على عرش صناعة السيارات في العالم، تربعت مرسيدس-بنز Mercedes-Benz لعقود، باعتبارها رمزًا للرفاهية والابتكار. من عهدها الذهبي مع سيارات مثل 300SL Gullwing إلى هيمنتها على سباقات الفورمولا 1، سطّرت مرسيدس صفحات تاريخية في عالم المركبات.

لكن الشركة الألمانية تواجه اليوم مفترق طرق كهربائيًا. ففي عالم تتسارع فيه وتيرة التحول نحو الطاقة النظيفة، تبدو مرسيدس-بنز كأنها تضغط على المكابح في ما يتعلق باستراتيجيتها للكهرباء.

فقد أفادت مرسيدس-بنز، في بيان أصدرته أخيرًا بشأن أرباح عام 2023، أنها أجلت خططًا أعلنتها سابقًا للتحول الكامل إلى الكهرباء بحلول عام 2030. وأعربت الشركة عن رغبتها "في أن يعلم الجميع، وبخاصة المستثمرون، أنها ستستمر في إنتاج سيارات بمحركات احتراق خلال العقد المقبل".

بداية القصة 

تعود بداية القصة إلى عام 2021. فقد كانت مرسيدس-بنز، مثل نظيراتها من شركات السيارات. تشعر آنذاك بتفاؤل كبير بشأن مستقبل السيارات الكهربائية. على وقع هذا التفاؤل، أعلنت الشركة في ذلك العام أنها ملتزمة بتخصيص 43 مليار دولار لاستراتيجية من شأنها التخلص تدريجيًا من محركات الاحتراق الداخلي، وقصر الإنتاج على السيارات الكهربائية بالكامل بحلول نهاية العقد الجاري.

رغم أن الخطة بدت طموحة للغاية، إلا أنه كان ثمة مؤشرات قوية على أنها قابلة للتنفيذ. فقد كانت مرسيدس-بنز مشغولة آنذاك بتدشين سلسلة EQ للسيارات التي تعمل بالكهرباء فقط. كما كانت الخطة تتواءم مع قرار الاتحاد الأوروبي بحظر بيع السيارات الجديدة العاملة بمحركات البنزين والديزل اعتبارًا من 2035، في إطار المساعي الرامية لبلوغ الحياد الكربوني في أوروبا بحلول 2050.

في الخطة التي وضعتها قبل 3 سنوات، كانت مرسيدس-بنز تتوقع أن تمثل السيارات الهجينة والكهربائية بالكامل نصف مبيعاتها من السيارات عمومًا بحلول عام 2025. إلا أن الشركة الآن عدلت توقعاتها بتمديد تاريخ بلوغ هذا الهدف إلى عام 2030، وفق بيانها الأخير.

وفي مكالمة جماعية توضيحية مع المستثمرين ومحللي السوق بعد البيان، قال الرئيس التنفيذي لمرسيدس-بنز، أولا كالينيوس، إن العلامة التجارية لا تزال ملتزمة بمحركات الاحتراق الداخلي وتعمل على تحديثها، لافتًا إلى أنها "ستصدر مجموعات جديدة منها في عام 2027، وستستمر بذلك حتى عام 2030".

ويبدو أن خطوة مرسيدس-بنز ترضي المستثمرين حقًا. ففي الساعات التي أعقبت الإعلان مباشرة، ارتفع سعر سهم الشركة بأكثر من 5%.

سيارة EQS 680 SUV الكهربائية الفاخرة من مرسيدس-بنز

Mercedes-Benz

4 أسباب موجبة

لا ينبغي أن يكون توسيع مرسيدس-بنز المدى الزمني لخطط التحول الكامل إلى السيارات الكهربائية، سواء أكان كبيرًا أم صغيرًا في النهاية، مفاجأة كبيرة. فثمة أربعة أسباب قوية تفسر هذه الخطوة، وتبرز تحديات جوهرية تواجهها الشركة، وصناعة السيارات الكهربائية بشكل عام.

السبب الأول يتمثل ببساطة في أرقام المبيعات الضعيفة من السيارات الكهربائية والهجينة التي خيبت توقعات مسؤولي مرسيدس-بنز. فقد أظهرت الأرقام أن السيارات الكهربائية بالكامل مثلت 11% فقط من مبيعات الشركة في عام 2023، وهذا الرقم لم يرتفع سوى إلى 19% إذا ما أضفنا إليه مبيعات السيارات الهجينة. 

ولا يبدو أن تراجع الطلب على السيارات الكهربائية يخص مرسيدس-بنز وحدها، فمنذ العام الماضي، بات من الواضح أن قطاع صناعة السيارات الكهربائية قلق بشكل عام بشأن ضعف الطلب، خصوصًا في الولايات المتحدة وأوروبا. وهذا ربما يفسر إعلان شركات عملاقة مثل فورد وجنرال موتورز عن تعديلات وسعت من خلالها المدى الزمني لخطط التحول الكامل إلى السيارات الكهربائية.

السبب الثاني يتعلق بالتحديات المالية والتكاليف. فالاستثمار في تطوير تكنولوجيا السيارات الكهربائية تجاوز الطلب الحقيقي على هذه السيارات، ما يضع ضغطًا كبيرًا على الشركات لتخفيض التكاليف وتوسيع المدى الزمني لخططها من أجل التحول الكامل إلى السيارات الكهربائية.

السبب الثالث يرتبط بعدم جاهزية البنية التحتية للسيارات الكهربائية، حتى في الدول المتقدمة، وهو ما كشف عنه كالينيوس، في تصريحات صحفية له نهاية العام الماضي، والتي مهد فيها على ما يبدو لنيّة شركته تعديل خططها للتحول الكهربائي. فقد حذر كالينيوس آنذاك من أنه حتى أوروبا لن تكون على الأرجح جاهزة بحلول عام 2030 للسيارات الكهربائية بالكامل. أظهرت دراسات متعددة أن العملاء يتراجعون عن اقتناء تلك السيارات لمجموعة من الأسباب، بما في ذلك الافتقار إلى البنية التحتية للشحن.

أما السبب الرابع والأخير، فيتعلق بمشاكل السلامة التي ظهرت في سيارات مرسيدس-بنز الكهربائية. فقد اشتعلت النيران في نموذج من طراز EQB في أثناء شحنه في صالة عرض للسيارات في ماليزيا ليلة رأس السنة الجديدة، مع فيديو تضمن لقطات مرعبة للحظة احتراق جزء من مبنى صالة العرض.

كما اشتعلت النيران في وقت سابق من عام 2023، في سيارة كهربائية جديدة من طراز EQE  في أثناء وقوفها في مرآب منزل بولاية فلوريدا، ما تسبب في أضرار تقدر بنحو مليون دولار بالمنزل. ولم تكن السيارة موضوعة على الشحن عندما اشتعلت فيها النيران.

يشار إلى أن مرسيدس تنتج حاليًا حوالي 18 سيارة تعمل إما بالكهرباء بالكامل أو هجينة. تشمل سيارات مرسيدس الكهربائية بالكامل مجموعة EQ، التي تضم سيارات سيدان مثل EQS وEQE و Vision EQXX وسيارات SUV مثل EQA  وEQB وEQC وEQE SUV وEQS SUV، إضافة إلى السيارة الفان EQT . 

تنتج مرسيدس أيضًا سيارات هجينة بينها سيارات SUV مثل GLE وGLS وGLE Plug-InHybrid، وسيارات سيدان مثل C-Class وE-Class وS-Class وC-Class Plug-In Hybrid وE-Class Plug-In Hybrid وS-Class Plug-In Hybrid.