أصبح السعي إلى الاستدامة سمة العصر الحالي، إذ تتحول كثير من الشركات في مختلف القطاعات إلى استخدام الطاقة النظيفة المستدامة التي لا تترك أثرًا سلبيًا على البيئة. وربما كان تحول صنّاع السيارات حول العالم إلى المحركات الكهربائية أو الهجينة مثالاً حيًا على هذا السعي، فضلاً عن التشريعات التي تعمل لتسريع التحوّل إلى الطاقة النظيفة.

ورغم  هذه المساعي الحثيثة لتحقيق الاستدامة، إلا أن الطائرات الخاصة ظلت تقاوم هذا التوجّه لأن طبيعة استخدامها لا تُسهل استخدام الوقود النظيف وتُجبر الصُناع على استخدام الوقود الأحفوري. ولهذا السبب تحديدًا، فإن العديد من التظاهرات حول العالم وفي أكثر من 13 دولة اتجهت إلى المطارات الخاصة مطالبة بتحولها إلى الوقود النظيف بدلاً من الوقود الأحفوري.

تظاهرات احتجاجية

نظم كثير من نشطاء البيئة حول العالم وقفات احتجاجية أمام 30 مطارًا خاصًا من أجل مطالب موحدة لتقليل استخدام الطائرات الخاصة. وفي خضم هذه الوقفات الاحتجاجية، اتجه مبعوث الأمم المتحدة إلى قمة المناخ الأخيرة في مصر على متن طائرة خاصة به.

أثار ذلك حفيظة المتظاهرين الذين طالبوا بفرض ضرائب إضافية على استخدام الطائرات المستمر وحظر استخدام الطائرات الخاصة بشكل كامل. وبدلاً من أن تهدأ الأمور، فإن النشطاء اتجهوا مباشرةً إلى منصات التواصل الاجتماعي وتحديدًا تويتر في هجوم على مشاهير الإنترنت الذين يستخدمون الطائرات الخاصة في تنقلاتهم حول العالم مثل إيلون ماسك وتايلور سويفت.

بدأت بعض الحكومات حول العالم تستجيب لهذه المطالب، إذ تفكر الحكومة الفرنسية في زيادة الضرائب المفروضة على مستخدمي الطائرات الخاصة، بينما تخطط هولندا لخفض عدد رحلات الطائرات الخاصة التي تقلع منها.

العوائق أمام التحول للطاقة النظيفة

يرى "الاتحاد الأوروبي للطيران التجاري" أن الطائرات الخاصة تمثل ركنًا حيويًا للغاية في عالم التجارة الجوية بأوروبا، إذ تضيف سنويًا 87 مليار دولار إلى الاقتصاد الأوروبي، لذلك فإن الحل الوحيد هو تحوّل الطائرات الخاصة إلى الطاقة النظيفة حتى لا تخسر أوروبا ركنًا مهمًا من اقتصادها.

ولكن محاولات التحوّل إلى الطاقة النظيفة عند استخدام الطائرات الخاصة تواجه الكثير من الصعوبات المختلفة، لأن الطاقة التي تحتاج إليها الطائرة حتى تعمل بشكل كامل وتحقق مدى سفر طويل لا تتوافر إلا من خلال الوقود الأحفوري.

الجدير بالذكر أيضًا هو أن الطائرات الخاصة بمعظمها تحلق لمسافات تتجاوز الألف كيلومتر بسرعات كبيرة وعلى ارتفاعات عالية، ما يعني أن محركاتها تحتاج إلى قوة كبيرة. بل  إنها تحتاج حتمًا إلى قوة أكبر من تلك التي توفرها المحركات الكهربائية إذا ما أخذنا في الحسبان الطاقة الكبيرة اللازمة لتشغيل أنظمة الحفاظ على الحياة ومعادلة الضغط الجوي في مقصورة الطائرة.

نشطاء البيئة يستهدفون الطائرات الخاصة.. فهل يسرع ذلك بانتقالها إلى الطاقة النظيفة؟

وعند التحول إلى الطاقة النظيفة، فإن الطائرات الكهربائية ستواجه تحديًا آخر، وهو الحفاظ على سلامة مكوّنات البطارية عند التحليق على ارتفاعات كبيرة، إذ قد يؤثر الضغط على هذه المكونات فيتسبب في تلفها مباشرةً أو انفجارها بسبب اختلاف درجات الحرارة على الارتفاعات المختلفة. كما أن بطاريات الطائرات الكهربائية كبيرة الحجم وثقيلة الوزن، وهو ما سيضع حملاً إضافيًا على الطائرة يجعلها تحتاج إلى طاقة أكبر نسبيًا من تلك التي تحتاج إليها الطائرات التي تعتمد على الوقود الأحفوري.

ورغم هذه الصعاب كلها، إلا أن قطاع الطائرات الكهربائية شهد محاولات مختلفة لتقديم نموذج قابل للاستخدام بشكل تجاري، مثل طائرة City Airbus التي تستطيع التحليق بين المدن والمتوقع صدورها رسميًا في عام 2024، أو طائرة Alice التي تعتمد على الطاقة الكهربائية بنسبة 100٪ وتستطيع التحليق بسرعة 450 كيلومترًا/الساعة لمسافة لا تتجاوز 1000 كيلومتر.

أطلقت أيضًا بعض المحاولات لتقديم طائرة تعتمد على الوقود الهيدروجيني بدلاً من الوقود الأحفوري التقليدي. وفيما تستطيع هذه الطائرات تقديم مدى سفر أطول، فإن حجم خزان الهيدروجين والمنظومة اللازمة لاستخراج الطاقة منه تجعلها خيارًا غير عملي يمنعها من تحقيق الانتشار الواسع للطائرات التقليدية.
 
ولكن هل تكون هذه التظاهرات والقوانين الجديدة التي تحاول الحكومات تمريرها سببًا للتحول إلى الطاقة النظيفة؟ توجد سابقة تؤكد هذه الفرضية وهي إجبار شركات السيارات الخاصة على التحول إلى الطاقة النظيفة. فهل يحدث ذلك أيضًا مع الطائرات؟