يواصل لاري إليسون، مؤسس شركة أوراكل Oracle وأحد أبرز رجال الأعمال في العالم، توسيع نفوذه العقاري بأسلوب يعكس رؤية استثمارية دقيقة وذوقًا نخبويًا متفرّدًا. لا يقتصر حضوره على وادي السيليكون أو سواحل كاليفورنيا، بل يمتد ليشمل جزرًا خاصة، وقصورًا تاريخية، ومواقع استراتيجية في مراكز المال العالمية.
يستعرض هذا التقرير الملامح الباذخة لإمبراطورية لاري إليسون العقارية، كاشفًا النقاب عن خريطة استثماراته التي تمتد من المساكن الخاصة الهادئة إلى المشاريع المؤسسية الكبرى.
سان فرانسيسكو: جذر العمارة العصرية والتميز
بدأت رحلة لاري إليسون في عالم العقارات بشراء قصر عصري بمساحة 10,742 قدمًا مربعة في حي باسيفيك هايتس الراقي عام 1988، صمّمه المعماري الأمريكي الشهير ويليام وورستر، أحد أبرز رموز العمارة الحداثية في الساحل الغربي الأمريكي، والذي عُرف بتصميماته التي تمزج البساطة الأنيقة بالوظيفة العملية، وترك بصمته على العديد من المباني السكنية والمؤسسات الأكاديمية، أبرزها دوره المؤسس في كلية البيئة بجامعة كاليفورنيا في بيركلي.
يضم القصر خمس غرف نوم وستة حمامات، ويُعد من المعالم المرموقة في المنطقة التي تُعرف "بشارع المليارديرات"، حيث يجاوره نجوم التكنولوجيا مثل جوني إيف من شركة أبل ومارك بينكوس من شركة زينغا.
وفي عام 2011، وسّع إليسون ملكيته بشراء العقار المجاور بقيمة 40 مليون دولار، الأمر الذي عزز حضوره في قلب سان فرانسيسكو وأتاح له مساحة فريدة تجمع بين الفخامة والخصوصية وسط أجواء النخبة التكنولوجية.
Google Earth
وودسايد: ملاذ ياباني في قلب سيليكون فالي
استمرارًا لشغفه بالعمارة المميزة، انتقل إليسون إلى وودسايد ليخلق ملاذًا يعكس الفلسفة اليابانية. يقع مجمع لاري إليسون السكني في المنطقة، على سفوح التلال المتعرجة في قلب سيليكون فالي، ويُعد واحدًا من ممتلكاته الأكثر خصوصية وتفردًا، بل من بين المساكن الأشد إثارة للدهشة في ولاية كاليفورنيا.
يمتد العقار على مساحة شاسعة تُقدّر بحوالي 23 فدانًا، وقد استلهم إليسون تصميمه من فلسفة العمارة الإمبراطورية اليابانية، في ترجمة معمارية تعكس احترامًا عميقًا للبساطة الراقية والانسجام مع الطبيعة، تمامًا على غرار منتجعات كيوتو الراقية.
يتربع في قلب هذا المجمع المنزل الرئيس، الذي تبلغ مساحته نحو 8,000 قدم مربعة، وتحيط به عشرة مبانٍ فرعية، تتنوع بين بيت شاي تقليدي يُشرف على بركة كوي Koi مرصوفة بعناية ومعدّة لتكون مركزًا للهدوء والتأمل، إلى جانب ممرات حجرية وحدائق، تستلهم عناصرها من المدرسة اليابانية الكلاسيكية في تنسيق المناظر الطبيعية.
استثمر إليسون أكثر من 200 مليون دولار في بناء هذا المشروع الطموح، إذ لم يكتفِ بتشييد المجمّع دفعة واحدة، بل بدأ بتجميع قطع الأرض تدريجيًا منذ تسعينيات القرن الماضي، من بينها شراء عقار مجاور على شارع Turkey Farm Lane بقيمة 1.5 مليون دولار، ليحافظ بذلك على خصوصية مطلقة ويفرض نطاقًا عازلاً حول ملكيته.
وتطلب بناء المجمّع سنوات من التخطيط والتنفيذ، بمشاركة نخبة من الحرفيين والبنّائين المتخصصين في الطراز الياباني التقليدي، لتصبح هذه الملكية اليوم واحة فريدة تمزج بين العزلة الاختيارية والثراء الثقافي، ومثالاً حيًا على ذوق إليسون المتأثر بالفلسفات الشرقية والمشبع برغبة دائمة في التميز المعماري.
Google Earth
ماليبو: تحفة ثقافية على الساحل
بعد نجاحه في بناء ملاذ ياباني في وودسايد، وجّه إليسون اهتمامه نحو الساحل لإضافة بعد ثقافي جديد. في مايو من عام 2005، عزّز لاري إليسون محفظته العقارية الساحلية في ماليبو بإضافة واحدة من أفضل الممتلكات في المنطقة، وذلك عبر شراء عقار تاريخي يقع على طريق كروس كريك، أحد أكثر المواقع حصريةً ورواجًا على الساحل الغربي.
هذا العقار يُعد فصلاً حيًّا من ذاكرة الثقافة الشعبية الأمريكية، إذ شكّل لسنوات طويلة منزلاً لعائلات من المشاهير الذين تركوا بصمتهم في مجالات الفن والموسيقى والتلفزيون.
كان من بين أبرز قاطنيه الممثلة والكاتبة ليندا طومسون، التي أقامت فيه خلال فترة زواجها من الموسيقي العالمي ديفيد فوستر. وقد نشأ في المنزل أبناؤها برودي وبراندون، اللذان أصبحا لاحقًا من أبرز الوجوه في برامج الواقع الأمريكية.
هذه الخلفية جعلت من العقار عنصرًا دائم الظهور في وسائل الإعلام، إذ لمع اسمه في مطلع الألفية بوصفه رمزًا للفخامة الحديثة.
بلغت شهرة هذا المنزل ذروتها حين خُصّصت له حلقة في البرنامج الشهير MTV Cribs (جولات MTV داخل منازل المشاهير)، الذي كان يستعرض منازل المشاهير، ووُصف حينها بأنه أحد أغلى وأفخم المنازل التي ظهرت في تاريخ البرنامج، ليصبح على الفور مرجعًا مرئيًا لما تعنيه الحياة الراقية على الشاطئ الذهبي لولاية كاليفورنيا.
يتميّز العقار بتصميم داخلي غني بعناصر معمارية معاصرة، ويضم مساحات مفتوحة تطل على شاطئ خاص ومناطق ترفيهية فاخرة تعكس ذوق إليسون في الجمع بين الفخامة المعمارية وسحر الحياة الساحلية.
أما موقعه على طريق كروس كريك، فلطالما اعتُبر عنوانًا للطبقة الأكثر حصرية في ماليبو، ما أضاف بعدًا من العزلة والخصوصية التي يبحث عنها نخبة الأثرياء، ليواصل إليسون بذلك بناء إرثه العقاري على الساحل بأناقة تليق بالنخبة.
Google Earth
ملك شواطئ كاربون بيتش
مستلهمًا من نجاحه في ماليبو، وسّع إليسون طموحاته ليسيطر على امتداد شاطئي فاخر، إذ لم يقتصر حضور لاري العقاري على القصور الداخلية أو العقارات التاريخية، بل امتد نفوذه ليشمل أحد المواقع الشهيرة والحصرية على الساحل الأمريكي، وهو شاطئ كاربون بيتش في ماليبو، المعروف إعلاميًا "بشاطئ المليارديرات".
منذ عام 2002، بدأ إليسون في تجميع سلسلة من الممتلكات الفاخرة على هذا الشريط الساحلي الفريد، ليصبح اليوم أحد أكبر المالكين المنفردين للأراضي في المنطقة.
تضم محفظته العقارية على كاربون بيتش ما يزيد على عشرة ممتلكات مترابطة، تتنوّع بين قصور واجهاتها بحرية، ومنازل معمارية مصممة بعناية، ومساحات شاطئية مغلقة تتيح له الاستمتاع بأعلى درجات الخصوصية.
من بين أبرز استثماراته، فندق كازا ماليبو Casa Malibu Inn سابقًا، وهو موقع كلاسيكي أعاد تأهيله بالكامل بعد دفع ما يقارب 20 مليون دولار، ليحوّله إلى عقار خاص يعكس فلسفته الجمالية في الجمع بين البساطة الراقية والفخامة المتقشفة.
ومن بين أبرز ممتلكاته على الشاطئ، قصر ساحلي اشتراه من المنتج السينمائي الشهير جويل سيلفر مقابل 38 مليون دولار، يتميّز بواجهة ممتدة على المحيط وتصميم داخلي أنيق يمزج بين الطراز العصري ودفء الأجواء الساحلية.
لكن الصفقة التي شكّلت علامة فارقة في هذا الامتداد العقاري كانت في عام 2017، حين استحوذ إليسون على قصر آخر تبلغ مساحته 7,700 قدم مربعة، يضم مسبحًا خارجيًا أنيقًا وملعب تنس خاصًا، مقابل 48 مليون دولار في صفقة تعكس بوضوح أن طموحه العقاري لا يقتصر على التملّك، بل يتّجه نحو رسم نطاق نفوذ فاخر على الشاطئ.
تشكل هذه المجموعة المتكاملة من العقارات ما يُشبه الحي الخاص داخل الشاطئ العام، إذ يستطيع إليسون التحرك بين ممتلكاته من دون أن يغادر دائرة الخصوصية المطلقة، ليُجسّد بذلك مفهومًا فريدًا للحياة الساحلية لا يمكن الوصول إليه إلا من قِبل قلة نادرة من أثرياء العالم.
Google Earth
بيتشوود نيوبورت: إرث فاخر وتجديد ثقافي
مع استمرار شغفه بالمواقع ذات الأهمية التاريخية، انتقل إليسون إلى نيوبورت لإحياء إرث العصر الذهبي. في مدينة نيوبورت الهادئة على ساحل رود آيلاند، حيث تقف القصور شامخة مثل تذكارات من زمن الأرستقراطية الأمريكية، يبرز قصر بيتشوود Beechwood، أحد أرقى ممتلكات لاري إليسون وأكثرها دلالة على افتتانه بالإرث المعماري والثقافي.
شُيّد هذا القصر في أواخر القرن التاسع عشر، حين كانت عائلات النخبة الصناعية مثل أستور تتنافس على بناء قصور صيفية تليق بمكانتها الاجتماعية، وكان بيتشوود حينها مقر إقامة كارولين أستور، المعروفة بلقب "ملكة مجتمع نيويورك".
استحوذ إليسون على هذا المعلم التاريخي عام 2010 مقابل 10.5 مليون دولار، غير أن شغفه بالمكان لم يتوقف عند حدود التملّك.
ففي السنوات التالية، بدأ بتوسيع نفوذه العقاري على شارع بلفيو الشهير، عبر شراء أربع عقارات مجاورة، من بينها قصر سيكليف Seacliff الملاصق مقابل 11 مليون دولار، ليحكم بذلك قبضته على امتداد جغرافي فريد بين اثنين من أعظم قصور نيوبورت.
لم يكن المشروع مجرد استثمار عقاري، بل رؤية ثقافية تستحضر أمجاد القرن التاسع عشر، إذ يخضع قصر بيتشوود حاليًا لعملية ترميم شاملة تتجاوز قيمتها 100 مليون دولار، يشرف عليها فريق من الخبراء في الترميم المعماري والفنون الزخرفية، بهدف تحويله إلى متحف خاص يحتضن مجموعة إليسون الفنية، التي تشمل لوحات وأثاثًا وتحفًا من العصر نفسه الذي بُني فيه القصر. وقد جُهّز المبنى بأنظمة تأمين عالية التقنية، تعمل على مدار الساعة، لحماية هذه الكنوز التي لا تُقدّر بثمن.
A4 Architecture
منتجع صحي فاخر في رانشو ميراج
بعد نجاحه في دمج التراث الثقافي مع الفخامة، استهدف إليسون إنشاء وجهة صحية فاخرة في بيئة صحراوية. رغم أن لاري إليسون لا يُعرف بشغفه برياضة الغولف، إلا أن قراره بامتلاك عقار بوركوباين كريك Porcupine Creek في منطقة رانشو ميراج لم يكن وليد المصادفة، بل امتدادًا لرؤيته الخاصة في استحداث فضاءات فاخرة تُزاوج بين العزلة الطبيعية والخدمات الراقية.
يقع هذا العقار المذهل عند سفوح جبال سانتا روزا، على امتداد صحراوي تبلغ مساحته 246 فدانًا، ويُعد واحدًا من ممتلكاته الأشد تفرّدًا من حيث الطبيعة المحيطة والبنية التحتية المتكاملة.
يتكوّن العقار من قصر فاخر تبلغ مساحته 18,430 قدمًا مربعة، يتناغم مع التضاريس الصحراوية في تنسيق معماري أنيق يشمل ممرات حجرية ومناطق مظلّلة بالنخيل.
ويضم العقار ملعب غولف خاصًا مكوّنًا من 18 حفرة، صُمم بمواصفات احترافية ليكون وجهة مفضلة لنخبة اللاعبين من ضيوف إليسون، إلى جانب مساحات مفتوحة تتخللها حدائق صحراوية ونباتات محلية مدروسة بعناية، ما يضفي طابعًا بيئيًا متوازنًا لا يخلو من الرفاهية.
ولم يكن طموح إليسون مقتصرًا على الاستخدام الشخصي، إذ أعاد تخطيط العقار ليحوّله إلى منتجع صحي حصري يحمل توقيع العلامة الفاخرة سينسي SENSEI Wellness Boutique، وهي سلسلة وجهات علاجية تحمل تصنيف ست نجوم من حيث مستوى الرعاية والرفاه.
وقد جهز العقار بأحدث المرافق الصحية، من غرف التأمل والاسترخاء إلى برامج العافية المصممة خصوصًا بإشراف خبراء في الطب الشمولي والتغذية، لتُقدَّم التجربة ضمن بيئة خاصة مغلقة تجمع بين جمال الصحراء وعلم العناية الذاتية.
Google Earth
جزيرة لاناي في هاواي: نموذج الرفاهية البيئية
مع طموحه المتزايد لاستحداث مساحات فريدة، اتجه إليسون إلى هاواي لتحقيق رؤية بيئية طموحة. في عام 2012، وفي خطوة غير مسبوقة حتى بمعاييره الطموحة، أبرم لاري واحدة من الصفقات العقارية الأكثر جرأة في التاريخ الأمريكي الحديث، عبر شراء ما يقارب 98% من جزيرة لاناي Lanai، سادس أكبر جزر أرخبيل هاواي، بمساحة تقارب 90,000 فدان.
بهذا الاستحواذ، لم يعد إليسون مجرد قطب تقني أو مالك عقارات فاخرة، بل أصبح أشبه "بوصي على الجزيرة" يتولى إدارتها وتشكيل مستقبلها وفق رؤيته الخاصة.
ضمّت الصفقة منتجعين فاخرين يحملان توقيع فورسيزونز، إلى جانب أراضٍ شاسعة تشمل الشواطئ، والجبال، والمزارع، والبنية التحتية للجزيرة بأكملها تقريبًا.
وعلى عكس ما قد يُتوقّع من مستثمر تقليدي، لم يسعَ إليسون لتحويل لاناي إلى وجهة تجارية مزدحمة، بل صبّ جهوده في ترميمها وفق فلسفة تجمع بين الاستدامة البيئية والرفاهية الراقية، لتصبح الجزيرة مختبرًا حيًا لمفهوم الفخامة الواعية.
استثمر إليسون مئات الملايين في إعادة تصميم المنتجعين، أحدهما مواجه للمحيط ويوفّر تجربة شاطئية حالمة، والآخر يرتفع على الهضاب الداخلية محاطًا ببساتين الأناناس السابقة، وقد أعيد تخطيطه ليقدّم تجربة صحية وروحية تحت مظلة العلامة التابعة له، Sensei Retreat (منتجع سينسي للعافية)، والتي تجمع بين الطب الوقائي، والعناية الشاملة بالجسم، والتغذية الراقية.
كما قاد مبادرات زراعية لتشجيع الزراعة العضوية المستدامة، وأطلق مشاريع طاقة شمسية تهدف إلى تحويل الجزيرة إلى نموذج للطاقة النظيفة المستقلة.
جزيرة لاناي، كما يراها إليسون اليوم، هي أكثر من وجهة للنخبة؛ إنها مجتمع بيئي فريد بلا إشارات مرور، تتحرّك فيه الحياة بهدوء وسلاسة، وتُقدّم فيه التجربة الفندقية ضمن سياق من الخصوصية المطلقة.
من ملاعب الغولف التي صمّمها الأسطورة جاك نيكلاوس، إلى المطاعم التي تعتمد على مكوّنات مزروعة محليًا، باتت الجزيرة تجسيدًا حيًا لرؤية إليسون التي تمزج بين التكنولوجيا، والفلسفة الشرقية، والحس المعماري البديع.
Noah Lang Photography
فيلا تاريخية في اليابان
مستلهمًا من نجاحه في لاناي، واصل إليسون استكشاف شغفه بالثقافة اليابانية من خلال فيلا تاريخية، تُعد من بين ممتلكاته الأكثر ندرة وتميّزًا، إذ يحتفظ لاري إليسون بجوهرة معمارية تقع في قلب كيوتو، العاصمة الثقافية لليابان.
إنها فيلا تاريخية تتربّع داخل أراضي معبد نانزن-جي Nanzen-ji، أحد أعرق معابد زن وأكثرها قداسة في البلاد. هذا الموقع يجاور البوابات الخشبية العتيقة وأسطح القرميد الداكنة التي تميّز المعابد اليابانية القديمة، ويطل على حدائق زن المصمّمة بعناية والتي ترمز إلى صفاء العقل وتأمل الطبيعة.
قُدّرت قيمة الفيلا حين طُرحت رسميًا للبيع بنحو 86 مليون دولار، ما جعلها حينها من أغلى العقارات الخاصة في اليابان، ليس بسبب موقعها فحسب، بل لما تمثّله من ارتباط عميق بالتقاليد اليابانية.
تعكس الفيلا ذوق إليسون النخبوي وإعجابه العميق بالعمارة اليابانية التقليدية، التي سبق أن استوحى منها تصميم مجمّعه السكني في وودسايد. فالمكان لا يقتصر على الجمال البصري، بل ينبض بروح تاريخية تتردّد أصداؤها في تفاصيل الأرضيات الخشبية، والجدران الورقية المنزلقة، وإطلالات الحدائق التي تبدو مثل لوحات حية.
في عام 2012، أعلن إليسون عن نيّته تحويل الفيلا إلى متحف خاص، يكرّس رؤيته التي أطلق عليها اسم "المنازل التي ترقى إلى جودة المتاحف"، حين لا يكون السكن مجرّد إقامة، بل منصة للاحتفاء بالفن والتراث والثقافة. ومن المتوقع أن يحتوي هذا المتحف على قطع فنية نادرة من مجموعاته الخاصة، تندرج تحت مدارس فنية آسيوية تقليدية، فضلاً عن تحف تعكس تلاقي الفلسفة الشرقية بالذوق الغربي المعاصر.
The Lux Authority
بحيرة تاهو: الجمع بين الطبيعة والفخامة
بعد نجاحه في إنشاء فضاءات ثقافية وبيئية، اتجه إليسون إلى بحيرة تاهو Tahoe لدمج الطبيعة مع الفخامة المعمارية. على الضفاف البلّورية للبحيرة، وتحديدًا في منطقة إنكلاين فيليدج بولاية نيفادا، يواصل لاري إليسون نسج رؤيته العقارية الطموحة، عبر مشروع يُضيف بُعدًا آخر إلى فلسفته في توحيد الممتلكات ضمن مجمّعات مترابطة تُشبه القلاع العصرية.
فعلى امتداد قطعة أرض استراتيجية مطلة على البحيرة، استحوذ إليسون على أربعة منازل فاخرة متجاورة، راوحت قيمتها بين 15 مليون و20 مليون دولار لكل منها، في صفقة تهدف إلى إعادة تشكيل كامل للواجهة المعمارية للموقع.
لكن الأمر لا يتوقف عند مجرد التملّك، إذ يُخطّط إليسون لهدم هذه المنازل جميعها لإقامة مجمّع سكني ضخم بتصميم موحّد يجمع بين الفخامة والانسجام المعماري.
ويُتوقّع أن يشمل المشروع مباني سكنية مترابطة وخاصة، ومرافق ترفيهية، وأسطحًا بانورامية تطل على البحيرة والجبال المغطاة بالثلوج. ويُعد هذا النهج جزءًا من توجهه الأشمل في تحويل العقارات المنفصلة إلى مجمّعات مترابطة تُعبّر عن نمط حياة مغلق وفائق الخصوصية.
ويأتي هذا الاستثمار في وقت تشهد فيه بحيرة تاهو إقبالاً متزايدًا من أثرياء سيليكون فالي الذين بدأوا يبحثون عن بدائل أكثر عزلة وهدوءًا خارج الصخب الحضري.
من بين هؤلاء مارك زوكربيرغ الذي عزّز حضوره في المنطقة أخيرًا بشراء عقارين بلغت قيمتهما الإجمالية نحو 59 مليون دولار، ما يؤكد تحوّل تاهو إلى وجهة مفضلة لصفوة التكنولوجيا الباحثين عن مزيج نادر من الجمال الطبيعي، والخصوصية التامة، والبنية التحتية المتطورة.
The Landing Tahoe
نورث بالم بيتش: عقار فاخر مع مهبط مروحيات
امتدادًا لتوسعه في المواقع الساحلية، اختار إليسون نورث بالم بيتش لإضافة عقار فاخر بميزات استثنائية. ففي عام 2021، وسّع رجل الأعمال الأمريكي نطاق حضوره العقاري الفاخر إلى الساحل الشرقي للولايات المتحدة، حين أضاف إلى محفظته عقارًا استثنائيًا في منطقة سيمينول لاندينغ الفاخرة، الواقعة في نورث بالم بيتش بولاية فلوريدا.
يمتد هذا العقار النادر على أكثر من سبعة أفدنة من الأرض الخصبة المطلة مباشرة على المحيط الأطلسي، ويتميّز بواجهة بحرية مذهلة يبلغ طولها نحو 520 قدمًا، ما يضعه ضمن قائمة أكبر ثلاثة عقارات شاطئية خاصة في المقاطعة من حيث الامتداد الساحلي.
يتكوّن العقار من قصر رئيس فاخر تبلغ مساحته الداخلية نحو 15,500 قدم مربعة، يضم سبع غرف نوم، وعددًا من الأجنحة والخدمات الترفيهية التي تلبي أعلى معايير الراحة، إلى جانب مهبط طائرات خاص قادر على استقبال المروحيات، ما يوفّر لقاطنيه مستوى من الخصوصية لا يتوفّر إلا في نخبة من العقارات حول العالم.
وتحيط بالقصر حدائق استوائية مصممة بعناية، تؤمّن إطلالات بانورامية على المحيط، وتُضفي على المكان طابعًا من العزلة الراقية.
عند اقتنائه في 2021، طُرح العقار في السوق بسعر بلغ 145 مليون دولار، ما جعله من أغلى العقارات المعروضة في الولايات المتحدة في ذلك العام.
غير أن الصفقة لم تُستكمل، لأسباب لم تُعلن، وجرى سحب العقار لاحقًا من السوق، ما أضاف إليه هالة من الغموض زادت من جاذبيته. رغم عدم إتمام البيع، إلا أن هذا العقار يبقى تجسيدًا لرغبة إليسون الدائمة في اقتناء الملكيات الفريدة التي تجمع بين البذخ المعماري والموقع الاستراتيجي.
Daniel Petroni \Douglas Elliman
مجمع مانالابان: صفقة قياسية في نيوجيرسي
بعد نجاحه في فلوريدا، واصل إليسون كسر الأرقام القياسية بصفقة تاريخية في نيوجيرسي. حينذاك، دخل لاري إليسون التاريخ العقاري لولاية نيوجيرسي من أوسع أبوابه، عندما أبرم واحدة من أكبر الصفقات السكنية على الإطلاق بشرائه مجمعًا عقاريًا فخمًا في مانالابان، مقابل مبلغ قياسي قُدّر بمبلغ 173 مليون دولار.
هذا الرقم يُعد انعكاسًا لمستوى الندرة والتفرّد الذي يتمتع به هذا العقار الممتد على مساحة 22 فدانًا من الأراضي الساحلية الهادئة، في موقع يجمع بين خصوصية قصوى وواجهة بحرية مزدوجة على المحيط والبحيرة.
يتكوّن المجمع من قصر رئيس مترف تبلغ مساحته نحو 62,200 قدم مربعة، يضم 33 غرفة نوم و39 حمامًا، ما يجعله أقرب إلى فندق فخم منه إلى مسكن تقليدي.
وتنتشر على أرض العقار مبانٍ إضافية مخصّصة للضيوف والخدم، إلى جانب جزء خاص من جزيرة بيرد المجاورة، ما يضيف إلى الملكية بُعدًا جغرافيًا فريدًا يزيد من خصوصيتها.
وما يجعل هذا المجمع تحفة معمارية نادرة هو التصميم المتكامل الذي يربط الواجهة المطلة على المحيط بنظيرتها الواقعة على بحيرة إنتركوستال عبر نفقين تحت الأرض، أحدهما خُصص ليكون معرضًا فنيًا خاصًا، يعرض مختارات من المجموعة الفنية التي يقتنيها إليسون. هذا التفصيل وحده يعكس توجهه في تحويل الفضاءات السكنية إلى تجارب ثقافية متكاملة.
كما يحتوي العقار على شاطئ خاص يمتد بطول 1,200 قدم، وواجهة بحرية ثانية بطول 1,300 قدم، إلى جانب مرافق متكاملة تشمل ملاعب رياضية، ومناطق سبا، ومسابح داخلية وخارجية، وقاعات سينما منزلية، ما يجعله بحق منتجعًا خاصًا مغلقًا.
Google Earth
لندن: إضافة تاريخية في وست إند
في خطوة أخيرة تعكس امتداد طموحاته الاستثمارية إلى قلب العواصم المالية العالمية، وسّع لاري إليسون رقعة نفوذه العقاري باختيار لندن منصة لحضوره المؤسسي في السوق الأوروبية. استحوذ الملياردير الأمريكي في عام 2024 على مبنى مكتبي بارز في منطقة "وست إند" الراقية، بصفقة بلغت قيمتها 202 مليون دولار، لتُعدّ من بين أضخم صفقات العقارات التجارية في العاصمة البريطانية خلال العام.
وتكمن أهمية هذا الاستحواذ ليس في قيمته المالية فحسب، بل في الموقع الاستراتيجي للعقار وتاريخه العريق، ما يعزّز حضور إليسون في المشهد العقاري العالمي بأسلوب يتماشى مع تطلعاته العابرة للقارات.
يقع المبنى في ساحة سانت جيمس، إحدى أرقى الساحات التجارية في لندن وأكثرها قدمًا، إذ تحيط به مقار شركات استثمارية كبرى، ومكاتب استشارية دولية، ونواد نخبوية يعود تاريخها إلى قرون مضت.
يمتد العقار، المصنّف من الدرجة الأولى، على مساحة تزيد على 82,000 قدم مربعة موزعة على بضعة طوابق، وتتميّز بتصميم داخلي حديث يراعي معايير الاستدامة والمرونة التشغيلية، ما يجعله مناسبًا لمؤسسات كبرى تبحث عن مقار تنفيذية عالية المستوى.
أُنجزت عملية الشراء عبر صندوق استثمار خاص مملوك بالكامل لإليسون، في خطوة استراتيجية تعكس توجهه نحو تنويع محفظته لتشمل أصولاً مدرّة للدخل في مراكز حضرية عالمية، إلى جانب استثماراته السكنية والساحلية. يُشار إلى أن المبنى كان مملوكًا سابقًا لشركة عقارية صينية مدرجة في بورصة هونغ كونغ.
يمثّل هذا الاستثمار تحوّلاً نوعيًا في خارطة ممتلكات إليسون، إذ لا يقتصر على الطابع الشخصي أو السياحي، بل يؤسس لحضور مؤسسي في واحدة من أقوى أسواق المال في العالم. وفيما يستمر كثير من المستثمرين في التردد حيال سوق المكاتب، اختار إليسون أن يقتنص الفرصة في قلب لندن، مؤكدًا من جديد قدرته على توجيه بوصلة الرفاهية نحو آفاق استراتيجية أبعد.