لم تخلُ نسخة هذا العام من معرض "واتشز أند وندرز" Watches & Wonders (ساعات وعجائب) في جنيف من عنصر إبهار انبثق عن التعقيدات الساعاتية، والابتكارات التقنية، والعودة القوية إلى الجذور.
بداية، شكّل هذا العام محطة مفصلية في تاريخ عدد من الدور العريقة، إذ احتفلت علامات كبرى بذكرى تأسيسها أو بمناسبات مرتبطة بطُرزها الأيقونية.
وقد استوقفتنا فاشرون كونستانتين التي احتفت بمرور 270 عامًا على تأسيسها بطرح الساعات الأشد تعقيدًا في المعرض، بما في ذلك ساعة المعصم الأشد تعقيدًا في العالم والتي حملت اسم Les Cabinotiers Solaria Ultra Grand Complication – La Première واحتضنت 41 تعقيدًا ميكانيكيًا.
ما استثار استحساني أيضًا هو أن الدار لم تكتفِ بإطلاق أي إصدار محدود احتفالي، بل دفعت بحدود الممكن والمألوف، كاشفةً عن إصدارات متنوعة بتعقيدات مختلفة لتذكر الجميع لماذا تحافظ هذه العلامة على مكانتها في أعلى الهرم.
الجدير بالذكر هو أن علامات عدة سارت على النهج نفسه، موجهّة تركيزها نحو التعقيدات الميكانيكية بموازاة استحضار معارفها وخبراتها وإرثها الراسخ. على سبيل المثال، أضافت جاجيه- لوكوتر إبداعات جديدة إلى خط ريفيرسو Reverso أثرتها بتعقيدات تفاوتت بين التوقيت العالمي ومعيد الدقائق.
وفيما ارتقت برميجياني فلورييه بخط Toric ليشمل طرزًا مبهرة معززة بتعقيد التقويم الدائم، أعادت تاغ هوير إحياء ساعة موناكو الأصلية في طراز كرونوغراف أجزاء الثانية Monaco Split-Seconds Chronograph F1 بتصميم يحتفي بسباقات الفورمولا 1. أما بولغري، فواصلت تحطيم الأرقام القياسية، هذه المرة من خلال ساعة التوربيون الأنحف في العالم.
بموازاة ذلك، قدّمت بوفيه نسخة جديدة من تعقيد التوقيت العالمي الذي طرحته العام الفائت، فكشفت عن ساعة Recital 30 التي تستوطن علبة أصغر حجمًا تجعلها أكثر عملية.
كان اللافت أيضًا هذا العام التركيز على الموانئ المصقولة بالأحجار النفيسة، وهو توجّه تُرجم بقوة في إصدارات علامات مختلفة: قدّمت بولغري إصدارًا يأسر الناظرين من طراز Octo Finissimo Tourbillon تباهى بميناء من الرخام، واستحضرت بياجيه خبرتها في هذا المجال من خلال مجموعة من ساعات آندي وارهول Andy Warhol، بما في ذلك ساعة بميناء من العقيق ترقى إلى مرتبة المأثرة الفنية. أما في أوساط الصنّاع المستقلين، فقد لفتت دار بِرنيرونBerneron الأنظار بساعة من طرازMirage تزيّن ميناؤها بأحجار عين النمر واللازورد. يبدو أن الموانئ المزدانة بالأحجار الطبيعية قد عادت لتبقى.
حسان الأخرس، جامع الساعات المقيم في دبي، والمشارك في تأليف كتاب "حكايات الإبداع ترويها دقات الزمن"، أطلق مدوّنة Arab Watch Guide للمحتوى والاستشارات في مجال الساعات، وأسس نادي Arab Watch Guide لهواة الساعات في منطقة الشرق الأوسط.
في سياق آخر، بدا واضحًا أن حجم الساعة الأصغر بات القاعدة الجديدة. فقد أيقنت دور عدة أن الساعات التي تستوطن علبًا صغيرة الحجم باتت تحظى باستحسان واسع النطاق، ما يحتّم عليها عدم إغفال هذا التوجّه في إصداراتها.
والحديث هنا لا يقتصر على الساعات النسائية فحسب، بل يشمل أيضًا الساعات المخصصة للرجال. يكفي شاهدًا على ذلك أن العديد من الصنّاع قلصوا علب ساعاتهم وصولاً إلى قطر 34 ملليمترًا أو 36 ملليمترًا، وهو ما لم يكن أحد ليتصوّره قبل بضع سنوات.
من هوبلو إلى أنجيلوس، ومن أوريس إلى كارتييه، بدأت أحجام الساعات تتقلص والنتيجة تبدو مرضية: إقبال واسع من جامعي الساعات على طُرز أنيقة أصغر حجمًا، تحمل طابعًا عتيق الطراز ويسهل ارتداؤها.
أما على صعيد الألوان، فلا يزال اللون الأزرق يفرض حضوره بلا منازع. قبل بضع سنوات، ساد جدال حول مقدرة اللون الأخضر أو العنابي أو أي لون آخر على انتزاع الصدارة. لكن عامًا بعد الآخر، أثبتت العلامات والاتجاهات في السوق أن الأزرق يبقى سيد الألوان. ففي كل إصدار جديد تقريبًا، تُطرح نسخ تتباهى بتدرجات هذا اللون، ويتصدرها الأزرق الفيروزي.
برز هذا العام أيضًا الميل المتزايد عند دور الساعات إلى التنقيب في السجلات وتحديث الطرز التاريخية عبر إثرائها بجماليات معاصرة. تواصل دار كارتييه مثلاً التركيز على خط Cartier Privé، مستعيدةً، عامًا بعد الآخر، طُرزها الأيقونية، على ما تشهد هذه السنة إصدارات مأثرتها المبهرة Tank à Guichets . وفيما زاوجت جاجيه - لوكوتر بين أسلوب آرت ديكو والسوار الميلاني لطرح ترجمة محدثة لطراز Reverso Tribute Monoface، أعادت فاشرون كونستانتين إطلاق ساعة 222 Historiques في علبة فولاذية يكملها ميناء أزرق لإضفاء مسحة حداثة على الطابع عتيق الطراز للساعة. بل إن دورًا كثيرة أخرى سارت على هذه الخطى لتعيد إحياء تقاليد وشراكات قديمة.
لا بد من الإشارة أيضًا إلى أن الساعات النسائية خرجت في هذه الدورة من المعرض من الظل إلى قلب المشهد. فقد أدرك العديد من الصنّاع أخيرًا الحضور الكبير لجامعات الساعات وشرعوا في إعادة ابتكار طُرز تدمج بين فن صناعة الساعات وصياغة الجواهر. كشفت بياجيه مثلاً عن خط جديد بالكامل باسم The Sixties موجّه لجمهور نسائي أوسع.
وفيما طرحت كارتييه تحديثات لافتة على طرازي Baignoire وPanthère، أطلقت ساعة Tressage في تصميم جريء يعكس ترجمة جديدة لمفهوم الساعات الجواهر. كما فاجأتنا أوريس مرة أخرى هذا العام بتعاون مرح مع شخصية Miss Piggy بلون وردي لافت، مخصص للنساء والرجال معًا!
في العموم، يمكن القول إن صناعة الساعات انطلقت في عام 2025 بزخم قوي، رغم التوقعات المتحفظة. فقد ظنّ البعض أن الركود الاقتصادي سيؤثر على الإبداع وحس الابتكار، لكن ما شهدناه في معرض ساعات وعجائب أتى بخلاف ذلك تمامًا، إذ كشفت الدور المشاركة بمعظمها عن ساعات أعادت إحياء شغفنا بهذا الفن.