تبدو بورشه على أعتاب كتابة فصل جديد في مسار تطورها الهندسي، مع تلميحات إلى عزمها إعادة إحياء واحدة من أعظم أساطيرها في عالم السباق، ولكن هذه المرة، بمواصفات قانونية للسير على الطرقات العامة.

السيارة التي صنعت مجد بورشه

في شهر أبريل من عام 2025، احتفلت شركة بورشه الألمانية بذكرى مرور خمسين عامًا على قيادة إحدى سياراتها الأيقونية، بورشه 917، من مقرها في شتوتغارت إلى العاصمة الفرنسية باريس، على طرقات عامة، في مشهد لا يقل رمزية عن السيارة نفسها. 

ولم يكن الاحتفاء محصورًا بالماضي، بل حمل في طيّاته وعدًا بمستقبل واعد، إذ ألمحت الشركة إلى احتمال ولادة خليفة روحية لهذه الأسطورة.

عندما نتحدث عن سيارات السباق التي صنعت مجد بورشه، تتربع 917 بلا منازع على عرش تلك القائمة. وُلدت هذه السيارة بين عامي 1969 و1971، واستطاعت أن تُدوّن اسمها بأحرف من ذهب في سجلات التاريخ، وتحديدًا نسخة 917K التي منحت بورشه أول فوزٍ في سباق لومان 24 ساعة لعام 1970، وكررت الإنجاز نفسه في العام التالي.

بإيحاء من الأسطورة 917.. بورشه تلمّح لتحفة خارقة مجازة للطرقات

Porsche

شهيرة ونادرة

بعيدًا عن حلبات السباق، خُلّدت السيارة في أذهان عشّاق السينما والسرعة بفضل ظهورها الشهير في فيلم Le Mans عام 1971، حين قادها النجم الأسطوري ستيف ماكوين، في مشاهد جسّدت الروح الرياضية والنبيلة لعالم السباقات.

وقد يكون أبرز ما يضفي على هذه السيارة هالة من الروعة بين عشّاق بورشه، هو نُدرتها؛ إذ لم يُصنّع منها سوى 65 نسخة خلال سنوات إنتاجها الثلاث. 

ومن بين هذه النسخ، يبرز الهيكل رقم 30، الذي امتلكه رجل الأعمال الإيطالي، غريغوريو روسي دي مونتيليرا، المعروف بلقب "الكونت روسي".

بإيحاء من الأسطورة 917.. بورشه تلمّح لتحفة خارقة مجازة للطرقات

Porsche

نسخة مخصصة للطرقات

رغم أن السيارة صُنعت خصوصًا لحلبات السباق، إلا أن الكونت روسي حلم بقيادتها على الطرقات العامة، فطلب من بورشه إجراء التعديلات اللازمة لتحقيق ذلك. 

وهكذا، تكفّل فريق صغير في مركز فايساخ للأبحاث والتطوير بتعديل النسخة الخاصة به، مُضيفين لها كاتمات صوت للعادم، ومرايا إضافية، ومؤشرات جانبية، وبوق تنبيه، وعجلة احتياطية مخفية بعناية تحت الغطاء الخلفي.

أما المقصورة الداخلية، فقد خضعت لتعديلات خاصة تليق بذوق النخبة من محبي السيارات، إذ زُوّدت بمقاعد جلدية فاخرة باللون الكستنائي الفاتح من تصميم دار هيرميس الفرنسية العريقة، إضافة إلى كسوة من الجلد المقلوب الفاخر لسقف السيارة ولألواح الأبواب ولوحة القيادة. 

غادرت السيارة منشآت فايساخ في 28 أبريل 1975، لتنطلق في رحلة تاريخية إلى باريس عبر مئات الكيلومترات، في مشهدٍ فريد لا يتكرر.

بإيحاء من الأسطورة 917.. بورشه تلمّح لتحفة خارقة مجازة للطرقات

Porsche

هل نشهد ولادة سيارة أسطورية جديدة؟

تجدر الإشارة إلى أن هذه النسخة الوحيدة من طراز 917 التي جرت تهيئتها للسير على الطرقات العامة، ولم يتكرر هذا الإنجاز مجددًا. لكن يبدو أن بورشه، بعد مرور نصف قرن، قد تكون على وشك إعادة الكرّة.

وللاحتفاء بهذه المناسبة، نشرت بورشه أخيرًا مقطع فيديو يوثّق لحظات قيادة هذه السيارة التاريخية مجددًا على الطرقات العامة بعد أن خضعت لعملية ترميم دقيقة على يد مالكها الحالي. 

المشهد بحد ذاته كان مؤثرًا، ولكن اللافت حقًا كان ما ظهر على الشاشة عند الثانية الثامنة والثلاثين مع عبارة "ماذا لو؟"، تلتها لمحة سريعة لسيارة مغطاة بالظلال تُشبه إلى حد كبير الطراز 936 وهي سيارة بورشه الحالية المخصّصة لسباقات التحمل.

هذه الإشارات لم تكن عشوائية، بل بدت كأنها تلميح مباشر إلى نية بورشه تقديم نسخة جديدة من سيارة سباق مستقبلية، ولكن بمواصفات تتيح قيادتها على الطرقات العامة. 

وبالنظر إلى توقيت الإعلان المرتقب، والذي سيحدث في شهر يونيو المقبل، فإن الدلائل كلها تشير إلى أن العرض الكبير سيكون مرتبطًا بسباق لومان 24 ساعة الشهير الذي يُقام في الشهر نفسه.

فهل نشهد قريبًا ولادة "917" جديدة بحلّة عصرية؟ وهل تستعد بورشه لإزاحة الستار عن مركبة خارقة تدمج بين التراث والأسطورة، وبين الفخامة والأداء الجنوني؟ الأيام المقبلة وحدها تحمل الإجابة، لكن المؤكد هو أن عشّاق الأداء العالي والنخبة من محبّي بورشه يترقبون هذه اللحظة بشغف يليق بعظمة 917.