قبل القرن التاسع عشر، الذي شهد تعزيز القدرة على التنقل لمسافات طويلة بفضل السفن البخارية والسكك الحديدية، لم يكن تتبع المناطق الزمنية على المعصم يحظى بأولوية كبيرة. لم يبدأ الاهتمام بهذه المسألة إلا في ثلاثينيات القرن العشرين، حين ظهر تعقيد التوقيت العالمي في الأسواق، وبذلك شاع معيار جديد لساعات المسافرين. فجأة، باتت لمحة خاطفة كافية لتحديد الساعة والدقائق في مختلف المناطق الزمنية وفي الوقت نفسه. 

مع ذلك، واجه هذا التعقيد عقبة. فالمجتمع الدولي لم يتفق على نظام عالمي موحد لتحديد المناطق الزمنية، وهي مشكلة قائمة إلى يومنا هذا. في الولايات المتحدة الأمريكية، تتجاهل مجموعة من الولايات التوقيت الصيفي تمامًا، شأنها في ذلك شأن بعض البلدان القريبة من خط الاستواء، ولذلك لا ينقطع الحديث عن إلغاء العمل بهذا التوقيت. 

بسبب هذه المشكلة، يستصعب صانعو الساعات تطوير تعقيد توقيت عالمي قادر على أخذ التوقيت الصيفي في الحسبان. لكن دار بوفيه نجحت في تحقيق إنجاز كفيل بحل هذه المعضلة من خلال ساعة Récital 28 Prowess 1 الميكانيكية بالكامل.

ساعة Récital 28 Prowess 1

يستوطن هذا الابتكار الهندسي الدقيق والرائع علبة بقطر 46.3 ملليمتر، ويتيح لمرتدي الساعة معرفة الوقت في 24 منطقة زمنية، بالإضافة إلى تحديد التوقيت العالمي الموحد، والتوقيت الصيفي الأمريكي، والتوقيت الصيفي الأوروبي والأمريكي، والتوقيت الشتوي الأوروبي. على أن دار بوفيه لم تكتف بتجاوز العقبة الصعبة فحسب، بل أضافت إلى النظام المبتكر آلية التوربيون المحلق وتعقيد التقويم الدائم. 

آلية الحركة R28-70-00X على ما تبدو عبر غطاء الجزء الخلفي المشغول من البلور الياقوتي.

Bovet
آلية الحركة R28-70-00X على ما تبدو عبر غطاء الجزء الخلفي المشغول من البلور الياقوتي.


على الميناء الفرعي الكبير القابع أسفل الميناء المركزي، يعرض نظام الأسطوانات أسماء 24 مدينة عند الضغط على الزر المدمج في التاج. إلى جانب ذلك، يمكن ضبط النظام على التوقيت العالمي الموحد أو التوقيت الصيفي الأمريكي أو التوقيت الصيفي الأوروبي والأمريكي أو التوقيت الشتوي الأوروبي، ما يتيح لمالك الساعة مراعاة اختلاف الوقت حول العالم بسبب التوقيت الصيفي.

بموازاة ذلك، تعرض أربعة عدادات دوّارة اليوم والتاريخ والشهر والسنة الكبيسة بأرقام وحروف بيضاء على خلفية سوداء، ويُعاد ضبطها تلقائيًا نهاية كل شهر. في المقابل، تستقر آلية التوربيون المحلق عند مؤشر الساعة 12، وتزن 0.35 غرام فقط بالرغم من تثبيتها داخل قفص يتألف من 62 مكونًا. والنتيجة؟ أداة قياس أقرب إلى حاسوب بدائي منه إلى ساعة يدوية.

صانع ساعات يضطلع بتثبيت قفص التوربيون المحلق.

Bovet
صانع ساعات يضطلع بتثبيت قفص التوربيون المحلق.


أما من الناحية الجمالية، فمن الجائز القول إن ساعة Prowess 1 ترقى إلى مصاف التحف الفنية. تحيط مكوّنات عدة بالميناء الفرعي المشغول من الأفينتورين وعدادات التقويم وآلية التوربيون المحلق، وهذه العناصر الظاهرة ليست إلا جزءًا بسيطًا من مكوّنات آلية الحركة R28-70-00X التي يبلغ عددها 744 مكوّنًا.

جرى تطوير هذه الآلية التي توفر احتياطيًا للطاقة يدوم 10 أيام في محترفات بوفيه، وعند مطالعة مكوّناتها عبر غطاء الجزء الخلفي للعبة، تبرز العديد من العناصر المميزة للساعات الفاخرة، مثل زخارف كوت دو جنيف والنقوش اللؤلؤية وغيرها من التقنيات الحرفية.

راسمة بذلك مشهدًا بصريًا مبهرًا. وعلى ما هو متوقع، يستغرق إكمال نموذج واحد من ساعة Prowess 1 أمدًا طويلاً، لذلك سيقتصر إنتاجها على 8 نماذج فقط سنويًا، إما في علبة مشغولة من الذهب الأحمر بزنة 18 قيراطًا أو في علبة من البلاتين، أو في علبة من التيتانيوم من الدرجة الخامسة.

ساعة Récital 28 Prowess 1 من بوفيه.

Bovet
ساعة Récital 28 Prowess 1 من بوفيه.


ليست دار بوفيه حديثة العهد بتطوير مثل هذه العجائب الساعاتية المعقدة، إذ سبق لها تطوير ساعات معززة بتعقيد المنطقة الزمنية الثانية، وساعات مجهزة بتعقيد المنطقة الزمنية الثالثة، وساعات مزودة بتعقيد التوقيت العالمي القابل للضبط بوساطة التاج على ما هو عليه الحال في ساعة Orbis Mundi. تبني ساعة Prowess 1 على هذا الإرث العريق، لذلك يُرجح فوزها عن فئة الإبداعات الميكانيكية المتفردة في جائزة جنيف الكبرى للساعات لعام 2024، لتكرر الإنجاز الذي حققته ساعة Récital 26 Brainstorm Chapter Two في عام 2020.

إن السعي إلى تقديم حلول ميكانيكية بالغة التعقيد لمشاكل لها حلول رقمية سهلة يتطلب قدرًا معيّنًا من تعطيل الاستنكار. لكن إذا كان المرء على استعداد لتدبّر هذه التعقيدات القائمة على المسننات، فإنه سيدرك حينئذٍ أن مثل هذه الابتكارات قادرة على إلقاء ضياء تناظري مبهج على الإلكترونيات العملية الجامدة التي أصبحت تشغل الحيز الأكبر من العالم.