تشهد دار سوذبيز خلال أسبوع فريز Frieze Week بمدينة لندن هذا العام حدثًا يجمع بين اثنين من أبرز رواد التعبير الإنساني في تاريخ الفن الحديث. ستتصدر أربعة أعمال لكل من فرانسيس بيكون وأوغست رودان المزاد المسائي للفن المعاصر، الذي تنظمه دار سوذبيز في 16 أكتوبر الجاري، وهي أعمال نادرة تنتمي إلى مجموعة خاصة، تُقدر قيمتها الإجمالية بأكثر من 21 مليون دولار.
وتشمل الأعمال المعروضة للرسام البريطاني فرانسيس بيكون، لوحة "بورتريه قزم" Portrait of a Dwarf، التي تُقدَّر قيمتها بنحو 12 مليون دولار، ودراسة للوحة الذاتية Study for Self-Portrait، التي يُتوقَّع أن تحقق حوالي 8 ملايين دولار.
أما أعمال أوغست رودان فتتمثل في النسخ البرونزية الأخيرة من منحوتات "بيار دو ويسان" Pierre de Wissant و"جان دو فيان" Jean de Fiennes، بتقديرات تراوح بين 800 ألف دولار و1.2 مليون دولار لكل منهما.
ووفقًا لدار سوذبيز، فإن التماثيل البرونزية اقتُنيت مباشرة من متحف رودان في باريس في الفترة نفسها التي اقتُنيت فيها لوحات بايكون، ما يضفي على المجموعة بعدًا تاريخيًا فريدًا.
Sotheby’s
ويقول أليكس برانكزيك، رئيس مجلس إدارة سوذبيز ورئيس قسم الفن الحديث، في بيان: "على الرغم من أن كلاً من رودان وبيكون عملا في وسائط مختلفة ويفصل بينهما قرابة قرن من الزمن، إلا أن بينهما صلة غير متوقعة لكنها بالغة القوة.
إذ جمعتهما رؤية استثنائية لجماليات الجسد البشري، وقدرة فريدة على رؤيته وتجسيده بطريقة لم يسبقهما إليها أحد. لقد شق كلٌّ منهما طريقًا غيّر مسار الفن الغربي ولا يزال يُلهم الفنانين حتى اليوم".
لوحة "بورتريه قزم" تحتل مكانة استثنائية في مسيرة بايكون، إذ كانت في الأصل جزءًا من عمل أكبر، لكن الفنان قرر الاحتفاظ بهذا الجزء وحده بوصفه لوحة مكتملة، وهي اللوحة الوحيدة التي احتفظ بها لنفسه، ووقّع على ظهرها مرتين، وشارك بها في معرضه الشهير في صالة كلود برنار بباريس عام 1977.
أوضح برانكزيك أن تصوير بيكون للقزم يُعد عملاً استثنائيًا، إذ قال لمجلة آرت نيوز ARTnews: "إنها واحدة من اللوحات الأكثر إبهارًا في مسيرة فرانسيس بيكون، والعمل الوحيد الذي احتفظ به لنفسه، وهي لفتة استثنائية من فنان اعتاد أن يترك أعماله للآخرين.
Sotheby’s
تمتاز اللوحة بحدة آنية تُوقفنا في مكاننا، بينما يواجهنا رأس الشخصية، المرسوم على مستوى النظر، بجرأة لا تعرف التردد. وقد أُنجزت هذه اللوحة خلال فترة من التأمل العميق، وهي الفترة التي أنتج فيها بيكون أعماله الأشد عمقًا وقوة، والتي تجسد بكامل قوتها ذروة عطائه الفني".
ويقول إدي باتاش، الباحث والمؤرخ الفني وصديق بيكون المقرّب، في تسجيل صوتي أرسلته سوذبيز إلى مجلة آرت نيوز: "القزم هو عمل استثنائي للغاية في مسيرة فرانسيس. لم يسبق له أن استخدم هذا الحجم من قبل. السبب هو أن اللوحة كانت في الأصل جزءًا من لوحة أكبر. ولكن كان فرانسيس يريد أن تبقى لوحة القزم مستقلة، ولم يُعر النصف الآخر من اللوحة أي اهتمام".
وأضاف باتاش: "أما لوحة دراسة لبورتريه ذاتي، فهي مذهلة بدورها. يمكن القول إنها صورة ذات طابع رومانسي. فبيكون هنا أكثر لطفًا مع نفسه مقارنة ببقية لوحاته الذاتية، ما يجعلها مختلفة تمامًا". وبحسب ما ورد في بيان سوذبيز، وصف بيكون هذا العمل مازحًا بأنه يمثل "فترته الانطباعية"، في إشارة إلى إعجابه العميق بالفنانين الفرنسيين الذين عاشوا وعملوا في باريس.
أما رودان، فتُعرض له نسختان برونزيتان بالحجم الكبير من منحوتاته الشهيرة"بيار دو ويسان" Pierre de Wissant و"جان دو فيان" Jean de Fiennes، وهما جزء من مجموعته الأسطورية The Burghers of Calais.
Sotheby’s
أُنجزت هذه التماثيل في الأصل بين عامي 1885 و1886، لتخليد تضحية ستة من مواطني مدينة كاليه خلال حرب المئة عام. وشكّل أسلوب رودان حينها خروجًا جريئًا عن المألوف، إذ ركّز على التعبير الإنساني والانفعالات الداخلية بدلاً من المثالية البطولية المعتادة في النحت العام.
ويُجسّد تمثال بيار دو ويسان أحد هؤلاء الستة، وهو مطأطئ الرأس، رافعًا ذراعه اليمنى في حركة تجمع بين الاستسلام والتحدي في آن واحد. أما جان دو فيان، فتظهر قامته الملتوية وذراعاه الممدودتان بتوسّلٍ يعكس توترًا عاطفيًا عميقًا، ويُجسّد سعي رودان الدؤوب إلى الغوص في أعماق النفس البشرية عبر التعبير الجسدي.
تُعرض نماذج أخرى من هذه الأعمال في كبرى المتاحف حول العالم، من بينها متحف رودان بباريس، ومتحف بروكلين للفنون في نيويورك، ومتحف مقاطعة لوس أنجليس للفنون، إلى جانب متاحف في أستراليا، واليابان، وبلجيكا.
ترى سوذبيز في عرض هذه الأعمال الأربعة معًا تجسيدًا لجسر فني بين قرنين من التعبير الإنساني. فبينما أعاد رودان تعريف النحت الأوروبي في أواخر القرن التاسع عشر من خلال إبراز العاطفة والاضطراب الداخلي، حمل بيكون تلك الرؤية إلى القرن العشرين في لوحاته التي جسدت الهشاشة الإنسانية بعنفٍ بصري فريد.
يقول برانكزيك في ختام بيانه: "الأعمال الأربعة، رغم اختلاف وسائطها، تلتقي في نقطة واحدة: البحث العميق عن جوهر الإنسان. إنها لحظة فريدة تجمع بين اثنين من أعظم من أعادوا تعريف الجسد الإنساني في الفن الحديث".