لم تكن جواهر نابليون بونابرت مجرّد زينة تُضاف إلى مظهر الإمبراطور الفرنسي، بل كانت انعكاسًا لهالته الإمبراطورية ومفهومه الخاص عن المجد والسلطة. واليوم، بعد أكثر من قرنين على معركة غيّرت مجرى التاريخ، يطل مشبكه الألماسي من عتمة الأرشيفات الإمبراطورية إلى الواجهة من جديد. فابتداءً من الثاني عشر من نوفمبر، سيُعرض هذا المشبك للمرة الأولى أمام الجمهور في مزاد دار سوذبيز بجنيف، داخل أروقة فندق ماندارين أورينتال، بقيمة تقديرية تراوح بين 150 ألف دولار و200 ألف دولار أمريكي.
ذلك المشبك الصغير في حجمه، الكبير في رمزيته، كان شاهدًا على نهاية عصر وانبثاق آخر. ففي صباح معركة واترلو عام 1815، حمله نابليون وسط ضباب ساحة القتال، ثم تركه مصادفة بين عربات غاصت في الطين وهو ينسحب من الميدان. هناك، وقعت الجوهرة في يد الجيش البروسي، لتتحول من رمز للهيبة الفرنسية إلى تذكار للانتصار. ومنذ ذلك الحين، ظل المشبك يتنقل بين أفراد بيت هوهنتسولرن الملكي، محتفظًا ببريقه كما احتفظ التاريخ بدلالته.
يُذكر أن هذه القطعة الباريسية التي وُلدت في مطلع القرن التاسع عشر ليست مجرد عمل من الجواهر، بل هي بيان فني صاغته يد من عاصروا طقوس البلاط الإمبراطوري. تصميمه الدائري الفخم يحتضن ألماسة بيضاوية خالدة تتجاوز 13 قيراطًا، يحيط بها نحو مئة ألماسة بقَطع Old Mine في تناغم صارم وانسيابية شاعرية في آنٍ واحد.
Sotheby’s
ألماسة نسل شاه سلطان
من بريق الإمبراطوريات الأوروبية إلى وهج السلالات الشرقية، يمتد خيط المجد الملكي في مزاد سوذبيز هذا العام ليجمع بين رموز القوة في الغرب وأناقة البلاط العثماني في الشرق. ففي القاعة نفسها التي ستُعرض فيها جواهر نابليون، يطل خاتمٌ نادر من الألماس الوردي الفاتح بوزن يفوق 13 قيراطًا، يعود للأميرة نسل شاه سلطان، آخر من حمل لقب سلطانة الدم الإمبراطوري.
Sotheby’s
تحمل هذه الألماسة الورديّة قصة ملكية تمتد عبر قرونٍ وحدودٍ وثقافات، إذ كانت في الأصل هديةً قدّمتها الإمبراطورة كاترين الأولى إلى السلطان العثماني أحمد الثالث خلال مفاوضات معاهدة بروث عام 1711، بوصفها رمزًا دبلوماسيًا يعبّر عن توازن القوى بين الإمبراطوريتين الروسية والعثمانية آنذاك. وبعد أن تنقّلت بين الخزائن السلطانية جيلاً بعد جيل، وصلت أخيرًا إلى يد الأميرة نسل شاه سلطان التي أُهديت إليها قبيل زفافها من الأمير محمد عبد المنعم، وريث أسرة محمد علي باشا في مصر.
Sotheby’s
والآن، وبعد أكثر من ثلاثة قرون على رحلتها الطويلة بين أفخم القصور الإمبراطورية، تعود هذه الجوهرة إلى الضوء مجددًا في مزاد سوذبيز بجنيف، شاهدةً على لقاء الشرق والغرب في مشهدٍ من الفخامة والرمزية التاريخية.
طقم جواهر يتوّج إرث النبل الأوروبي
لا يكتمل مشهد الأناقة الملكية الذي يطغى على مزاد سوذبيز هذا الخريف من دون الإشارة إلى الطقم الأوروبي العريق من اللؤلؤ الطبيعي والألماس، طقم توارثه النبلاء منذ القرن الثامن عشر وتُقدّر قيمته اليوم بما بين 427 ألف دولار و629 ألف دولار أمريكي.
Sotheby’s
ينتمي هذا الطقم الفريد إلى أسرةٍ أرستقراطية أوروبية عريقة، تمتد جذورها إلى الأمير فرانس زافير من سكسونيا وبولندا، أحد رموز النبل في أوروبا آنذاك. وقد انتقلت القطعة لاحقًا إلى ابنته كونغوند دي ساكسونيا، ابنة عم ملوك إسبانيا ونابولي وفرنسا، لتغدو جزءًا من إرثٍ ملكيٍ يتناقل عبر الأجيال.
Sotheby’s
صيغ الطقم في الأصل بوصفه تاجًا مهيبًا لزفافها عام 1796، في حقبةٍ كانت فيها الحلي تُعدّ بيانًا للمكانة والمجد الأسري، ثم أُعيد تصميمه في أربعينيات القرن التاسع عشر على طراز سيفينيه Sévigné الذي اشتهر بأكاليله الملتفّة من الأحجار النفيسة. وقد تولّت تنفيذه دار فوسان Fossin الفرنسية التي مهدت الطريق لاحقًا لدار شوميه، ويُرجَّح أنه آخر نموذجٍ باقٍ من هذا الطراز الفاخر الذي يجمع بين الرهافة الملكية وفنّ الصياغة الباريسية في أبهى تجلياته.







