجهة البحرية حيث مركبات الأجرة المائية تنقل الزائرين من مركز الصالة وإليه. يضيف لابلاس: "لا تشهد الجزيرة زحمة حشود ولا زحمة سير، خلافًا لما هو عليه حال إيبيزا ومايوركا في موسم الذروة".

في ما يخص المديرة بونز، تكمن إحدى المباهج التي أتاحتها عودتها إلى الجزيرة في الشعور الرائع الذي تختبره عندما تسبح في مياه البحر بعد انتهائها من العمل خلال النهار، وتتوجّه إلى مطعم إل ميرادور El Mirador الذي يتميز بإطلالته على ميناء ماهون.

يشمل نظام آل فيرت الحياتي في أثناء وجودهم على الجزيرة تسوّق السمك في سوق السمك بماهون، أو التوجّه إلى متجر Antics Antigüedades للبحث عن قطع أثاث أثرية.

وتنصح مانويلا بزيارة مطعم سمارادور S’Amarador في مدينة سيوتاديّا Ciutadella "للاستمتاع بالإطلالات الرائعة على الميناء وبأطباق الباييّا Paella الشهية" على ما تقول. كما أنها تحب حضور عروض الأوبرا في مسرح تياترو برينسيبال Teatro Principal في ماهون، الذي يُعد أقدم دار للأوبرا في إسبانيا (تولى برادفورد تصميم الملصق الإعلاني الخاص بالترويج لبرنامج الدار في موسم 2021). فضلاً عن ذلك، يستمتع الزوجان بتناول طبق يخنة الكركند Caldereta de Langosta في مطعم سا ياغوستا Sa Llagosta في ميناء الصيادين القديم بقرية فورنييس Fornells عند الطرف الشمالي الأقصى من الجزيرة (في حين أن المحافظين يؤثرون ما يقدّمه هناك مطعم إس كرانك Es Cranc).

أن يعمد أهل مينوركا إلى تحويل الكركند، الذي يشكل طعامًا نموذجيًا للأثرياء، إلى يخنة بيتية نوعًا ما ولكن شهية المذاق، قد يعكس سلوكًا متجذرًا في طبيعة الجزيرة. لكن هذا ما ينشده الموسرون من أهل برشلونة عندما يبحرون إلى فورنييس. هذا ما كان عليه حال الملك السابق خوان كارلوس الذي اعتاد في ثمانينيات القرن الفائت وتسعينياته أن ينطلق في رحلة بحرية إلى فورنييس من مقره الملكي الصيفي في مايوركا (قبل أن يتنازل عن العرش ويرتحل لاحقًا إلى أبو ظبي).

في سياق نزهة عبر أرجاء الجزيرة، حدثتني المرشدة المرافقة لي، إيزابيل مارتن، عن زائر أمريكي حضر إلى ماهون على متن يخت فاره وطلب اصطحابه في جولة سريعة. تقول مارتن موضحة: "اصطحبته إلى الأماكن التقليدية"، وضمنها مونتي تورو، النقطة الأعلى التي تتيح رؤية الجزء الأعظم من الجزيرة، بما في ذلك الساحل الشمالي الذي يكاد يفتقر إلى أي شكل من أشكال التطوير. تتوزّع هنا شواطئ معزولة لا يمكن بلوغها إلا على متن قارب أو سيرًا على الأقدام، ربما عبر مسارات الجياد القديمة Camí de Cavalls التي جرت استعادتها.

رافقت مارتن أيضًا الزائر الأمريكي إلى متنزّه سالبوفيرا ديس غراو S’Albufera des Grau الوطني وإلى عدد من مئات المواقع التي تعود إلى عصور ما قبل التاريخ. لكن أكثر ما افتُتن به الزائر كان البوابات المميزة المصنوعة من خشب أشجار الزيتون والتي يتأتى للمرء رؤيتها في مختلف أرجاء مينوركا، شأنها في ذلك شأن الجدران الحجرية. كما أنه استحسن مقدرة مارتن على تعديل الجولة بسرعة لتشمل محترفًا يتيح له أن يرى بأم العين كيف تُصنّع هذه العناصر بالطريقة نفسها التي كانت معتمدة قديمًا. تقول مارتن: "قد أحب ذلك حقيقة".

واحات التميز 

Daniel Schäfer
فندق كريستني بيدفور ذو الطابع الحميم والأنيق.

أماكن الإقامة

تضم العاصمة ماهون العديد من الفنادق الصغيرة التي تحتل بيوتًا ريفية جرت استعادتها. ويتصدر كان ألبيرتي هذه الفنادق، محتضنًا 15 غرفة وجناحًا تزاوج في تصميمها بين أعمال فنية معاصرة وقطع أثرية يعكس اختيارها ذائقة رفيعة.

يتميّز الفندق أيضًا بموقعه المثالي مباشرة قبالة قصر الحاكم السابق الذي ما فتئ يحتفظ بسحر طابعه الجورجي. تستفيد الشرفة التي أقيمت فوق السطح من نسائم البحر العليلة حتى في الأيام الأشد حرًا. يجمع أيضًا فندق خاردي دي سيس برويكسيز Jardí de Ses Bruixes، الذي افتتحه معماريان محليان في موقع مكاتبهما السابقة، بين قطع المفروشات عتيقة الطراز واللوحات المعاصرة.

وفي الفناء الخلفي الظليل، أقيم مطعم صغير يشرف عليه صالون رائع للأعمال الفنية الحديثة. أما فندق كريستين بيدفور Cristine Bedfor ذو الطابع الحميم والأنيق، والذي يضم حوض سباحة خاص، فيُشكل أحدث إضافة إلى فنادق ماهون لكنه على الأرجح لن يكون الأخير.

عند الطرف المقابل من الجزيرة، وتحديدًا في سيوتاديّا ، العاصمة القديمة، جرى تحويل قصر أرستقراطي إلى فندق كان فاوستينو، أول ملكية لمجموعة روليه إيه شاتو Relais & Châteaux في مينوركا. يتأتى للضيوف أن ينظروا من طبقات القصر العلوية إلى ما وراء المطعم وحوض الساحة اللذين أقيما في الحديقة، فيشاهدوا ميناء البلدة، وأفق مايوركا إذا كان الطقس صافيًا.

أما في المنطقة الريفية، فيتعارض فندق مينوركا إكسبيريمنتال على نحو مثير للاهتمام مع فندق تورالبينك. فالأول يقدّم نسخة فاخرة عن مفهوم الضيافة المرتكز إلى السياحة الزراعية، على ما تعكس أطباقه الشهية، والجلسات العلاجية في ناديه الصحي، وطابعه الاحتفالي المرح.

صحيح ألا شاطئ هنا، لكن منصة اليوغا المستحدثة فوق أعلى جرف تتيح إطلالة رائعة على صفحة المياه. في المقابل، يغلب على تورالبينك طابع تقليدي وتسود أرجاءه السكينة. وإذا كنتم ترغبون في السباحة في البحر، فإن الشاطئ في كالان بورتر لا يبعد عنه سوى مسافة رحلة لخمس دقائق بالسيارة. نوصي أيضًا بفندق بينيغاوس فيل Binigaus Vell، أحد أوائل الفنادق الريفية في مينوركا والقريب من الشاطئ، فضلاً عن فندق فونتيني مينوركا ذي الملكية الفرنسية (يتبع اليوم أيضًا مجموعة روليه إيه شاتو) والمكوّن من دارين ريفيتين سابقتين تفصل بينهما بضعة أميال.

المطاعم 

يشكل إل روميرو El Romero مطعمًا مستدامًا فاخرًا للمأكولات البحرية يتميّز بقائمة طعام مبتكرة، ويقع في ماهون في ساحة بلازا دي لا كونكيستا.

أما مطعم أرليت، الواقع عند الميناء الذي ترسو على مقربة منه يخوت فارهة كثيرة، فيقدّم أطايب من المطبخ الشرق أوسطي بتأثير فرنسي. يستحق أيضًا فندق مينوركا إكسبيريمنتال الزيارة لتجربة الأطباق التي تجمع بين المطبخ الفرنسي ومطبخ مينوركا التقليدي.

فضلاً عن ذلك، يشكل مطعم كان فيرموت Can Vermut خيارًا مثاليًا لتذوق المقبلات الإسبانية الرائعة، شأنه في ذلك شأن العديد من وجهات بيع هذه المقبلات التي تحتل اليوم نصف سوق السمك في ماهون. وإذا كنتم تنشدون الاستمتاع بإطلالة آسرة على ميناء ماهون، فلا تفوّتوا زيارة مطعم إل ميرادور.

طفرة في قطاع الضيافة

 
حديقة فندق تورالبينك الذي يغلب عليه طابع تقليدي وتسود أرجاءه السكينة.

يبقى الإصرار على الأصالة جزءًا رئيسًا من جاذبية مينوركا التي تفتقر إلى الواحات المعزولة التي تتلألأ سماؤها بالنجوم في مايوركا، وإلى الحياة الليلية الصاخبة في إيبيزا، لكنها تتميز اليوم بمشهد مزدهر في مجال الضيافة الراقية. لا تخلو اليوم بلدة سيوتاديّا من معاني الفخامة. وإذا كانت البيوت الريفية والحصون والمنشآت البحرية في ماهون تشهد على الماضي العسكري والتجاري للميناء، فإن تاريخ سيوتاديّا من حيث كونها العاصمة السابقة ومعقل الطبقة الأرستقراطية في مينوركا يتجلّى في قصورها المهيبة، بما في ذلك القصر الذي يحتله اليوم فندق كان فاوستينو Can Faustino الصغير.

في الظروف العادية، تشهد البلدة مهرجانًا شهيرًا في شهر يونيو حزيران من كل سنة، ويستعرض فرسان متمرسون مهارات جيادهم المحلية المهيبة ولكن الودودة والمدرّبة بإتقان وهي تجوب الشوارع على قوائمها الخلفية فحسب، فيما تتجمع الحشود ويعلو تصفيقها الحار أمام مشهد الفرسان الأرستقراطيين وهم يركبونها بأناقة متجهين إلى القصور أو خارجين منها.

بموازاة ذلك، تحوّل عدد من البيوت الريفية القديمة في ماهون إلى فنادق صغيرة ونُزل فاخرة تعوّض بطابعها الجذّاب عن غياب خدمة واي – فاي سريعة. كان أول هذه الفنادق، وربما أشدها فخامة، فندق كان ألبيرتي Can Albertí الذي يناغم تصميمه على نحو أنيق بين قطع أثرية من مينوركا وأعمال من الفن المعاصر. افتُتحت في الداخل أيضًا مجموعة من الفنادق ذات الطابع الريفي التي تعود ملكيتها إلى شخصيات فرنسية.

تقول امرأة بريطانية تعيش هنا منذ زمن بعيد: "يستحوذ الفرنسيون على كل شيء". وعلى ما جاء في تقرير لوكالة إنغيلز أند فولكرز Engels & Völkers المتخصصة في مجال العقارات السكينة الفاخرة، يشكل المشترون الفرنسيون اليوم 50% من مجموع صفقات الوكالة في مينوركا. غير أن المرأة البريطانية تضيف قائلة: "لكنهم يحققون هنا بعض المشاريع المثيرة للاهتمام".

قد تعني بذلك تحويل بعض المزارع المتواضعة إلى واحات جميلة تستخدم أنظمتها الخاصة للزراعة المائية، وإلى فنادق ذكية مثل الفندق المميز والشهير مينوركا إكسبيريمنتال Menorca Experimental وفندق فونتيني مينوركا Fontenille Menorca. على ما يشير الحاجب في فندق كان فاوستينو، وإن ببعض المبالغة: "لا تبعد ماهون عن باريس سوى مسافة رحلة جوية مدتها 90 دقيقة. لا شيء أسهل من ذلك".

شارك إيرفيه دوروشا من جهته في افتتاح مطاعم ناجحة عدة في لندن قبل أن ينتقل العام الفائت إلى مينوركا ليطلق مجموعة من المشاريع الجديدة التي شملت مطعم آرليت Arlette عند ميناء ماهون. فأحداث العام الفائت جعلت دوروشا يدرك أن "الوقت قد حان للتغيير وللاستمتاع بالحياة على نحو أفضل" على ما يقول مضيفًا: "نحب البحر، وحياة الريف، والطبيعة. لذا استوفت مينوركا الشروط كافة" حتى من دون المشهد الفني فيها.