لطالما مثلت الحقائب النفاثة جانبًا خياليًا من مستقبل التنقل. لكن التطور التكنولوجي وجهود الشركات المختصة قرّبا هذا الحلم. كما أن الحقائب النفاثة تقف في منطقة قانونية رمادية غير واضحة، وذلك لأنها لا تحلق على ارتفاعات عالية وتقترب من الأرض، لذلك سيكون من السهل تمرير التشريعات المتعلقة بها واستخدامها دون الحاجة إلى رخصة خاصة لتشغيلها أو التحكم فيها.

يقول ريتشارد براونينغ، الرئيس التنفيذي لشركة Gravity التي تعمل في مجال تطوير الحقائب النفاثة: "طورنا هذه التقنية من أجل متعة الاستكشاف الخالصة. ألن يكون عظيمًا قدرتك على الطيران بهذه الطريقة؟ لا يوجد نموذج واضح للأعمال، ولكن هذا ما يحدث عندما يلتقي الإبداع والطموح مع الخبرات الهندسية العظيمة".

يصف براونينغ التجربة بأنها تشبه تجربة الأبطال الخارقين الذين يطيرون محلقين في السماء لإنقاذ المحتاجين، لذلك أطلق على تقنية الحقائب النفاثة التي طورها اسم "بدلة آيرون مان" تيمنًا بالبطل الخارق الذي يعتمد على المحركات النفاثة للانتقال والطيران.

تحسينات مستمرة من Gravity

يعتمد تصميم الحقيبة النفاثة لشركة Gravity على محرك نفاث كبير يستند إلى ظهر الطيار، وبعد ذلك على محركين صغيرين مثبتين على أذرع ممتدة إلى جانب يديه. تقوم هذه المحركات الصغيرة بالتحكم في الاتجاه الذي ينطلق الطيّار ناحيته، بينما يزود المحرك الكبير في الظهر الحقيبة بسرعتها في أثناء التحليق، كما يساعدها على الانطلاق من الوضع الأرضي إلى الجو بفضل قوته الكبيرة.

عرضت الشركة أول تصميم لحقيبتها النفاثة منذ ثلاثة أعوام تقريبًا، واليوم تعرض النموذج الجديد الذي تعمل عليه والذي استفاد من مجموعة كبيرة من التحسينات التي تشمل زيادة قوة المحركات وخفض وزن الحقيبة حتى تصبح المناورة بها أفضل وأسهل.

وتعد الشركة بتقديم تحسينات إضافية في النماذج المقبلة من الحقيبة، إذ ترغب في تقليل وقت الإقلاع ليصل إلى 15 ثانية فقط، إلى جانب دعم حمل أوزان أكثر وتقليل وزن الحقيبة وجعلها أصغر مقارنة بالنموذج الحالي.

ويرى براونينغ أن أهمية الحقيبة النفاثة تكمن في الاستخدامات الطبية والعسكرية لها أكثر من التنقلات المعتادة أو الاستخدامات داخل المدينة، وذلك لأن المحركات تصدر ضجيجًا مرتفعًا قد يكون مزعجًا للمحيطين بها.

توفر الحقيبة النفاثة اختيارات متعددة لمستخدميها من أجل التنقل والوصول إلى أي مكان بشكل سريع وأفضل مقارنة بما تتيحه وسائل النقل التقليدية، لذلك فإنها قد تغير مفاهيم توزيع القوات الأرضية أو إيصال المساعدات إلى الأماكن الصعبة: قامت الشركة بتجربة محاكاة لمحاولة الوصول إلى متسلق جبال مصاب، وبالرغم من أن الحقيبة حلقت بسرعة 20 كيلومترًا/الساعة، إلا أنها تمكنت من تقليل الوقت المستغرق للوصول إلى المصاب ليصبح 5 دقائق بدلاً من المشي 90 دقيقة وسط تضاريس وعرة.

وتعمل الشركة على تدريب الجنود والمسعفين على حد سواء لاستخدام هذه الحقائب النفاثة، كما أنها تمتلك قاعدة جوية في جنوب إنجلترا من أجل تدريب أي شخص يرغب في استخدام الحقائب النفاثة.

يمكن تجربة الحقائب التدريبية من Gravity في قاعدة غودوود Goodwood الجوية مقابل 3500 دولار لمدة نصف يوم، وتشمل هذه التجربة ثلاث محاولات للتدريب والتحليق. كما يمكن اختبارها ليوم كامل في مقابل 8500 دولار عبر القيام بأكثر من 8 محاولات مختلفة بالاعتماد على الأدوات الخاصة بالتدريب والأمان.

هل تحدد الحقائب النفاثة وجه مستقبل النقل؟

Wilkin Chapman-from Gravity Website

للاستخدام العسكري حصرًا

تُعد شركة Jetpack Aviation إحدى أكبر الشركات الناشطة في هذا القطاع إلى جانب شركة Gravity، وهي تعمل خصوصًا مع الجيش الأمريكي من أجل تطوير التقنية وجعلها قابلة للاستخدام. فبخلاف Gravity، لا ترغب Jetpack Aviation في تقديم تجربة سهلة الاستخدام أو يمكن لأي شخص الاستفادة منها.

بل إنها تهتم بتقديم التقنية للاستخدام العسكري والعملي وليس من حولها وسيلة نقل تقليدية. لذلك فإنها لم تهتم بالتحكم في حجم الحقيبة النفاثة أو محاولة جعلها أصغر قليلاً، بل تركتها بحجمها الحقيقي والكامل من أجل الاستفادة من القوة القصوى للمحرك الرئيس للحقيبة.

أما العقبة الوحيدة التي تواجه الشركة حاليًا، فهي قدرة المستخدمين على تحمّل وزن الحقيبة التي تطلق عليها الشركة اسم JB-12.

وكان الرئيس التنفيذي للشركة ديفيد مايمان قد قام بنفسه في عام 2015 باستعراض تقنيتها للحقائب النفاثة أمام تمثال الحرية، وهذا ما جعل الجيش الأمريكي يهتم بالتقنية ويبدأ بالتعامل مع الشركة. ومن المتوقع أن يبدأ استخدام هذه الحقائب النفاثة في الجيش بحلول مارس المقبل.

يُذكر أيضًا أن شركة Jetpack Aviation تعمل على تطوير مفهوم جديد تمامًا بالتعاون مع البحرية الأمريكية. فقد كانت القوات البحرية تبحث عن حل يشبه الدرّاجات الهوائية ولكن يحلق في الجو، وبسبب هذه الحاجة ولدت الدرّاجة الطائرة ذات المحركات الثمانية.

تطلق الشركة على هذه الدراجة اصطلاحًا اسم Pocket-F35، وهي تعتمد على ثمانية محركات نفاثة قادرة على الوصول إلى سرعة 800 كيلومتر/الساعة. وبفضل تصميمها المدمج المعقد، فإن هذه الدراجة تشبه الطائرات المقاتلة.

وعندما يستخدم طيار هذه الدرّاجة مع حمولة صغيرة، فإن سرعة الطائرة تنخفض لتصل إلى 400 كيلومتر/الساعة مع إمكانية التحليق لمدة ساعة متواصلة.

لا تزال الدرّاجة الطائرة حاليًا في مرحلة التصميم الأولية، لذلك فهي لا تمتلك أي وسائل لتأمين الراكب. ولكن الشركة تخطط للاعتماد على طرق متسقلة بعيدًا عن تصميم الدراجة من أجل تأمين الراكب أو الطيّار.

وتحاول JetPack Aviation إطلاق الدرّاجة بحلول عام 2026، ومن المتوقع أن يكون سعرها أقل عن نصف مليون دولار، بينما تباع الحقائب النفاثة من الشركة نفسها بسعر 400 ألف دولار. أما حقائب Gravity النفاثة، فتُباع بأسعار مختلفة لأنها تُصنع خصيصًا لكل مستخدم على حدة.

هل تحدد الحقائب النفاثة وجه مستقبل النقل؟

Edwin Van Keulen-from Gravity Website

تقنيات منبثقة أخرى

بينما تعد شركتا Gravity وJetPack Aviation أهم الشركات التي تعمل على تطوير الحقائب النفاثة، إلا أن التقنية نفسها تستخدم على نطاق واسع في الطائرات التي تقلع وتحط عموديًا VOTL.

بل إن الكثير من الشركات طورت هذه التقنية للاستخدام التجاري وترى أنها مستقبل النقل الشخصي داخل المدن. كما تعمل هذه الشركات على تطوير تقنيات مشابهة لمركبات الأجرة الطائرة التي تستفيد من هذا الابتكار للإقلاع والهبوط بسهولة في الأماكن المزدحمة دون الحاجة إلى وجود مساحة كبيرة لذلك.