يبرز اسم كين غريفين، مؤسس شركة سيتادل Citadel LLC، بوصفه واحدًا من المستثمرين الأكثر نفوذًا في سوق العقارات الفاخرة. بثروة شخصية تُقدّر بنحو 48 مليار دولار، لا يكتفي غريفين بامتلاك منازل فارهة، بل يعيد رسم خرائط الأحياء الراقية في نيويورك وميامي وهاواي، جامعًا بين الفخامة المطلقة والرؤية الاستثمارية بعيدة المدى.

من مانهاتن إلى سان تروبيه، ومن جبال أسبن إلى شواطئ بالم بيتش، تتناثر ممتلكاته بوصفها عناوين على خريطة الأثرياء، في مشهد يجمع بين الهندسة المعمارية النادرة، والمواقع الأسطورية، والصفقات الاستثمارية.

نيويورك.. سجل قياسي في مانهاتن

كتب غريفين اسمه في سجلات العقارات الأمريكية بشرائه شقة بنتهاوس فخمة في مبنى سنترال بارك ساوث تحمل توقيع المعماري الأمريكي الشهير روبرت ستيرن، مقابل 238 مليون دولار أمريكي، لتُصبح الصفقة الأغلى في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية حتى اليوم. 

يمتد هذا السكن المترف على أربعة طوابق كاملة، وتبلغ مساحته نحو 24 ألف قدم مربعة، مع إطلالات بانورامية على سنترال بارك، أحد أبرز معالم نيويورك.

لكن غريفين لم يكتفِ بتلك الصفقة، إذ وسّع ملكيته داخل المبنى بشراء وحدتين إضافيتين في الطابق العشرين، ما رفع القيمة الإجمالية لمجموع ممتلكاته هناك إلى ما يقارب 244 مليون دولار أمريكي. 

وبذلك، أصبح رجل الأعمال من بين أكبر المالكين الأفراد في المبنى الواقع على ما يُعرف إعلاميًا باسم "صف المليارديرات".

ومع استمرار شغفه بتجميع العقارات الأيقونية في نيويورك، عزز غريفين في فبراير 2025، موقعه بين كبار المستثمرين العقاريين من خلال استحواذه على شقة دوبلكس في مبنى بارك أفينيو، أحد العناوين الأكثر فخامة في المدينة، مقابل 45 مليون دولار. 

كانت ملكية هذا العقار تعود سابقًا إلى جوليا كوتش، أرملة الملياردير الصناعي ديفيد كوتش، ويُعد هذا المبنى من المعالم السكنية التي لطالما استقطبت نخبة المستثمرين والسياسيين منذ ثلاثينيات القرن الماضي، وهو يضم وحدات سكنية ذات طابع كلاسيكي ومواصفات أمنية وهندسية نادرة.

نيويورك.. سجل قياسي في مانهاتن

Jabin

ميامي.. جزيرة النجوم

من نيويورك إلى فلوريدا، نقل غريفين رؤيته الطموحة إلى مدينة ميامي، وأحدث نقلة نوعية في المشهد العقاري حين أعلن عن نقل المقر الرئيس لشركة سيتادل من مدينة شيكاغو إلى ميامي، في خطوة وُصفت حينها بأنها ليست مجرد قرار مؤسسي، بل بداية لإعادة تشكيل المشهد العقاري في جنوب فلوريدا.  

بالتزامن مع هذا التطوير، استحوذ غريفين على مجمّع سكني في حي كوكوَنَت غروف مقابل 106.9 مليون دولار أمريكي، في صفقة حطّمت الرقم القياسي لأغلى عملية بيع عقارية في تاريخ مقاطعة ميامي-ديد. 

يمتد العقار على مساحة تقارب أربعة أفدنة، ويشمل قصرين مستقلين: "إنديان سبرينغ" Indian Spring، الذي شُيّد في تسعينيات القرن الماضي بطراز كلاسيكي مخصص للاستضافة، و "فيلا سيرينا" Villa Serena، القصر الأقدم الذي بُني عام 1913 على طراز الإحياء المتوسطي بتوقيع ويليام جينينغز براين، ويُعد اليوم أحد المعالم التاريخية المُدرجة على السجل الوطني للأماكن التاريخية في الولايات المتحدة. وتُقدَّر المساحة المجمّعة للقصرين بنحو 25 ألف قدمًا مربعة.

ومع دخول عام 2023، واصل غريفين تعزيز حضوره العقاري في المدينة، إذ بدأ بتجميع سبع قطع أراضٍ متجاورة في جزيرة ستار آيلاند، أحد أرقى الأحياء المغلقة وأكثرها حصرية في ميامي، حيث يمتلك عدد من المشاهير قصورهم الخاصة.

بلغ إجمالي قيمة الاستحواذات في الجزيرة نحو 169 مليون دولار أمريكي، وتصل المساحة المجمّعة إلى 6.5 فدان، ما يشير إلى نيّته تطوير مجمّع سكني فائق الفخامة يتّسم بالعزلة المطلقة، ويُتوقع أن يكون بمنزلة قاعدة إقامة رئيسة له في جنوب فلوريدا.

ميامي.. جزيرة النجوم

Google Earth

بالم بيتش: مشروع بمليار دولار

في عام 2012، بدأ غريفين رحلة طموحة في عالم العقارات عبر الاستحواذ على سلسلة من الممتلكات المتجاورة على امتداد طريق بلوسوم واي في حي بالم بيتش، أحد المواقع الأكثر حصرية على الساحل الشرقي الأمريكي. 

وكانت أبرز محطاته صفقة في عام 2019 سجّلت رقمًا قياسيًا محليًا، عندما اشترى قصر المنتج المسرحي الراحل تيري ألين كرامر مقابل 104.99 مليون دولار أمريكي.

على مدار سنوات، واصل غريفين توسيع نطاق ملكيته، إلى أن بلغت مساحة ممتلكاته نحو 25 فدانًا من الأراضي الممتدة بين المحيط الأطلسي وقناة إنتركوستال ووترواي Intracoastal Waterway، ما منحه نطاقًا جغرافيًا فريدًا يجمع بين إطلالتين مائيتين قلّ نظيرهما.

ويُشيّد غريفين حاليًا على هذا الامتداد مشروعًا سكنيًا هائلاً يُتوقّع أن يكون الأغلى في العالم عند اكتماله. ووفقًا لتقارير صحيفة نيويورك بوست، تبلغ تكلفة بناء القصر وحده ما بين 150 مليون دولار و400 مليون دولار أمريكي، فيما قد تصل قيمته السوقية الإجمالية إلى مليار دولار أمريكي. 

يمتد القصر على مساحة معيشة تُقدَّر بنحو 50 ألف قدم مربعة، ويضم حدائق منسّقة، ومسبحًا خارجيًا ضخمًا، ومرافق استجمام راقية، فضلاً عن إطلالات مزدوجة على البحر والبحيرة.

وأُفيد سابقًا أن هذا السكن الضخم صُمّم ليكون مقر إقامة والدة غريفين في المرحلة الأولى، على أن يتحوّل لاحقًا إلى منزله الخاص بعد التقاعد، ما يُضفي عليه طابعًا شخصيًا يتجاوز كونه مشروعًا عقاريًا فخمًا.

بالم بيتش: مشروع بمليار دولار

Palm Beach

هاواي: رفاهية استوائية في هوالالاي

بحثًا عن ملاذ استوائي يعكس شغفه بالفخامة، اختار غريفين هاواي لتوسيع إمبراطوريته العقارية. بدأت علاقة كين غريفين بجزر هاواي عام 2009، عندما استحوذ على قطعة أرض خاصة داخل منتجع فورسيزونز هوالالاي على الساحل الغربي لجزيرة بيغ آيلاند، مقابل 11.38 مليون دولار أمريكي. 

يقع المنتجع ضمن منطقة كونا كوست الحصرية، المعروفة بكونها مقصدًا لنخبة المستثمرين العالميين، بمن فيهم هاورد ماركس، مؤسس شركة أوكتري كابيتال Oaktree Capital.

وفي عام 2024، عزّز غريفين محفظته العقارية في الأرخبيل عبر شراء عقار شاطئي ثانٍ في المجمع نفسه، بلغت قيمته نحو 17 مليون دولار. ويُعد هذا المنزل من أبرز العقارات الفاخرة على الخط الساحلي، إذ يمتد على مساحة تقارب 5,600 قدم مربعة، وهو مصمّم على طراز بالي الاستوائي الذي يركّز على الانفتاح المعماري والتفاعل مع الطبيعة.

يضم السكن أربع غرف نوم، وجدرانًا قابلة للطي تُفتح بالكامل على المساحات الخارجية، ما يخلق انسيابية بصرية فريدة، تُكمّلها شرفة خارجية، وجناح مخصص، ومسبح غير متناهٍ يطل مباشرة على المحيط الهادئ. يعكس التصميم بأكمله فلسفة الحياة الهادئة والاستجمام النخبوي، ويجسّد ذوق غريفين في المزج بين الفخامة الوظيفية والطابع الاستوائي الرفيع.

هاواي: رفاهية استوائية في هوالالاي

Four Seasons Resort Hualalai

أسبن: عزلة في قمم روكي

ساعيًا إلى ملاذ شتوي يجمع بين الهدوء والرفاهية، شيّد غريفين ملاذًا جبليًا فائق الخصوصية، في منطقة تايهاك الراقية الواقعة غرب مدينة أسبن، من خلال استحواذه على أربعة منازل متجاورة، اشتراها على مراحل بين عامي 2013 و2024، بقيمة إجمالية قُدّرت بنحو 89 مليون دولار أمريكي.

تُعد منطقة تايهاك جزءًا من مجمع بوتماونتن، المعروف بمسارات التزلج الهادئة والإطلالات البانورامية على قمم جبل روكي، ويُصنَّف اليوم بوصفه أحد الملاذات الشتوية المفضلة لصفوة المستثمرين وروّاد التكنولوجيا. 

وجاءت استثمارات غريفين في هذه البقعة انطلاقًا من فلسفته في دمج العزلة الطبيعية مع الرفاهية السكنية، إذ توفر عقاراته هناك بيئة معيشية مثالية بعيدة عن الزحام، تتناغم فيها الهياكل المعمارية الحديثة مع التضاريس الجبلية المكسوة بالثلوج.

تتميز المنازل الأربعة بتصميمات معمارية تجمع بين الخشب والحجر والزجاج..

 وتضم مساحات معيشة رحبة، ومدافئ تقليدية، وغرف ترفيه، إلى جانب إطلالات خلابة على الوديان المحيطة. 

ويُعتقد أن هذه الممتلكات تُستخدم بوصفها مقر إقامة شتويًا خاصًا، تتيح لغريفين الاستفادة من هدوء المنطقة خلال موسم التزلج، في الوقت الذي تشهد فيه أسبن إقبالاً متزايدًا من المليارديرات الباحثين عن وجهات استثنائية تمزج بين الجمال الطبيعي والتفرّد العقاري.

أسبن: عزلة في قمم روكي

ذا هامبتونز: قصر كالفن كلاين

لتكملة حضوره على الساحل الشرقي، أضاف غريفين لمسة فنية إلى محفظته بشراء عقار أيقوني في هامبتونز. فقد استحوذ على قصر المصمم الأمريكي الشهير كالفن كلاين في ساوثهامبتون مقابل 84.4 مليون دولار أمريكي، ما جعله من أغلى العقارات السكنية التي بيعت في الساحل الشرقي خلال تلك الفترة.

يقع العقار في شارع ميدو لين، المعروف بلقب "صف المليارديرات على الشاطئ"، وهو أحد المواقع الحصرية في شرق لونغ آيلاند. تمتد ملكية غريفين على مساحة تبلغ سبعة أفدنة، وتواجه مباشرة مياه المحيط الأطلسي، ما يمنحها طابعًا من العزلة الطبيعية النادرة والإطلالات البحرية اللامحدودة.

أما القصر، فقد أعيد تصميمه بالكامل في عام 2009 على يد كالفن كلاين نفسه، عقب إزالة الهيكل السابق المعروف باسم رأس التنين Dragon’s Head، والذي كان قد اكتسب شهرة واسعة خلال الثمانينيات بسبب تصميمه البرجي الفريد والحفلات الأسطورية التي استُضيفت فيه. جاء التصميم الجديد ليُجسّد مدرسة الحد الأدنى التي اشتهر بها كلاين، إذ اختار بناء مجمّع سكني مكوّن من ثلاثة مبانٍ مترابطة: إقامة رئيسة، وجناح ضيافة، واستوديو خاص، تمتد جميعها على مساحة داخلية تقارب 13,000 قدم مربعة.

تتميّز الهياكل المعمارية بخطوطها الهندسية النظيفة، وواجهاتها الزجاجية الواسعة، التي تفتح على مناظر الكثبان الرملية والمحيط، فيما تعكس المساحات الداخلية فلسفة التصميم الصامت التي تجمع بين البساطة والرقي. ويمثل هذا القصر اليوم تجسيدًا حيًا لذوق غريفين في اقتناء العقارات التي تمزج بين الحداثة المعمارية، والموقع النادر، والبصمة الإبداعية لرموز التصميم.
 

ذا هامبتونز: قصر كالفن كلاين

Google Earth

لندن: إطلالة على قصر بكنغهام

مع طموح عابر للقارات، اتجه غريفين إلى لندن لإضافة لمسة ملكية إلى استثماراته العقارية. في عام 2019، وسّع الملياردير الأمريكي نطاق استثماراته العقارية إلى قلب العاصمة البريطانية، من خلال صفقة بارزة استحوذ فيها على قصر  Carlton Gardens مقابل 122 مليون دولار أمريكي، ليُسجّل آنذاك أعلى سعر بيع لعقار سكني في المملكة المتحدة منذ عام 2011.

يقع القصر في منطقة سانت جيمس، التي تُعد من أعرق الأحياء الملكية في المدينة، ويُصنّف عقارًا من الدرجة الثانية لما يتمتع به من قيمة معمارية وتاريخية استثنائية. 

شُيّد المبنى في مطلع القرن التاسع عشر على يد المعماري البريطاني الشهير جون ناش، الذي يُنسب إليه تصميم عدد من المعالم الملكية، بما في ذلك ريجنت ستريت وقصر باكنغهام.

يتألّف القصر من بضعة طوابق فسيحة تحتضن مجموعة من العناصر الفاخرة، منها حدائق خاصة ذات تصميم كلاسيكي، ومسبح داخلي، وجناح مخصّص للموظفين. كما يتمتّع بموقع نادر يطل جزئيًا على قصر باكنغهام، ما يزيد من مكانته بين العقارات النخبوية في العاصمة.

وللقصر أيضًا بُعد استخباراتي مثير للاهتمام، إذ استُخدم في السابق من قبل جهاز الاستخبارات البريطاني MI6 بوصفه موقعًا غير رسمي لإجراء مقابلات مع المتقدمين للعمل في الجهاز، ما يُضفي عليه هالة من الغموض التاريخي والتميّز الوظيفي.

لندن: إطلالة على قصر بكنغهام

Dave Porter / Alamy Stock Photo

سان تروبيه: ذاكرة السبعينيات تعود للحياة

في عام 2024، أضاف غريفين لمسة أوروبية إلى محفظته العقارية، من خلال صفقة خارج السوق استحوذ فيها على عقار Domaine de la Capilla، أحد العناوين الأيقونية على شاطئ تاهيتي في سان تروبيه، مقابل مبلغ تجاوز 90 مليون دولار أمريكي.

سان تروبيه: ذاكرة السبعينيات تعود للحياة

Alexandra-Lloyd

تبلغ مساحة الملكية نحو فدانَين من الأرض الساحلية، وتتميّز بإطلالاتها المباشرة على البحر الأبيض المتوسط، وتاريخها العريق الذي يعود إلى أيام المصوّر ورجل المجتمع الألماني غونتر زاكس، الذي اشتهر بأسلوب حياته الباذخ وزواجه من النجمة بريجيت باردو في ستينيات القرن الماضي. وظل العقار في حوزة عائلة زاكس بعد وفاته عام 2011، إلى أن قرر ولداه، رولف وكريستيان غونار زاكس بيعه.

تضم الملكية أربعة مبانٍ سكنية، يتربّع في مقدمتها قصر رئيس بواجهات حجرية أنيقة، ومدفأة ضخمة، وصالونات فسيحة تطل عبر نوافذ مقوّسة على البحر. 

ويكتمل المشهد بمناطق لتناول الطعام في الهواء الطلق، مظلّلة بأشجار معمّرة تضفي على المكان طابعًا من العزلة الطبيعية والسكينة، في موقع لطالما كان مفضّلاً لنجوم أوروبا ونخبتها في ذروة بريق سان تروبيه خلال الستينيات والسبعينيات.

يمثّل هذا الاستثمار امتدادًا لرؤية غريفين في اقتناء العقارات ذات القيمة الرمزية والثقافية، وجاء ليُكرّس حضوره بين كبار الملاك في واحدة من الوجهات الساحلية الأكثر رقيًا على مستوى العالم.