لطالما أدرك هواة جمع النفائس حول العالم قيمة التفرد، ربما كما لم يدركها غيرهم. وبين الحين والآخر يتوجه اهتمام هؤلاء لإضافة شيء جديد إلى قوائمهم لأفخم وأندر وأرقى ما يمكن اقتناؤه، وضمه لاستثماراتهم الذكية طويلة الأمد في مختلف فروع الجمع، لتتنقل هذه الفرائد بين الأجيال المختلفة، ومن ثم يجري الحفاظ عليها كتأريخ حي لما تمثله من أزمنة. 
ولم يتوقف الأمر عند حدود الساعات والسيارات النادرة والمحدودة الإصدار والأكثر رقيًا، أو عند اللوحات والجواهر المصممة لتحمل اختبارات الزمن، إذ انضمت خلال السنوات القليلة الماضية أشياء كثيرة إلى القائمة، ربما أبرزها سيوف الساموراي التي حظيت بالاهتمام وأخذت مساحتها المستحقة بين سباقات الجمع الفاخرة.

التفرد الياباني

تعد سيوف الساموراي من أغلى السيوف وأكثرها شهرة حول العالم، إذ هي نماذج مضيئة على تقاليد صناعة السيوف اليابانية القديمة، وطرقها اليدوية التقليدية الدقيقة التي تعود إلى قرون مضت.

وكانت رحلة صناعة السيف الواحد تستغرق أكثر من 18 شهرًا، ولهذا ليس من المستغرب أن تبلغ قيمة كل نموذج عدة آلاف من الدولارات، خصوصًا أنه لا يوجد في أرجاء اليابان كلها سوى 180 صانعًا ممن يمتلكون مهارة صنع مثل هذه السيوف.

كما يعد كل سيف من سيوف الساموراي فريدًا تمامًا، ولن تجد منه سوى نسخة واحدة فقط، تحمل بصمة مميزة خاصة بها كحمض نووي لا يتكرر.

إن كل ما سبق قد يجعل سيوف الساموراي أكثر من مجرد أسلحة، إذ تعد أعمالاً فنية فريدة من نوعها، تحمل أهمية خاصة عبر العصور المختلفة، وكأنها تطوي مع كل طبقة من الفولاذ المستخدم فيها روح صانعها وشخصيته المنعكسة في شفرتها النهائية ونمطها الفريد، كما تعكس جزءًا من روح شخصية مالكها الأول. لذلك يُنظر إليها على أنها رموز حالة خاصة ومتفردة، ما يجعلها عنصرًا مثاليًا لهواة الجمع.

ووفقًا للأسطورة، كان يُطلق على أقدم السيوف اليابانية اسم تشوكونو، وظهرت لأول مرة منذ أكثر من 1700 عام، إلى أن بدأت تأخذ شكلها الياباني الخالص عام 700 ميلادي، كما استمرت في التطور من حيث الانحناء ونوع الشفرة والخامات المستخدمة ومدى مقاومتها للكسر.

 سيوف الساموراي.. لماذا حظيت باهتمام هواة الجمع؟

وبحلول نهاية القرن العاشر، كانت اليابان تمر بتغيرات جذرية، فظهر نوع خاص من المحاربين النبلاء اتخذوا أسماء عدة مثل ساموراي وأكا بوشي وأكا بوكي وسونكي، واستخدموا السيوف كسلاح خاص يطبقون به مبادئهم المتفردة. وعلى مدى القرون التي تلت ذلك، وجدت اليابان نفسها في مواجهة الغزاة، ما دفع هؤلاء النبلاء لتطوير أدواتهم الحربية، فولد سيف الساموراي أو الكاتانا (وتعني السيف المنحني) رسميًا.

واستمرت هذه السيوف في تطورها، إلى أن وضع ماسامون المعروف أيضًا باسم جورو نيودو أسس تقليد سوشو في صناعة السيوف، إذ تعد كاتانا ماسامون من بين أفضل سيوف الساموراي الحقيقية التي صنعت على الإطلاق، بينما تطورت تلك الصناعة خلال خمس فترات مرتبطة بتاريخ اليابان، وهي: جوكوتو (تمتد من التاريخ القديم حتى عام 900 م)، وكوتو (من عام 900 إلى 1596م)، وشنتو (من عام 1596 إلى 1780م)، وشينشينتو (من عام 1781 إلى 1876م)، وجيندايتو (من عام 1876 إلى 1945م)، وشينساكوتو (من عام 1953 حتى الآن).

كانت شينشينتو أحلك تلك الفترات في صناعة السيوف، إذ جرى خلالها حل فئة الساموراي. وبنهاية الحرب العالمية الثانية، عاد الاهتمام بصناعة الكاتانا الأصلية بالتقنيات القديمة، فيما حاول بعض الحرفيين استكشاف طرق جديدة، وهو ما نتج عنه سيوف ذات متانة لا مثيل لها.

أبرز أشكال سيوف الساموراي

نظرًا للتاريخ الطويل لسيوف الساموراي، فليس من المستغرب ملاحظة ما شهدته من تطور في الشكل والمضمون، يمكن رصده في أشكال من السيوف، منها:  

- سيوف تاشي، وتميزت بمقبض نصل منحني، مع اتجاه الحافة لأسفل.

- سيوف أوتشيغاتانا التي تفردت بالمقبض المستقيم مع تغير في الانحناء.

- سيوف شين جونتو، التي استخدمت كسيوف رسمية للجيش خلال الحرب العالمية الثانية.

- سيوف دايتو شوتو، وتتكون مت سيفين أحدهما طويل والآخر قصير، وكان يرتديهما الساموراي معًا.

- سيوف دايشو، وهي أكثر أنواع الكاتانا الأصلية شيوعًا إلى الآن.

والحقيقة هي أن هذه السيوف كلها تحمل مواصفات خاصة من حيث صناعتها، مع مكونات وشروط لا بد من توافرها في كل سيف، كالخط التفاضلي في صلب النصل، وشكل الانحناء، والأخدود الطولي على النصل بهدف جعله أخف وزنًا ومقاومًا للتلف مع امتصاص وتوزيع إجهاد الصدمة، والطوق المعدني الإسفيني الذي يستخدم لمنع النصل من السقوط من الغمد الخشبي، والخطاف الذي يستخدم لقفل الغمد على الوشاح، وشكل مقبض النصل وطوله، مع مواصفات أخرى كثيرة كالطول والحلي الموجودة على مقبض السيف وبطانته. وهذه المواصفات المتفردة لكل سيف على حدة تحدد قيمته الخاصة.

سيوف الساموراي.. لماذا حظيت باهتمام هواة الجمع؟

الرقم القياسي

حسب الخبراء، فقد حققت بعض سيوف الساموراي أرقامًا قياسية عند بيعها، بما حملته من مواصفات وتاريخ، وفي مقدمتها سيف ساموراي تاتشي التاريخي الذي بيع بنحو 100 مليون دولار، ليكون بذلك أغلى سيف ياباني صُنع على الإطلاق.

وكان السيف الذي احتفظ بحالة ممتازة حتى يومنا هذا ملكًا لفوكوشيما ماسانوري الذي عاش في القرن السادس عشر، والذي حمل لقب أحد الرماح السبعة لمعركة شيزوجاتاكي الشهيرة.

وبفاصل كبير يحتل المركز الثاني سيف كاماكورا كاتانا، الذي بيع عام 1992 بقيمة 418 ألف دولار، وهو السيف الذي صنع خلال فترة كاماكورا التي توصف بالعصر الذهبي لصناعة السيوف. ويرجح أن نصل هذا السيف يعود للقرن الثالث عشر، ما يجعله أحد أقدم الكاتانات التي اكتشفت والتي صمدت أمام اختبار الزمن. وحسب المراجع فإن هناك 125 سيفًا فقط اكتشفت من هذا النوع، ولكن أيًا منها لم يكن بهذه الحالة الجيدة.

وسيوف الساموراي أو الكاتانا الأصلية عمومًا تصنع من نوعين من الفولاذ الياباني: عالي الكربون ومنخفض الكربون، لأن الفولاذ عالي الكربون صلب للغاية ما يسمح بالحافة الحادة.

وعلى النقيض من ذلك، فإن الكربون المنخفض يتيح امتصاص الصدمات، ما يعني أن كلا النوعين يعملان معًا لمنح هذه السيوف قوة سمعتها المتوغلة في التاريخ الياباني، والتي تشترط أن يجري التصنيع اليدوي في اليابان بوساطة حرفي ماهر، يلتزم بمواصفات مدارس صناعة سيوف الساموراي المختلفة وتعاليمها، ومنها أن يكون السيف حادًا ومتوازنًا بشكل استثنائي ومفصلاً بدقة، وأن يكون مصنوعًا من الفولاذ وليس من الفولاذ المقاوم للصدأ. كما يجب أن يكون لامعًا، مع وتد مميز يحمل النصل إلى المقبض، وغيرها من التعاليم التي منحت هذه السيوف جودتها وشهرتها.
ولكن يبقى السؤال: إذا كانت تلك السيوف تصنع في اليابان فهل من وسيلة لاقتنائها خارج حدودها؟ هو السؤال الذي أجاب اليابانيون عنه بتشريعات تسمح بذلك، إذ يجري تسجيل كل سيف ياباني في وكالة الشؤون الثقافية ومجلس التعليم في اليابان قبل التصدير، لاستخراج شهادة تسجيل لكل سيف بشكل قانوني تحمل اسم مالكه في اليابان.
ولتصديره إلى دول أخرى، يجري إصدار تصريح من الوكالة نفسها مع إعادة ورقة التسجيل الأصلية إلى مجلس التعليم، وهي أمور تستغرق من أسبوعين إلى أربعة أسابيع. ولكن الخبر الجيد هو أن ثمة مؤسسات وشركات تتولى عنك هذه العملية حتى بالنسبة للسيوف التاريخية، ما يعني أن امتلاكك لسيف ساموراي حقيقي أصبح أمرًا ممكنًا.