لقرون جذب اللؤلؤ الطبيعي البشر، فوضعوه في مكانة خاصة لا تكتمل بدونها قائمتهم لأهم الأحجار النفيسة، معتمدين على هذه القطعة الطبيعية الفريدة في التزين لمناسباتهم الأكثر تميزًا، لما لها من سحر لافت وغموض جاذب وجمال لا يقاوم. بل إن اللؤلؤ ارتبط بالكثير من الأساطير القديمة التي نُسجت من حولها، في ظل اعتقادات بأن اللآلئ تجسيد لدموع السماء، أو بأن له خصائص خيالية تجعله قادرًا على إطالة الحياة وتحقيق الرخاء، أو حتى علاج بعض الأمراض!

وبعيدًا عن ذلك كله، ظل اللؤلؤ الطبيعي كنزًا مخبوءًا يستأثر بالأفئدة والعقول، فاجتهد الجميع للبحث عنه، حتى وإن كلفهم الأمر عناء الغوص في أعماق البحار والمحيطات، لاقتناص حباته واحدة تلو الأخرى من بين تلك المحارات الفريدة.

تاريخ قديم وكنز نادر

يعود تاريخ اللؤلؤ الطبيعي لأكثر من 5000 آلاف عام مضت، وقد كانت البداية في منطقة الخليج العربي، حيث اكتشف بعض الصيادين -ربما بالمصادفة- ما تحتويه تلك المحارات من ذوات الصدفتين، حيث يتربع ذلك الكائن الرخوي بين حبات ساحرة المنظر لا تشبهها أخرى على وجه الأرض. وإذ قرر البعض الاحتفاظ بحبات اللؤلؤ بغرض اقتنائها أو حتى مقايضتها وتبادلها، اتسعت رقعة انتشارها حول العالم، فيما استخدمها الناس كلٌ حسب اعتقاده.

ظل الخليج العربي لعقود طويلة المصدر الأول الذي يمد العالم باللؤلؤ الطبيعي، واستمر في ذلك منفردًا. استطاع الغواصون استخراجه منذ عام 2000 قبل الميلاد من منطقتنا العربية، وقد جرت الإشارة إليه بمصطلح "اللآلئ الشرقية" أو "اللآلئ الأصلية". أنتجت هذه المنطقة ما يراوح بين 70% إلى 80% من لآلئ العالم حتى خمسينيات القرن الماضي.

أما النسبة الباقية من اللؤلؤ الطبيعي، فقد استخرجت من مناطق أخرى حول العالم، حيث انتشرت عدوى البحث عن حباته في بقاع مختلفة من كوكبنا، مثلما حدث ابتداءً من القرن السادس عشر خلال الاستعمار الإسباني لأمريكا الوسطى، إذ جرى انتشال كميات كبيرة من اللؤلؤ من المياه قبالة المكسيك وما يعرف اليوم بفنزويلا، حتى أصبح العثور على اللؤلؤ هناك شئيًا نادرًا، وإن حدث تكون الكمية محدودة للغاية.

وفق جمعية الأحجار الكريمة الأمريكية، فقد تم حصاد معظم اللؤلؤ الطبيعي حول العالم بوساطة الغواصين على مدار العصور. كان إنتاج قلادة واحدة من اللؤلؤ الطبيعي يتطلب التضحية بأكثر من 100,000 من محار الرخويات المنتجة للؤلؤ.

وفي ظل ما شهده القرنان الماضيان من أحداث ساهمت في تدمير البيئة البحرية والإخلال بتوازنها، مع التلوث والصيد الجائر والموت المبكر للحيوانات، تعززت ندرة للؤلؤ الطبيعي.

وحسب الخبراء فإن ثمة شروطًا يجب تحققها في المكان الذي يستخرج منه اللؤلؤ، بداية من المياه الدافئة والسماء الصافية البعيدة عن التقلبات الكبيرة، والطبيعة التي تحفظ أصدافه من المفترسات وترعاها، إذ إن الرخويات المنتجة للؤلؤ تفشل في الازدهار بالمياه الملوثة.

فاللؤلؤ هو الحجر النفيس الوحيد من بين 200 من الأحجار الكريمة المعروفة على الأرض الذي يصنعه كائن حي، ومن ثم فإن له روحه وشخصيته الخاصة وتذوقه المميز لمحيطه قبل أن ينتج اللآلئ التي تعد الجواهر الوحيدة على سطح كوكبنا التي لا تحتاج إلى القطع أو الصقل أو التنقيب في جوف الأرض.

لؤلؤة لابيريجرينا La Peregrina التاريخية النادرة

Christie's

هكذا يتكوّن اللؤلؤ الطبيعي

اللؤلؤ الطبيعي وكذلك المستنبت هو حجر كريم عضوي، ينمو داخل أنسجة بعض الرخويات من ذوات الصدفتين، وهي عائلة من 20 نوعًا من الصدفيات تتكون من صدفتين تفتحان وتغلقان من المنتصف للتغذية، وتتخذ شكلاً من اثنين، إما المحار أو بلح البحر، وكلاهما له القدرة نفسها تقريبًا على إنتاج اللؤلؤ ولكن بأحجام مختلفة وفي بيئات مختلفة.

ويتكون اللؤلؤ الطبيعي عندما يفرز الكائن الرخوي مادة الصدف حول أي جسم غريب يغزو قوقعته، مثل حبات الرمل أو أي طفيلي يثير دفاعاته. فهذا الرخوي ورغم أنه مدرع بغلاف خارجي صلب وواق، إلا أن جسمه الداخلي ناعم ورقيق للغاية، ومن ثم فإنه يحتاج إلى الحماية بالداخل أيضًا.

وفي كثير من الأحيان تعلق أجزاء صغيرة من الأجسام الغريبة على جدار الصدفة الداخلي، ولأن هذا الكائن لا يستطيع طردها، فإنه يتخذ وسائل دفاعية لحماية جسمه الرقيق، فيفرز مادتي الكونكيولين والصدف لتغليف هذا الدخيل. ومن هنا يتشكل اللؤلؤ، إذ تعمل المادة الأولى كلاصق، بينما تشكل الثانية معظم جسم اللؤلؤة.

تظل هذه الحبة من اللؤلؤ تكبر باستمرار، إذ تتشكل طبقات متناهية الصغر من الصدف حول المادة المهيجة واحدة فوق الأخرى، ما يزيد حجم اللؤلؤة تدريجيًا في عملية قد تستغرق سنوات عديدة. فقد يستغرق نمو اللؤلؤة الطبيعية التي يبلغ قطرها نحو 4 ملليمترات فقط  حوالي ست سنوات.

وبشكل عام تميل حبات اللؤلؤ الطبيعي إلى أن تكون قشدية اللون، مع درجات تحتية من اللون الأصفر أو الذهبي الزاهي. ويميل بريق اللآلئ الطبيعية إلى أن يكون أعمق وأكثر دقة ولمعانًا.

كما أن اللآلئ الطبيعية عادةً ما تكون أكثر عفوية من حيث الشكل، ما يعني أنها قد لا تكون دائرية تمامًا عند مقارنتها بأي لآلئ أخرى. وهي تتخذ درجة 2.5 إلى 3.0 على مقياس موس للصلابة، لذا فهي تُعد جواهر رقيقة نسبيًا وتتطلب عناية خاصة جدًا.

والحقيقة أن اللؤلؤ الطبيعي نادر للغاية، كنتيجة منطقية لقرون من الصيد الجائر الذي قضى على معظم الرخويات المنتجة له. وتشير التقديرات إلى أن محارة واحدة فقط من بين كل 10,000 محارة هي التي ستنتج لؤلؤة تلقائيًا، ومن هذا العدد المحدود جدًا سيكون ثمة عدد أقل من ذلك يتوفر له من الاستدارة واللمعان ليكون صالحًا للاستخدام في الجواهر عالية الجودة، ما يعني أن اللآلئ الطبيعية الموجودة في السوق اليوم هي في الواقع قديمة، وأنك لن تجد جواهر من هذا اللؤلؤ تباع في المتاجر، بل ستجدها في دور المزادات.

لؤلؤ مستنبت

Pearl Paradise

اللؤلؤ المستنبت

حسب الخبراء فإن بداية التكوين هي الفرق الرئيس بين اللؤلؤ الطبيعي واللؤلؤ المستنبت، إذ تقوم عملية إنتاج اللؤلؤ الطبيعي على المصادفة البحتة التي تجعله يتشكل من تلقاء نفسه. أما اللؤلؤ المستنبت، فهو نتاج مباشر للتدخل البشري من قبل مزارعي اللؤلؤ، الذين يساعدون في بدء عملية تكوين اللؤلؤ.

يقوم هؤلاء بزرع أو احتجاز قطعة من نسيج الوشاح أو مادة مهيجة صغيرة من المياه المحيطة داخل قشرة صدفة الرخوي المضيف، ثم يعيدون المحار إلى الماء. وبمرور الوقت تبدأ عملية تكوين اللؤلؤ بخطواتها المعتادة: يستخدم الكائن الرخوي تكتيه الدفاعي لتغطية الدخيل بالآلاف من طبقات مادة الصدف لتحييد مصدر الخطر، ما سيمنح اللؤلؤة شكلها وذلك التأثير البصري المميز.

كوكيتشي ميكيموتو

K. Mikimoto & Co. Ltd

تعود فكرة استزراع اللؤلؤ إلى رجل الأعمال الياباني كوكيتشي ميكيموتو الذي امتهنت أسرته على مدار قرنين مهنة استخراج اللؤلؤ الطبيعي. ومن ثم فقد اختبر طرقًا مختلفة في ذلك حتى نفذ طريقته عام 1893، عندما لاحظ ارتفاع حجم الطلب مع قلة المعروض من اللؤلؤ الطبيعي.

ونجحت هذه الطريقة قبل أن يحصل على براءة الاختراع في عام 1896، إذ ساهمت في زيادة المعروض، مع جعل الوصول إلى اللؤلؤ الفريد أكثر سهولة وبأسعار معقولة، كما أتاحت تلافي مخاطرة الغوص وإهدار الرخويات النادرة.

ونظرًا للتقدم التكنولوجي في عملية الزراعة، يرى البعض أن اللؤلؤ المستنبت يتمتع بانتظام الشكل وجودة السطح وتعدد الأحجام والألوان، مع انخفاض السعر وسرعة الإنتاج مقارنة باللؤلؤ الطبيعي. والأهم هو التناسق الذي يمكن تحقيقه بسهولة من خلال اختيار نوع الرخويات التي ينتج بعضها لؤلؤًا بألوان وأحجام معينة.

مزارع اللؤلؤ في اليابان

K. Mikimoto & Co. Ltd

ينقسم اللؤلؤ المستنبت إلى فئتين رئيستين حسب نوع المياه التي يجري استزراعه فيها، لؤلؤ المياه المالحة ولؤلؤ المياه العذبة. وضمن هذين الصنفين توجد أنواع رئيسة من لآلئ المياه المالحة الأكثر قيمة مثل: لآلئ بحر الجنوب، ولآلئ تاهيتي، ولآلئ أكويا، فيما تعد لآلئ المياه العذبة هي الأقل قيمة. فبينما تنتج رخويات المياه المالحة لؤلؤة واحدة فقط في كل مرة، يمكن لمحار المياه العذبة أن ينتج حتى 30 لؤلؤة في الوقت نفسه، ولكن بالتأكيد بمواصفات أقل جودة.

ويراوح حجم لآلئ المياه المالحة المستنبتة بين ملليمترين إلى 15 ملليمترًا، وعادة ما تكون مستديرة الشكل وذات لون أبيض أو كريمي، باستثناء اللآلئ التاهيتية السوداء. ويمكن أن تتخذ اللآلئ المزروعة مجموعة متنوعة من الأشكال، بما في ذلك البيضاوي، والدائري، وشبه الدائري، والكمثري، والباروك، والأزرار، والقطرة، والدائرة. وعمومًا فإن معظم اللآلئ بيضاء أو سوداء، لكن يمكنك العثور على اللؤلؤ بألوان أخرى مثل الوردي والفضي.

في منتصف التسعينيات غيرت صناعة استنبات اللؤلؤ في المياه العذبة من نوع بلح البحر المستخدم، كما خفضت عدد الطعوم التي يجري إدخالها في الصدفة، ومن ثم خفضت عدد اللآلئ المنتجة، الأمر الذي جعلها مفضلة لدى بعض مصممي الجواهر لانخفاض تكلفتها وجودتها وتوافرها، وغالبًا ما تكون لآلئ المياه العذبة بيضاء، ولكنها تأتي في مجموعة متنوعة من ألوان الباستيل بما في ذلك الوردي والذهبي، ولكنها بشكل عام أقل لمعانًا من لآلئ المياه المالحة.

اللؤلؤ الصناعي

يعرف الخبراء اللؤلؤ الطبيعي واللؤلؤ المستنبت على أنهما لؤلؤ أصيل، فكلاهما منتج من كائنات رخوة حية من خلال عملية عضوية تحدث في الماء، بالمصادفة أو بالتدخل المدروس. أما اللؤلؤ الصناعي، فيُنتج عادة من الزجاج أو البلاستيك أو أي نوع آخر من المواد داخل المختبر. وعلى الرغم من أن اللآلئ الصناعية يمكن أن تشبه اللؤلؤ الحقيقي إلى حد ما، إلا أنها ليست ذات قيمة تذكر.

اللؤلؤ الطبيعي سحر الجمال الأخاذ

Pearl Paradise

وعمومًا ينصح الخبراء بضرورة التأكد عند شراء اللؤلؤ من بعض الأمور، مثل مستوى اللمعان والانعكاس (كلمت كانت اللؤلؤة أكثر لمعانًا كانت أجمل وأغلى ثمنًا) وجودة السطح (كلما كانت بشرة اللؤلؤ أكثر وضوحًا كانت أكثر قيمة)، وأيضًا شكل اللؤلؤة:  تميل اللآلئ المستديرة تمامًا إلى أن تكون أكثر قيمة من اللآلئ البيضاوية أو غير المستديرة، وكلما كانت أكبر حجمًا كانت أغلى ثمنًا وأكثر قيمة.