في صباح 19 أكتوبر، شهد متحف اللوفر عملية سطو جريئة استهدفت مباشرة جواهر التاج الفرنسي، في حادثة وُصفت بأنها الأخطر منذ تحوّل المتحف إلى مؤسسة عامة إبّان الثورة الفرنسية.
ففي أقل من ثماني دقائق، تمكّن أربعة أشخاص متنكرين في هيئة عمال من الوصول إلى قاعة أبولو، حيث تُعرض مجموعة التاج الملكي، مستخدمين سلّمًا آليًا ثُبّت إلى مركبة بمحاذاة نهر السين. قطع الجناة إحدى النوافذ بأدوات كهربائية، ثم حطموا صندوقي عرض يضمّان بعض أبرز قطع المجموعة، قبل أن يفرّوا على دراجتين ناريتين تاركين خلفهم تاجًا من القرن التاسع عشر ومحاولة فاشلة لإحراق مركبة الدخول.
ورغم أن التحقيقات لم تكشف بعد عن قائمة القطع المسروقة كاملة، إلا أن ما جرى أعاد تسليط الأضواء على مجموعة جواهر التاج الفرنسي التي يحتضنها اللوفر، بما تحمله من رموز للسيادة والترف والإبداع الحِرفي عبر قرون من التاريخ. فما اختُطف من القاعات لم يكن مجرّد جواهر، بل جزءًا من ذاكرة الملكية الفرنسية نفسها. وفي ما يأتي نستعرض أبرز هذه التحف التي طالتها يد اللصوص أو ارتبطت بالمجموعة نفسها، لتروي وجوهًا من التاريخ على هيئة جواهر.
أوجيني دي مونتيخو.. بين الورع والبريق
جمعت الإمبراطورة أوجيني دي مونتيخو بين ورع شخصي عميق وولع راسخ بالفخامة الرفيعة. ففي عام 1853، أنجز الصائغ الفرنسي ألكسندر-غابرييل ليمونييه تاج اللآلئ الشهير الخاص بها، مرصّعًا بأكثر من مئتي لؤلؤة وما يقارب ثلاثة آلاف ألماسة، تتوزّع في تكوين نباتي يحاكي الأوراق والأغصان برهافة استثنائية. كان هذا التاج بين المقتنيات التي أسقطها اللصوص عند فرارهم، شاهدًا على لحظة تجمع بين الجرأة والإثم، كما كان يومًا رمزًا للسلطة والأنوثة الإمبراطورية.
غير أن قصة أوجيني مع الحلي لم تتوقف عند التاج؛ إذ يروي مشبك القوس الذهبي والفضي المرصّع بالألماس فصلاً آخر من شغفها بالتفاصيل الباهرة. فهو كان في الأصل إبزيم حزام من الألماس يضم أكثر من أربعة آلاف حجر، وعُرض للمرة الأولى في معرض باريس العالمي عام 1855، قبل أن تعيد الإمبراطورة تشكيله في هيئة قوس تتدلّى منه أشرطة تصل إلى الخصر. وبعد سقوط الإمبراطورية، بيع المشبك بأمر الجمهورية الثالثة سنة 1877، لينتقل إلى كارولاين آستور في نيويورك، ثم يتنقّل بين نبلاء إنجلترا على مدى القرن العشرين، حتى استقرّ أخيرًا في متحف اللوفر عام 2008.
The Louvre
جواهر ماري أميلي.. إرث ملكي خالد
كانت ماري أميلي دوبوربون، ملكة الفرنسيين وزوجة الملك لويس فيليب، من النساء اللواتي جمعن بين الذوق الرفيع ورهافة الحسّ الملكي. ومن بين ما تركته من إرثٍ باذخ، يبرز طقم من الياقوت السيلاني والألماس، يفوق عدد أحجاره الألف حجر، صنع ليجسّد قمّة الإبداع في فنون الصياغة الباريسية في القرن التاسع عشر. يمتاز الطقم بمرونة تصميمه، إذ يمكن تفكيك ألواحه وتحويلها إلى مشابك صغيرة، في لمسةٍ تُظهر وعيًا مبكرًا بمفهوم الجواهر القابلة للتحويل التي تلائم مختلف المناسبات.
The Louvre
مع مرور الزمن، تداخلت الأنساب السياسية وتنوّعت الروايات حول أصل هذه الجوهرة، فنُسبت تارةً إلى الإمبراطورة جوزفين، وتارةً أخرى إلى مجموعة ماري أنطوانيت، غير أن غياب توقيع الصائغ وكثرة التعديلات التي أُدخلت على القطعة جعلت مسألة تحديد منشئها الحقيقي أقرب إلى الترجيح منه إلى اليقين.
The Louvre
ورثت الطقم لاحقًا إيزابيل دورليان حفيدة الملكة، قبل أن يدخل عام 1985 إلى متحف اللوفر، حيث استقرّ ضمن مجموعته الدائمة، شاهدًا على ترفٍ ملكيٍّ لم تمحه تقلبات الزمن.
The Louvre
كنز نابليون العائد إلى اللوفر
في عام 1811، ومع زواج نابليون بونابرت من الأرشيدوقة النمساوية ماري لويز، أراد الإمبراطور أن يُخلّد هذا الارتباط السياسي والملكي بعمل فني يليق بمقام العروس الجديدة. آنذاك، كلّف دار إتيين نيتو وأبنائه بصياغة مجموعتين من الجواهر الإمبراطورية: إحداهما من العقيق والألماس، والأخرى من الزمرد والألماس، لتصبحا جزءًا من مقتنيات الإمبراطورة الخاصة.
The Louvre
لم تلبث تلك القطع أن اكتسبت قيمة تتجاوز جمالها، إذ تجلت شاهدًا على اضطرابات الحقبة التالية. فبعد سقوط الإمبراطورية، سُلّمت جواهر التاج الفرنسي إلى أسرة البوربون، فيما احتفظت ماري لويز بمجموعاتها الشخصية التي ظلّت رمزًا لعهدٍ انقضى من دون أن يُمحى أثره.
The Louvre
من بين هذه الكنوز يبرز عقد وأقراط من تصميم فرنسوا-رونو نيتو، بمجموع اثنتين وثلاثين زمردة مصقولة بعناية استثنائية، وما يزيد على ألف ألماسة مرصّعة في تناغم آسر. ومع توالي الأجيال، انتقلت المجموعة إلى ليوبولد الثاني من هابسبورغ، قبل أن تُجرى عليها تعديلات في دار فان كليف آند آربلز، إذ استُبدل الفيروز بأحجار الزمرد.
The Louvre
لاحقًا، استقرّت القطعة في متحف سميثسونيان، فيما اقتنى متحف اللوفر عام 2004 العقد والأقراط الأصلية مقابل نحو أربعة ملايين دولار أمريكي، لتعود الجواهر إلى موطنها الفرنسي، شاهدة على مسيرة امتزج فيها التاريخ بالفن والهيبة بالإرث.







