وثيقة حاسمة غيّرت وجه التاريخ الأمريكي تُطرح قريبًا أمام مزايدين من حول العالم، إذ تستعد دار سوذبيز، في حدث نادر، لعرض نسخة أصلية من التعديل الثالث عشر للدستور الأمريكي، موقّعة بخط يد الرئيس أبراهام لينكولن، وذلك ضمن مزاد مباشر يُقام في نيويورك بتاريخ 26 يونيو.
الوثيقة الموقعة بخط يد الرئيس والممهورة بأسماء العشرات من أعضاء الكونغرس، كُتبت على رقّ من جلد العجل بقياس 424 × 390 ملليمترًا، ومُحاطة بإطار مزدوج مرسوم بالحبر الأزرق، مع عنوان بارز باللون الأحمر. وقد أُنجزت نصوص الوثيقة على نحو دقيق يبرز الطابع الرسمي والرمزي لما تمثّله.
تتضمن الوثيقة النص الكامل للتعديل الثالث عشر، الذي أنهى رسميًا حقبة العبودية في الولايات المتحدة، وشكّل نقطة تحوّل مفصلية في المسار القانوني والاجتماعي للبلاد.
اليوم، تُعرض هذه النسخة النادرة، التي تراوح قيمتها التقديرية بين 8 ملايين و12 مليون دولار، داخل إطار فاخر يدعمه زجاج عالي الجودة، وهي مثبتة بخيوط مخصصة وفق معايير عرض المتاحف العالمية، ما يعزّز من قيمتها التاريخية والبصرية بوصفها أثرًا موثقًا لأحد أعظم التحولات الدستورية في التاريخ الأمريكي.
توقيع تاريخي على بداية النهاية
تُعد هذه النسخة من الوثيقة واحدة من النسخ القليلة التي وقّعها الرئيس أبراهام لينكولن شخصيًا، وقد حملت توقيعه إلى جانب العبارة الرسمية: "أُقرّ في الأول من فبراير 1865"، بعد تمرير القرار المشترك في مجلسي الشيوخ والنواب.
تتصدّر الوثيقة توقيعات كبار المسؤولين في المجلسين، وفي مقدّمتهم سكرتير مجلس الشيوخ جون دبليو. فورني وكاتب مجلس النواب إدوارد ماكفرسون، يليهما توقيع 37 عضوًا من مجلس الشيوخ و114 من مجلس النواب، ما يجعلها وثيقة تشريعية نادرة توثق لحظة مفصلية في تاريخ التشريع الأمريكي.
تكمن القيمة الكبرى للوثيقة في نصّها الصريح: "لا يجوز وجود العبودية أو العمل القسري في الولايات المتحدة، إلا كعقوبة على جريمة أُدين بها الشخص حسب الأصول".
Sotheby’s
هذا النص لم يأتِ بوصفه إعلانًا خُلقيًا فحسب، بل بوصفه ركيزة دستورية أنهت رسميًا العبودية القانونية في البلاد، وأتمّت ما بدأه إعلان تحرير العبيد الصادر عام 1863، واضعةً الأساس لعهد جديد تسعى فيه الولايات المتحدة إلى الانسجام مع المبادئ التي نصّ عليها إعلان الاستقلال، وأولها أن "جميع البشر خُلقوا متساوين".
وما يُضفي على الوثيقة طابعًا رمزيًا يتجاوز قيمتها المادية، هو الدور القيادي الذي قام به لينكولن في الدفع نحو تمرير التعديل الثالث عشر.
فبعد رفض المقترح في مجلس النواب في يونيو 1864، كثّف لينكولن جهوده في مطلع عام 1865، مستخدمًا ثقله السياسي لإقناع أعضاء الكونغرس بتغيير مواقفهم. وقد نُقل عن أحد النواب قوله: "أنا رئيس الولايات المتحدة، أتمتع بسلطات واسعة، وأتوقع منكم أن تحصلوا على الصوتين اللازمين".
وعند إعلان تمرير التعديل، انفجرت قاعة الكونغرس بالهتاف، ووصفت الصحف آنذاك اللحظة بأنها "انتصار خُلقي" للأمة، فيما أتت الوثيقة بمنزلة ترسيخ لمبدأ "الحق في الحياة والحرية والسعي وراء السعادة" الذي ورد في إعلان الاستقلال.
ورغم أن الوثيقة لا تضم توقيعات كافة من صوّتوا لصالح التعديل في الكونغرس، إلا أنها تحتفظ بالغالبية الساحقة من توقيعات النواب والشيوخ الذين أيدوه، مع غياب توقيعات ستة نواب فقط. هذا الحضور الواسع للتواقيع يمنح الوثيقة طابعًا تمثيليًا نادرًا لما جرى تحت قبة المجلس في تلك اللحظة التاريخية.
ويُذكر أن عدد النسخ المعروفة التي تحمل توقيع أبراهام لينكولن لا يتجاوز 15 نسخة موثقة، ما يجعل هذه الوثيقة تحديدًا من أندر الشهادات الأصلية التي توثق ميلاد التعديل الثالث عشر، وواحدة من أرقى المخطوطات الرئاسية المتداولة في سوق المقتنيات التاريخية.